ثورة تونس
ثورة تونس


«الغنوشي»| الرجل الثانى فى جماعة الإخوان .. سنوات فى خدمة «الإرهاب»| تقرير

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 04 أغسطس 2021 - 12:57 ص

تقرير – خالد عبد الحميد

كيف أصبح تلميذ حسن البنا والخمينى أهم مسئول فى التنظيم الدولى للإخوان

زين العابدين ينقذ رقبة الغنوشى من الإعدام بعد تورطه فى  مخطط "المجموعة الأمنية"

حكاية صفقة الـ 5 آلاف قنبلة لشل حركة رجال الأمن بمباركة المرشد مصطفى مشهور

قصة هروب الغنوشي إلى بريطانيا بعد صدور حكم بالمؤبد فى قضية التآمر على الرئيس

لم يكن راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية مجرد قيادي لإحدى فروع جماعة الإخوان الإرهابية في المنطقة، وإنما هو رجل ذو باع طويل في خدمة التنظيم الدولي وخاصة في أوروبا ، وله العديد من الارتباطات مع التنظيم التى تهدف في خلاصتها إلى تحقيق أهداف التنظيم سواء في داخل تونس أو خارجها وذلك عى مدار عقود، وهو ما أتضح بشكل واضح خلال السنوات التى أعقبت عودته إلى تونس عام 2011.

حصل الغنوشي عى شهادة في أصول الدين من جامعة الزيتونة بالعاصمة تونس وعُيّن معلمًا في قصر قفصة عام 1963 ، ثم انتقل إلى القاهرة في العام التالي للالتحاق بكلية الزراعة جامعة القاهرة، ولكنه غادرها بعد شهور قليلة بسبب الأزمة السياسية بين الرئيسين "جمال عبد الناصر" و"الحبيب بورقيبة" ، فانتقل إلى دمشق لاستكمال دراسته وحصل عى شهادة الفلسفة من جامعة دمشق عام 1968 ، ثم إلى جامعة السوربون بفرنسا لاستكمال الدراسات العليا، ثم عاد إلى تونس أواخر الستينات خلال سنوات اغترابه شهدت تونس تغيرات مجتمعية جذرية، وهو ما رفضه الغنوشي فبدأ نشاطه الدعوي في المدارس التى كان يعمل بها مدرسًا.
وفي عام 1970 انضم إلى جمعية المحافظة على القرآن والي كانت تضم عبد الفتاح مورو وعددًا من الشخصيات الإسلامية الأخرى، وفي عام 1972 عقد مؤتمر الأربعين والذي ضم أربعين شخصًا تولى الغنوشي اختيارهم ليكونوا نواة حركته التى أطلق عليها "الجماعة الإسلامية"، وتغير اسمها إلى "حركة الاتجاه الإسلامي” في عام 1981 ثم إلى "حركة النهضة" في أواخر الثمانينات.
عرف الغنوشي نفسه في مقال نشرته صحيفة “المعرفة” التونسية في العدد الرابع من السنة الخامسة عام 1972 بأنه تلميذ ثلاثة دعاة هم البنا والمودودي والخمينى، وأن الاتجاهات الكبرى في الحركة الإسلامية المعاصرة هي الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في باكستان والحركة الإسلامية في إيران، وأما ما تبقى من الاتجاهات الإسلامية فهو تابع بشكل أو بآخر لأحد هذه الاتجاهات.


 وفي عام 1973 سافر وفد من الحركة برئاسة حميدة النيفر إلى مكة لحضور المؤتمر الدولي لجماعة الإخوان وقدموا البيعة للمرشد حينها حسن الهضيبي.
وفي عام 1981 حكم القضاء التونسي عسى الغنوشي بالسجن لمدة 11 عامًا بتهمة التورط في أعمال إرهابية قضى منها ثلاث سنوات ثم أفرج عنه في 1984 بعفو رئاسي،
وفي عام 1987 سجن مرة أخرى على خلفية كشف الأمن التونسي مخطط حمل اسم "المجموعة الأمنية" عام 1986 ، وحُكم عليه بالسجن المؤبد ثم طلب الرئيس بورقيبة
تغليظ العقوبة للإعدام ولم ينفذ الحكم بسبب وصول الرئيس زين العابدين بن علي إلى الحكم في نوفمبر 1986 .

وقد كشف مخطط “المجموعة الأمنية” بشكل كامل عن تبعية الغنوشي وحركته للتنظيم الدولي للإخوان وجماعة الإخوان في مصر، وتشكيل كيانات سرية لها على غرار الجماعة في مصر، إذ كلف قيادي الحركة ورئيس الجهاز السري “محمد شمام” ذراعه الأيمن “سيد الفرجاني” المسؤول عن عمليات التهريب بالتوجه إلى ألمانيا لتدبير 5000 قنبلة غاز مشل للحركة لاستخدامها ضد رجال الأمن والخصوم السياسيين. وورد القنابل تاجر إخواني فلسطيني الأصل يدعى “كامل غضبان” بعد الحصول عى موافقة المرشد العام للإخوان حينها مصطفى مشهور، وتم كشف المخطط بعد اعتقال الأمن التونسي “يوسف الهمامي” أحد عناصر الحركة.

وفي مايو 1988 أطلق بن علي سراح الغنوشي الذي قام في العام التالي بتغيير اسم حركته إلى "حركة النهضة" وتقدم بطلب إلى الجهات التونسية لتقنين أوضاع الحركة والاندماج في المشهد السياسي، وعقب حصول مرشحيها على نحو  17 % من الأصوات في الانتخابات التشريعية، تم رفض الطلب واتخذت ضدها وكوادرها تضييقات أمنية وسياسية، وغادر الغنوشي تونس في أبريل 1989 إلى الجزائر ثم إلى السودان حتى حصوله عى اللجوء السياسي في بريطانيا في أغسطس عام 1993 ،
وظلت بريطانيا "المنفى الاختياري" للغنوشي لمدة 20 عامًا بعد صدور حكم من المحكمة العسكرية التونسية بالسجن مدى الحياة بتهمة التآمر على رئيس الدولة، ولم يعد إلى تونس إلا بعد سقوط نظام بن علي، وسارع إلى تقنين أوضاع حركة النهضة لتصبح “حزب النهضة” الذي استحوذ عى الحياة السياسية التونسية من منذ ذلك الحين.

لعب الغنوشي عدة أدوار لصالح التنظيم الدولي للإخوان منذ نشأة حركته في تونس،وهو ما أكده الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي مؤسس الحركة الإسلامية في المغرب الأقصي في مقاله المنشور في يومية “هسبرس” المغربية في 3 مارس 2013 تحت عنوان “راشد الغنوشي يتجسس على الشيخ مطيع”، قال فيه “إن جماعة الإخوان المسلمين قد عَينَّت أول الأمر مصطفى الطحان – أحد القيادات التاريخية للتنظيم الدولي للإخوان- مسؤولا عن منطقة شمال أفريقيا وراشد الغنوشي ضابط اتصال لهم فيها، لذلك كان الطحان يرسل الغنوشي في رحلات تفقدية من أجل استجلاء الأوضاع بكل من الجزائر والمغرب، واقتراح الحلول والخطط الخاصة بالتعرف عى الفصائل الإسلامية القائمة بها ومحاولة استقطابها، وفي هذا الاتجاه أرسل الطحان راشد الغنوشي إلى الجزائر عقب اعتقال محفوظ النحناح، فأجرى عددا من الاتصالات بالمجموعات الإسلامية على اختلاف مشاربها، ثم قدم للطحان تقريرا مكتوبا ومفصلا  لرحلته في أكثر من خمسين صفحة اقترح عليه فيه أسماء تَخْلُف النحناح أثناء اعتقاله”.

استمر الغنوشي أثناء وجوده في لندن على مدار العشرين عامًا في العمل على تحقيق مصالح التنظيم الدولي للإخوان داخل أوروبا أو خارجها، فعمل على توفير الدعم اللازم لأفرع الجماعة في مناطق شمال أفريقيا ودول أوروبا بمساعدة عدد من الشخصيات الإخوانية المعروفة في المنطقة أو من خال المنظمات الإسلامية التابعة للإخوان في عدة مناطق بالعالم، وهو ما جعله أحد أهم رجال التنظيم الدولي.

ويبدو أن جهود الغنوشي مع التنظيم الدولي لم تلق استحسان قيادات التنظيم فقط وإنما امتدت أيضًا إلى أجهزة الأمن البريطانية، إذ أكد القيادي السلفي المصري هاني السباعي المقيم في لندن في مقطع صوتي بثه في فبراير 2013 أن الغنوشي مستشار للمخابرات البريطانية وسكوتلانديارد لشؤون الإرهاب وأن رأيه ذو ثقل في قضايا منح اللجوء السياسي، وهو ما استغله الغنوشي لصالح تنظيم الإخوان فاستقدم أعدادًا كبيرة من قيادات الجماعة إلى بريطانيا.

كانت الثورة التونسية وسقوط نظام زين العابدين بن علي بمثابة فرصة كبيرة للتنظيم الدولي للإخوان الذي قرر الدفع براشد الغنوشي وعودته إلى تونس في 30 يناير 2011 لتحقيق أهداف التنظيم في تونس وشمال أفريقيا، واستقبلته حشود كبيرة وأعاد بناء حركة النهضة وحوّلها إلى حزب رسمي حصد به أغلبية المجلس التأسيسي المنوط به وضع دستور جديد للبلاد وانتخاب رئيس جمهورية انتقالي. وتمهيدًا للأرض أمام الدور السياسي المنتظر، سوّق الغنوشي نفسه وحزبه أمام المجتمع التونسي والدول الكبرى بأنه يمثل التيار الإسلامي الديمقراطي المعتدل الذي يقبل بعلاقات دبلوماسية مع الدول الأوروبية ومشاركة الحكم مع الطوائف السياسية التونسية الأخرى، وبالفعل فازت الحركة في انتخابات 2011 ومارست الحكم عبر تحالف الترويكا مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، واختير منصف المرزوقي رئيسًا للجمهورية.

وخلال الفترة من 2011 إلى 2013 احتلت جماعة الإخوان الساحة السياسية في مصر وليبيا، ولعب الغنوشي دوراً كبيراً في تنسيق تحركات الجماعة في كلا البلدين بالتعاون مع تركيا بما يحقق مصالح وأهداف التنظيم الدولي، وجاءت ثورة 30 يونيو بمثابة صاعقة ضربت التنظيم الدولي، وهو ما استدعى تنظيم مؤتمر الإخوان المسلمين العالمي في تركيا في 15 يوليو 2013 وتم خلاله اختيار الغنوشي رئيسًا للمكتب السياسي وبذلك يكون الرجل الثاني في التنظيم بعد إبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولي.
وعقب انهيار حكم الإخوان في مصر تحركت النهضة على محورين لتجنب مصير إخوان مصر، المحور الأول، تنفيذ عدد من الاغتيالات ضد المعارضين في ضوء تصاعد دور حركة تمرد التونسية لإرهاب النشطاء وبالفعل اغتيل كل من “شكري بلعيد” و”محمد البراهمي”. والمحور الثاني، سير الحركة للتوافق مع التيارات السياسية الأخرى حول مستقبل النظام السياسي التونسي وكان هذا تحركًا تكتيكيًا ليتناسب مع الظروف السياسية الضاغطة التى فرضتها ثورة 30 يونيو على الإخوان بشكل عام أينما كانوا.
ومنذ استحواذ حركة النهضة عى الساحة السياسية تدور تونس في فلك التنظيم الدولي، وهو ما ظهر بشكل جلي خلال  تطورات الأزمة الليبية، إذ استغل راشد الغنوشي عمله كرئيس للبرلمان في عدة مواقف لتسهيل مأمورية تركيا فى ليبيا ، نذكر منها اتصاله برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج في 19 مايو 2020 لتناول مستجدات الوضع في ليبيا، وتقديم التهاني عى سيطرة الميلشيات التابعة لحكومة السراج المدعومة من تركيا على قاعدة الوطية العسكرية. وتم في الشهر ذاته اتصال بين الغنوشي وخالد المشري رئيس مجلس الدولة في طرابلس لبحث الأوضاع الاقتصادية والصحية في ظل أزمة كوورنا.

بالإضافة إلى العلاقة المباشرة بين الغنوشي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ التقاه الغنوشي أثناء زيارته إلى أنقرة في يناير 2020 ، ثم أجرى اتصالًا به في أبريل للتباحث حول سبل التعاون بين البلدين في العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية وجهود مكافحة كورونا. وساهمت تلك التحركات في إثارة استياء الرئاسة التونسية والكتل المدنية في البرلمان، واستدعت تأكيد الرئيس قيس سعيد في مايو 2020 على أن “الدولة التونسية واحدة.. ولها رئيس واحد في الداخل والخارج”.

ولم يكن الغنوشي وحده من يحمل مهمة تحقيق مصالح التنظيم الدولي للإخوان في تونس، وإنما شاركه في ذلك صهره “رفيق عبد السلام” الذي تولى منصب وزير الخارجية التونسي في حكومة الترويكا ولكنه توارى عن الأنظار منذ عام 2013 إثر فضيحة مالية، وتفرغ من حينها لإدارة موارد تنظيم الإخوان في تونس، ويدير مجموعة من الكيانات الي تشكل واجهة لتمرير التمويات المالية من خارج تونس إلى داخلها أو العكس، ومن بين هذه الكيانات شبكة إعلامية في تونس تضم قنوات تليفزيونية وإذاعية ومواقع الكترونية صحفية وجمعيات أهلية، وتشير تقارير صحفية إلى رفع الحكومة التونسية السابقة عدد من الملفات إلى القضاء تحمل بيانات عن تورط صهر الغنوشي في عدد من الجرائم المالية لجماعة الإخوان وتنظيمها الدولي.

الشاهد هنا ، أن الارتباط القوي بين راشد الغنوشي والتنظيم الدولي للإخوان مثل حجر الزاوية في الأزمة السياسية الطاحنة الي تشهدها تونس منذ شهور وبلغت ذروتها في المرحلة الحالية، وذلك في إطار إصرار الغنوشي على تحقيق أهداف التنظيم الدولي والتابعين له في المنطقة ودول الجوار بغض النظر عن المصلحة الوطنية التونسية وما يناسب سياساتها الخارجية ويحقق مصالحها.

وإزاء تلك الأوضاع وسيطرة جماعة الإخوان من خلال حزب النهضة على مختلف مناحى الحياة فى تونس .. انتفض الرئيس قيس سعيد واتخذ قرارات تاريخية أنقذت تونس من براثن الأخطبوط الإخوانى ، وهو ما أصاب التنظيم الدولى للإخوان بصدمة عنيفة بعد صدمته الكبري فى مصر 2013 والتى لم يفق منها حتى الآن ، وعادت الجماعة لسيرتها الأولى وسعت لتنفيذ سيناريو ما بعد 2013 فى مصر بالتهدديد بإشعال تونس إذا لم يتراجع قيس سعيد عن قراراته ويعيد المشهد السياسى لسيرته الأولى .
ولأن حركة النهضة كانت الورقة الأخيرة للتنظيم في المنطقة، فقد شكل خسارتها هزيمة للمشروع السياسي للجماعة في المنطقة بشكل نهائي.

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة