إيمان راشد
إيمان راشد


يوميات الأخبار

مشاعر على حافة الوطن

إيمان راشد

السبت، 07 أغسطس 2021 - 06:50 م

 هذه سطور يملؤها الشجن لحياة ضباط وجنود الشرطة من الأمن المركزى عاشت مصر ورحم الله الشهداء وألهم اهلهم الصبر والسلوان.

كأنه مهاجر.. طيف وضيف... رن التليفون جهزى الشنطه بكره مسافر... فين؟ ماعرفش امتى هرجع؟ مش عارف... انتى بس كترى الغيارات والشرابات طالعين موضوع وبعدها كام مشروع.. ما تسأليش انا ما أقدرش أقول.. انا هروح هناك.. حاضر.. أوامر انا تمام التمام وجاهز.


 من النجمه صاحى سلاحه على كتفه وروحه على كفه حاسس يا ثورجى سامع يا اخوانى.. هو كل خطوه بيخطيها بأوامر ودمه بيسيل وانت بيه بتاجر... ورا الميكرفونات كرافتات وفساتين وحناجر... كلام فى كلام ومناظر.. مين فيكو نام بعيد عن سريره  هو من كترهم مش فاكر كم مره جاع عطش مش فاكر اكتر مره وقف فيها وتشنجت رجليه مش فاكر.. فى الحر لابس بدله وبياده وفى النهار صابر وفى عز الشتاء والبرد على الحدود مرابط... وفى الآخر تقولوا عسكر وعساكر.. هوا عاملك قيمه يا ناكر واقرا من اول مينا حتى يناير وافتكر اسرائيل ركعت على بيادته وانت لسه قال ايه ثورجى وثائر هو ال صوته كبر فى سيناء بالسما ولا مش فاكر.. اصغر عسكرى فيهم كبير واغلى من الغالى... بردانه يا بلد والدفا غالى. 


٢٥ يناير 


مرت الأيام والسنين والظباط وحالهم ماشين وجه يناير وانا وبنتى واصدقائى وزملائى على الفيس كاتبين ٢٥يناير فى ميدان التحرير نازلين وعن طلباتنا مش متنازلين انتخابات شعب وشورى لازم اعاده وعلى التزوير مش ساكتين وكمان توريث وجمال رئيس لا للتوريث..


 وفى اليوم المحدد اتفقنا لقينا الضباط معانا جاهزين.. صرخت الأم وقالت على ايه ناويين قالها ما تخافيش يا امى على الخير متفقين ردت انتم ظباط شرطه ازاى فى وضعكم متصرفين.. قال يا امى احنا ضايعين زينا زى كل الشباب ولا انتم مش حاسين واحنا على الولاء حالفين بس مش للعملا ولا المتآمرين.. طيب مش حتاخد سلاحك؟ لا لا احنا معاكم نازلين سلميين، ووصلنا للميدان  ستات بنات رجاله مش فارقين.. سيارات الشرطه حميانا وجالهم الأكل تقاسموه مع اكتر المتواجدين... مرت ٣ايام واحنا على الحال ده على طلباتنا مصرين.. وفجأة ٢٧بالليل فيه ناس بدأت تضرب فينا مندسين لا هما ثوار ولا كمان الشرطه حتبقى على نفسهم معتدين.. ويوم ٢٨ وبعد صلاة الجمعة اتفاجأ الجميع بناس كتير من العمارات والانفاق خارجين ولايديهم مربعين.. صرخ رجال الشرطه الاخوان متواجدين وهى دى اشارتهم ياترى على ايه ناويين؟


اتغير الحال واختلط الحابل بالنابل ده وقع.. ده اتصاب وعساكر من على الكبارى حدفوهم وظباط ضربوهم وحرقوا سيارات الشرطه الواحده ب١٠٠ عسكرى وثلاثه أمناء و٢ ظباط يا حرقة القلب على الشباب الورد المصريين.


الإخوان فى الميدان


ام الضابط جريت تدور على ابنها بين المصابين وتصرخ ياقلبى يا ابنى انتم من غير سلاح نازلين  وياترى عربيتك كانت من ضمن العربيات المحروقين... مين بالمولوتوف لينا وللشرطه حارقين.. وحاولت الشرطة بكل ما تملك من خراطيم للمياه انهم يكونوا لينا وليهم حاميين بس يا خسارة مش على الغدر قادرين... استمرت الأم فى جريها وبحثها تصرخ زى المجانين قلبها وصدرها على ضناها والشباب موجوعين وتملكها اليأس فأخدت بنتها والدموع داخل المقلة مش نازلين وعادتا الى بيتهما مقهورين... وفى الفضائيات سمعت عجب العجاب قال ايه الشرطة للناس كانوا معتدين.. آه ياولدى ليه كل الناس ليكوا ظالمين يا حرقه قلبى انتم كنتم مع الثوار ثاريين ودلوقتى انتم فين صاحيين ولا ميتين.


 وبعد خمسة ايام من الألم والصراخ وعيون عن النوم جافين عرفت ان محمد ووليم وكريم زملاء ابنها من المفقودين وتأكدت ان مش بس ابنها  لا امهات كتير مقهورين وعلى فلذات اكبادهم محسورين..


 ومرت الليالى حالكه السواد بين اليأس والرجاء على الأم التى جافها النوم واتخذت من كنبه بجوار الباب مستقرا بلا اطمئنان حتى سمعت طرق على الباب...فرحت جريت...

وقفت..خافت يا ترى مين هو ولا غيره واذا كان بأى اخبار محملين مرت دقايق كأنها السنين حتى وصلت للباب وساقيها ترتجف وفتحت شافت ابنها قدامها شايلينه ورجليه الاتنين مكسورين وأوصلوه إلى غرفته بوجوه واجمة وقلب ام لايعرف يبكى ام  يشكر رب العالمين.


رجالة فى كل المواقف


 الأم اخدت ابنها فى حضنها وشالته ودموعها لا تنقطع فكيف بعد ان كان هو من يحميها ويعاونها ويحملها ويتحمل عنها كل شىء اصبح لا حول ولا قوة إلا بالله..

ربت على كتفها متسائلا ما بك يا امى الا لله تشكرين...

جففت عيونها وقالت سأذهب للمطبخ فنحن لم نشعل البوتاجاز منذ عشرة ايام وسأطهى لك كل ما تحب فرفض قائلا لا اريد طعام اريدك جانبى حتى انام ساعتين واعود الى معسكرى ومستنكرة قالت كيف وحالك هكذا ونظرة حانية رد يا امى هناك امهات ينتظرون ابناءهم سبقونى على المعسكر فنحن لن نتركه للأغبياء...

سأستعين بعكاز اتكئ عليه وارافق زملائى ولا تخشى علينا فنحن رجال عاهدنا الله على حماية عريننا..

انصاعت الأم لطلب ابنها وألقت بجسدها بجواره فى محاولة لتعويض وحشتها مطبطبة على ظهرة فإذا به ينتفض من الألم واقشعر بدنها من هول ما رأت...

جسد ابنها كالممزق بسوط فانفجرت باكية فابتسم وقال هونى على نفسك يا امى لقد اضطريت ان احمل جنودى من الميدان وألقى بهم فى السياره لحمايتهم فهل كثير اصابتى من أجل ارواح هى فى رقبتى.


 فعلا هؤلاء هم رجاله لكل المواقف على بلادهم محافظين بس هناك أغبياء مش فاهمين.. بس لسه عندى سؤال ليه من المعركه قالوا كنتم هربانين.
لا يا امى انا حاثبتلك اننا كنا للبلد وللناس ولشرفنا محافظين.


الحقيقة الغائبة


يا امى انت اكتر واحده عارفه اننا للمسئوليه مقدرين يا امى دى أرواح و دم مصريين لم نكن نحمل سلاح ورب العالمين ما كان بحوزتنا هى خراطيم المياه وحلقات البلاستيك التى كنا بيها لانفسنا حامين فلما الاخوان هجموا علينا وعلى الثوار وكانوا من المعتدين فلم يكن امامنا إلا خيارين نموت وجنودنا ال ارواحم فى رقابنا او الداخليه ترسل لنا اسلحه نكون لها مستخدمين بس تخيلى يا امى لو كنا مقاتلين ومش حاكمل لانك من الفاهمين...

ده الكل مصريين يا امى الخيارات كلها كانت امر من بعضها فى نفس الوقت ال بدأ فيه الاخوان والبلطجية لينا قاتلين ولسيارتنا حارقين فما كان منا الا لملمة ما تبقى من القوة المساكين وبكل ما نملك من قوة غضب وخوف عليهم شايلين عشان كده كنا كالمسحولين وعودنا الى معسكرنا نلملم احزاننا وبقايانا واحنا حزنانين..

احنا رجاله من مصر وللمصريين محبين هو احنا مش زى الشعب ومنه ولا نسيتوا اننا ابناؤكم لا حول ولا قوه الا بالله.


وغلف مشاعرنا الصمت لان الناس كانوا للشرطه ظالمين وللحقيقه مش فاهمين وجرح غائر اخترق القلوب و النفوس لان الكل كان لينا قاهرين واحنا من المحبين.


تنحى مبارك 


بعد كل تلك الاحداث الجسام اعلن المرحوم عمر سليمان تنحى الرئيس مبارك عن الحكم وتولى المجلس العسكرى أمور البلاد.


ومرت الأيام ونزيف دم المصريين لا يتوقف بين مظاهرات ومهاترات ومحاكمات وجرت الأحداث وفتح باب الترشيحات وكان شفيق من الفائزين لكن وطنى اصيل خاف على البلاد من الأوغاد واصبح الاخوان هما ال حاكمين...

وبدأت اسوأ واسود ايام حياتنا اصبحوا على كل اجهزة الدولة مهيمنين .. تم طرد الكفاءات وتعيين ناس للمسئولية غير مقدرين ولا فاهمين وبعنجهية متصرفين إعلام وقضاء واحنا مش مصدقين وبدأت النار تسرى كالهشيم ودخلنا عصر كله كبت وضغوط احنا ليها مش متحملين..

قرارات هبلة وعبيطة واصبحنا امام العالم خجلانين...

وجه ٣٠ يونيو وكانت ثورة شعب على الاخوان ٤٠ مليون محتشدين ولمرسى مش عاوزين وكان على عكس مبارك من المتمسكين وقال انا او الدم يا مصريين. 


اعتصام رابعة


رفض مرسى ترك الحكم ولم يبال الشعب ومجموعة كبيرة من الاخوان اتخذوا من ميدان رابعة مركزا لاعتصامهم مصطحبين معهم اسرهم واتخذوا من الشوارع الجانبية مكانا لقضاء حاجتهم ودعمهم الاغنياء منهم بالطعام والمخيمات حتى ضج منهم سكان المنطقة بعد ان اصبح وجودهم ينذر بانتشار الاوبئة رافضين عزل رئيسهم ولكن السيسى اعلن بكل ثبات عزل مرسى.. واستمر الاعتصام.


جلست ام الضابط على مقعدها التى باتت تكرهه فهو مصاحب لها فى كل ذكرياتها المؤلمة وها هو ابنها مرة اخرى يتغيب عن البيت اياما وليالى ولا تدرى متى يعود، استيقظت فى السابعة صباحا وأعدت افطارا شهيا طلبتها ابنتها مستفسرة عن شقيقها فأخبرتها بعودته ونومه فحمدت الاولى الله..

قائلة انتى كمان ماتنزليش يا ماما بيفضوا رابعة بقالهم ساعة.. اغلقت الأم السماعة وذهبت لإيقاظ ابنها لتناول فطاره ولكنها وجدت السرير خاليا صرخت ونادت عليه دون جدوى..

اذن هو فى رابعة..

انهارت الام  امام شاشة التليفزيون وهى تقرأ عن شهداء الشرطة.. وفى منتصف الليل سمعت طرقا خفيفا على الباب فهبت واقفة ثم تراجعت..

ترى من يكون ابنها معه مفتاح ولعب الشيطان برأسها فانهارت صارخة رافضة فتح الباب حتى جاء صوت ابنها واهنا افتحى يا امى.


حقيقة ما حدث


فتحت الأم الباب وهمت باحتضان ابنها الذى ابعدها برفق قائلا اتركينى يا امى ملابسى ملطخة بدماء زملائى وأرض مصر..

بكى قائلا قبل ان انام قرأت على الجروب الخاص بنا ان زملائى يستعدون لفض رابعه فطلبت المشاركة وانتظرت حتى تنامى ونزلت...

ذهبنا جميعا هناك السادسة ولمدة ساعتين ونصف نطلب الفض السلمى من كل المعتصمين وفى الثامنة ونصف وافقوا ولكنهم كانوا مبيتين النية فقد اصطف الضباط وافسحوا الطريق لخروج المعتصمين الا انهم فى دقائق كان الرصاص ينهال علينا. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة