نوال مصطفى
نوال مصطفى


حبر على ورق

ليه لأ ؟

نوال مصطفى

الأربعاء، 04 أغسطس 2021 - 07:02 م

 

يخطفنى المشهد الأول، يورطنى فى حكاية ندى، التى يفاجئها القدر بطفل رضيع عمره يوم واحد، أو ربما ساعات! تلقيه  فى حجرها فلاحة صغيرة يشتغل أبوها فى أرض تملكها ندى وأخوها.
 دكتورة شابة، لم تتزوج تجد نفسها وجها لوجه مع طفل رضيع استغاثت بها أمه الشابة الصغيرة لكى تخلصها منه، حتى لا يقتله أبوها ويقتلها معه. تبدأ حلقات مسلسل «ليه لأ» بهذا المشهد المتأزم، وتستمر على مدى 15 حلقة لا يتخللها لحظة ملل، ولا هفوة تكرار. عمل فنى يستحق الاحترام، التقدير، والتكريم لكل صناعه.
 ليه لأ؟ سؤال يطرحه علينا المسلسل وكأنه يدعونا للتفكير بشكل مختلف عن السائد والمتوارث. ويجعلنا نفكر بشيء من التحرر من المألوف والسائد من الأفكار، والتقاليد المتعنتة، التى تجعلنا ننغلق على طريقة واحدة من التفكير فى أمور تخص حياتنا وحياة الآخرين ونرفض ما عداها.
 الفكرة التى يقتحمها المسلسل هى»الاحتضان» أو كفالة الأطفال الذين شاء قدرهم أن يكبروا فى دور رعاية. أى أن تقوم أسرة، أو حتى امرأة لم تتزوج برعاية طفل فى بيتها، وتربيه كأنه ابنها. وهى ما يعرف فى الغرب «بالتبنى» وفى هذه الحالة يمكن أن يحمل الطفل اسم الأب. لكن عندنا غير مسموح بذلك طبقا للشريعة الإسلامية، وحفظا للأنساب.
 القضية كبيرة، وشائكة جدا، طرحها المسلسل بواقعية شديدة، لم يجمل الصورة، بل أبرز العديد من المشاكل التى تتعرض لها الأم البديلة التى تكفل طفلا فى بيتها، خاصة إذا كانت تعيش وحدها. أهم مشكلة قابلتها الدكتورة ندى التى جسدتها ببراعة الفنانة منة شلبى هى القبول المجتمعى للفكرة. وهو ما احتاج وقتا حتى حدث التغيير، وتقبل الأهل والأصدقاء الوضع، والفكرة الجديدة.
 أكثر ما أسعدنى فى هذا العمل المحترم، الممتع هو أن الدراما بكل عناصرها ومفاتيحها كانت هى الهدف الواضح أمام الكاتبة مريم نعوم وورشة الكتابة الجادة التى عملت معها بقيادة دينا نجم. وكذلك المخرجة الممتازة مريم أبو عوف التى حرصت على تجسيد المشاعر الإنسانية بإحساس عالٍ، وحقيقى جدا. المشاهد من أول المسلسل لآخره ممتعة، مدروسة، مشحونة بالإحساس.
 الممثلون بداية من العبقرية منة شلبى، والممثل الرائع أحمد حاتم، والطفل سليم مصطفى (7 سنوات) والطفلة منى زاهر (8 سنوات). ومراد مكرم، دنيا ماهر، سارة عبد الرحمن. كلهم أدوا أدوارهم ببراعة واستطاعوا بتوجيه من المخرجة الرائعة أن يدخلوا إلى أعماق القضية، تلبسهم نفس مشاعر الشخصيات التى يجسدونها، فجعلونا نحن المشاهدين نعيش معهم، نتوتر، نبكى، نفرح، نفكر. وهذا هو دور الدراما، تحريك الحواس جميعا لتعمل، تتذوق، وتحس.
 نحن هنا أمام نوعية راقية، ممتعة من الدراما التى فى مقدورها أن تغير المجتمع إلى الأفضل، وتكسر التابوهات والأفكار الجامدة التى تجعل حياة البشر أصعب. حسب بيانات وزارة التضامن الاجتماعى زادت طلبات الأسر والناس على كفالة الأطفال برقم 2500 خلال أقل من شهر منذ تم عرض المسلسل.
 إذن هناك الكثير من القضايا تحتاج للدراما الواعية، والإعلام المدروس حتى نتغير، ونرتفع بمستوى الوعى فى مجتمعنا. وهذا ما نجح فيه هذا المسلسل الذى تصدر «التريند» وتابعه الملايين فى الوطن العربى والعالم كله على منصة «شاهد».
 الجميل فى المسلسل هو واقعيته الشديدة، فقد عرض معظم المشاكل التى تواجه الاحتضان أو الكفالة، ولم يقدم الفكرة بصورة توعية وارشاد، بل من خلال قصة درامية محبوكة، تحمل أكثر من صراع، تتصاعد أحداثها المشوقة، وتنجح فى إبقاء المشاهد يلهث خلفها ليعرف ماذا سيحدث لندى؟ لماذا فعل يونس كذا؟ هل يعود صلاح لرانيا؟ هل سيقتل الفلاحون خالد؟ هل يعود يونس إلى ندى مرة أخرى؟ هل وهل.. فى النهاية نحن أمام عمل يدرس لطلاب الدراما ولصانعيها أيضا.
برافو المريمتان: نعوم وأبو عوف.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة