ماذا فعلنا نحن أهل مصر إزاء ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الاحتفال الذى أقيم بالمولد النبوى الشريف؟ كان أمام الرئيس خطاب مكتوب. لكنه ارتجل بعض الكلمات والعبارات التى لا تقل أهمية ولا خطورة عما كان مكتوباً أمامه. تحدث عن الخامس والعشرين من يناير الذى نصل إليه بعد أيام.
قبل الوصول لما قاله الرئيس لفت نظرى وتوقفت أمام دلالة هذا الصمت التام الذى يمكن أن يوصف بالخرس الذى أصاب المجتمع المصرى. كلام خطير قاله الرئيس ومر مرور الكرام. ومضى كأن الرئيس لم يقله. مع أن أهل مصر الآن لا يمارسون سوى الكلام. يعومون فى بحور الكلام. يجدون فيه الملاذ الذى يمكن أن يمارسوا من خلاله ما لا يفعلونه فى حياتهم اليومية.
ومن يتابع الفضائيات التى نسميها برامج التوك شو. سيجد نفسه وقد أوشك على الغرق فى بحار ما يقال وما يحكى وما يفتون به. ابتداء من الثامنة مساء وحتى ما بعد منتصف الليل. ولا شئ سوى الكلام - فى الفاضية والمليانة - لكنهم لم يتوقفوا أمام ما تحدث به الرئيس.
تصورت أن الأحزاب ستصدر بيانات. وأن القوى السياسية ستتحرك. وأن رموز المجتمع من النخبة سيكون لها شأن. تقبله أو ترفضه أو تعلق عليه أو تعيد صياغة بعض كلماته أو تقدم موقفاً بديلاً للموقف الذى اتخذه الرئيس. وهذا كله من حقها فى إطار الجماعة الوطنية المصرية. وفى سياق أن هذا الوطن هو وطننا جميعاً. وأن ما يجرى فيه الآن محاولة للبناء علينا أن نشارك فيها جميعاً. باليد أو العمل أو التفكير. أو حتى مجرد إبداء الرأى. وهذا أضعف الإيمان.
تساءلت: أين هم المصريون؟ هل تركوا البلد دون أن ندرى؟ هل وجدوا لهم بلداً آخر غير مصرنا الحبيبة؟ هل لم تعد مصر تعنيهم ولا تشغلهم؟ ولا يهتمون بما يشغلها من أخطار؟ أم ماذا جرى بالضبط؟ لأسئلتى سبب مشروع. أن الكلام قيل ونحن على مشارف انعقاد البرلمان بعد انتخاباته التى شهد الجميع بنزاهتها وعدم تدخل الدولة فيها. وبالتالى فإن هناك حالة من الاهتمام بالشأن العام تتفوق الأيام العادية. فالبرلمان يعنى العمل من أجل أن تضع مصر أقدامها على أول الطريق الجديد.
كان الرئيس السيسى قد تحدث عن 25 يناير وقال إن المصريين لو كانوا يرغبون فى أن يترك الحكم سيتركه. لكنه لن يخضع لابتزاز جماعة بعينها. وكان يشير بذلك إلى حرب التخويف وتجارة الخوف الرائجة الآن مما يمكن أن يجرى فى الخامس والعشرين من يناير القادم.
رأيت أن الرئيس جاء بإرادة شعبية. ويتمتع بتأييد شعبى ربما لم نره منذ زمان جمال عبد الناصر - وهو من هو - وحتى الآن. وأنا ألمس هذا فى الشوارع وعلى المقاهى وفى المطاعم والأسواق ومن خلال سائقى التاكسى الذى أستقله فى مشاويرى. ولا أبالغ أى مبالغة عندما أقول إن هناك حالة من الإجماع الشعبى على الرئيس السيسى: شخصاً وسلوكاً وأداء ورؤية وجهداً. يحاول من خلاله أن يفعل الممكن وأن يقارب المستحيل.
أما أن يقول إنه سيمشى إذا أراد المصريون منه ذلك. فلنا وقفة مع هذا الكلام. فكيف يريد المصريون هذا من رئيس أنقذهم من ظلام وغياهب وسرقات الإخوان؟ وحتى إن أراد المصريون هذا. فكيف نعرف أن هذه إرادة جموع المصريين وليست رغبة فئة معينة أو جماعة بعينها؟ لأن هناك فارقا بين ما يريده الوطن وما تحاول فرضه مجموعة مهما كانت هذه المجموعة.
طبعاً أنا ضد أن تعبر الغالبية العظمى من الشعب المصرى عن موقفها تجاه هذه القلة. لأن هذا منزلق قد يخوضنا إلى ما يمكن أن يؤدى لحرب أهلية لا قدر الله ولا كان. ثم إن الرئيس لم يكمل عامه الثانى. من أربع سنوات هى مدة ولايته. ممكن أن يكون قد أنجز. ومن الممكن أيضاً قد حدث تقصير هنا أو هناك. فهو بشر. والبشر كما يصيبون فمن حقهم أن يخطئوا.
أعرف حجم الحرب النفسية التى تدار ضد مصر من عواصم خارجية كثيرة. وأعرف حجم المشاكل الداخلية التى تحاول الحكومة الاقتراب منها وحلها. وأدرك أيضاً أنها لم توفق فى حل كثير من المشاكل. لكنى أعتقد أن الوضع العام فى مصر الآن يستحق أن نعطيه فرصة أخرى لكى ينجز ما لم ينجزه. ويتمم ما لم يقم به حتى الآن.
عدونا هو اليأس المتحرك الذى يشيعونه بيننا من خلال حرب الشائعات. ونستجيب له ربما بحسن نية. علينا مقاومته. وأن نعمل بالإيجاب لا بالسلب. وأن نتقدم ولا نقف فى أماكننا.