أخبار الوفيات التى تحزننى فى مصر كثيرة هذه الأيام. ومنها خبر رحيل الدكتور والعالم الجليل والإنسان العظيم إبراهيم بدران. نزل الخبر عليّ بأشد حزن يمكن أن أشعر به لافتقاد أحد رغم أنى لم ألتق بهذا الرجل غير مرتين فى مستشفاه بالدقى ومنذ سنوات طويلة. لكنى أعرف من هو بين الأطباء وبين العلماء. طويلة هى قائمة المناصب التى تولاها والتى شارك فيها والتى لم نسمع عنه فيها إلا كل شيئ طيب وعظيم. وزارة الصحة وجامعة القاهرة فى السبعينات من القرن الماضى. رئاسة مجلس بحوث الصحة والدواء باكاديمية البحث العلمى. عضوية الهيئة الإستشارية بهيئة الصحة العالمية وعضوية الجمعية الطبية العالمية فى بروكسل وعضوية المركز الفرنسى للعلوم والطب فى باريس وغيرها كثير كثير. قيمة وقامة وفخر للأمة المصرية والعربية. أوسمة كثيرة من فرنسا ومصر وغيرها. وجوائز مصرية وعالمية وكتب عظيمة فى الجراحة ومستقبل التعليم والبحث العلمى. ودائما نحن وربما البشر عموما لايتصورون أن العظماء يمكن أن يغيبوا عنا حتى يفاجئون برحيلهم فيكتشفون كم كانوا عظماء فى العالم وفى البلاد ، وكم عاشوا من أجل البسطاء من الناس والفقراء من المرضى. يا إلهى. منذ سنوات طويلة أحست زوجتى الأولى رحمها الله بشيئ غير طبيعى فى صدرها وتحت إبطها. وكانت ترضع أبننا الصغير. وذهبت بها إلى طبيب مشهور نسيت اسمه قرر أنها مصابة بورم فى الصدر ويجب تحويلها فورا إلى مستشفى مصر الدولى التى كانت جديدة لإجراء جراحة عاجلة واستئصال الثدى. وقبل دخولها بيوم رأيتها تبكى. قالت لا يمكن أن أفعل ذلك من أول طبيب. لابد من آخر لنتاكد. أخذتها إلى مستشفى بدران. الكشف عشرة جنيهات وقتها وحتى الآن. ابتسم رحمه الله بعد أن كشف عليها وقال. بطلى ترضعى الولد وصومى علشان يقل اللبن وتعالى بعد عشر أيام ، مافيش حاجة يابنتى. أنا الذى سالت دموعى أمامه من المفاجأة. انتهى الأمر. لكنها بعد خمس عشرة سنة توفت بأخطاء أطباء آخرين فى الكشف عليها. المرة الثانية بعد عشرة أعوام من الأولى تقريبا كانت مع إبنى الذى ظهر كيس دهنى على صدره فقال الدكتور ابراهيم بدران مبتسما ابتسامته التى تشفى كل مريض أن هذا ليس ورما لكنه دهون. بطل بس تاكل سمنة والعب رياضة. وحدث والحمد لله. الحديث عنك أيها العالم الجليل العظيم يحتاج فصولا وكتبا. لم أتردد عليك بعد ذلك لأن ما عانيته وأسرتى كان بسيطا اللهم إلا فى حالة وفاة زوجتى التى منعنى عن الحضور اليك بها سوء الحظ وسفرك الكثير وقتها منذ أكثر من خمس عشرة سنة. ثلاثة أطباء كبار جدا من الجامعات الثلاث الأزهر والقاهرة وعين شمس أخطأوا فى التشخيص وقراءة الإشاعات والورم فى بدايته حتى استفحل السرطان الذى كان فى المخ ووقف الموت أمامنا. حكاية لا أحب أن أعيدها فيكفى ماجرى لى ولأسرتى من ألم. لم أتردد عليك بعد المرتين الأوليين لكنى كنت أعرف أن فى مصر طبيب عظيم هو أنت يعيش الناس ببسمته وعلاجه. وحين حدثت أزمة جامعة النيل والدكتور أحمد زويل تساءلت كيف للدكتور زويل وهو العالم أن يقف فى وجه جامعة من مجلس إدارتها علماء كبار من بينهم عالم مثل الدكتور بدران. لم يعجبنى أبدا موقف زويل الذى استمر للأسف وقتها على موقفه حتى أعادت المحكمة الأمور إلى وضعها الصحيح. لم يتحدث الدكتور بدران وقتها بأى حديث يسيئ إلى أحد. رحمك الله ألف رحمة ياطبيب الفقراء وخالص العزاء لأسرتك.لإبنك الرائع الدكتور أحمد بدران.أبقاه الله فخرا لنا وللوطن والناس.