وما يدعو للدهشة.. أن مَن يديرون هذا الملف.. ينتقلون من فشل إلي فشل.. ويسمحون للطرف الآخر بحشرهم في دائرة مُفرَغة ستنتهي حتماً بقيام السد الإثيوبي كأمر واقع لن يدع لمصر من خيار سوي الموت عطشاً أو الشرب من البحر!!.

إذا انقطعت المياه عن منازلكم أو شحت في غيطانكم؟.. فاعلموا أن المجاعة المائية بدأت تداهمنا!!..نعم .. نحن نسير بخطي حثيثة نحو مصير كارثي ستكون نهايته المحتومة توقف النيل عن الجريان إذا واصلنا المسار التفاوضي الفاشل الحالي بشأن سد النهضة.. بدايةً.. يتعين الإعتراف بأننا مقصرون للغاية في حق النهر.. إذ نكتفي بالأغاني والقصائد التي تتغزل فيه بينما نرتكب ضده أبشع الجرائم التي كان المصري القديم ينأي بنفسه عنها ويقسم لدي عبوره للعالم الآخر أنه «لم يلوث ماء النهر».. أما نحن فإننا نردمه ونلوثه ونُلقي فيه بكل مخلفاتنا القذرة والقاتلة في عملية تدمير ذاتي غبية ومتخلفة وبلا نظير!!..
غير أن هذه ليست قضيتنا الآن رغم أهميتها وحيويتها.. إذ أننا وللمرة الأولي في تاريخ مصر المكتوب أمام خطر عظيم هو «إحتمال جفاف النهر أو توقفه خارج الحدود.. وهو ما يعني موت مصر بشراً وزرعاً وضرعاً!!.. نعم.. نحن علي مشارف جريمة «إبادة جماعية» غير مسبوقة.. وما يدعو للدهشة والإستغراب حتي الموت أن مَن يديرون هذا الملف يتدثرون بالصمت والغموض وينتقلون من فشل إلي فشل ويسمحون للطرف الآخر بحشرهم في دائرة مفرغة ستنتهي حتماً بقيام السد الإثيوبي كأمر واقع لن يدع لمصر من خيار سوي الموت عطشاً أو الشرب من البحر!!..
مطلوب الآن وفوراً وقفة حاسمة مع «الشريك» الإثيوبي ووضع «إستراتيجية حرب» لمواجهة الأزمة.. ولا أعني الإستعداد للحرب بالمعني الحرفي رغم أنها حق مشروع دفاعاً عن وجودنا، ولكني أطالب باستدعاء وحشد كل قدرات وإمكانات المصريين العلمية والدبلوماسية والإستراتيجية لتحقيق هدف واحد هو ضمان حقوق مصر التاريخية غير القابلة للتصرف في مياه النهر.. فلا يستقيم الحديث عن حسن النوايا وطيب العلاقات وتكرار «أكليشيهات» عدم الإضرار بحصة مصر بينما يرتفع بناء السد بمعدل مرعب لنفاجأ بعد شهور قليلة بأن ظهرنا للحائط وليس أمامنا إلا إستجداء إثيوبيا لكي تفتح لنا «حنفية» سدها بما يسمح بأن «نبل ريقنا» وساعتها لن نجرؤ علي الحديث عن زراعة أو كهرباء!!..
وعندما يكون النيل في خطر عظيم فإن أي حديث أو تصرف خارج الموضوع سيكون بمثابة خيانة عظمي.. علينا الشروع فوراً في هجوم دبلوماسي متعدد الإتجاهات يبدأ بطلب عقد إجتماع طاريء للجامعة العربية لحماية الأمن القومي المصري المُعرَض لتهديد وجودي وذلك لوضع الدول العربية أمام مسئولياتها وبلورة موقف جماعي موحد وحاسم للضغط علي دول كبري مثل الصين تشارك في تمويل وبناء السد، وفضح الموقف المُريب والمتواطيء للنظام السوداني وإحراجه عربياً، والسعي لتجميد الإستثمارات العربية في اثيوبيا.. ويتعين كذلك تطوير دبلوماسية نشطة و»هجومية» تنفتح علي الهند وإيران وإريتريا ودول أفريقيا عموماً.. إذ أن دبلوماسية الموظفين المرتعشة والمُنبطِحة التي أرساها نظام مبارك لم تعد تصلح للدفاع عن حقوق وأمن وطن مهدد بالفناء!!.. وبالتوازي مع ذلك يجب المطالبة بعقد إجتماع طاريء لمجلس الأمن لحماية مصر من «حرب إبادة» محتملة حال تقليص حصتها من مياه النيل.. مع التأكيد علي أننا نعاني بالفعل من مجاعة مائية لأن حصتنا الحالية حددتها إتفاقيات وُقعَت بينما كان تعدادنا 30 مليون نسمة.. أي أقل من ثلث تعدادنا الحالي!!.. وبإعلان خبير المياه السوداني الدكتور عبد الله عبد السلام أنه اطلع علي دراسة إثيوبية غير معلنة تعترف بأن «السد سيلحق أضراراً جسيمة بمصر والسد العالي وسيؤدي لتراجع مخزون بحيرة ناصر وشح مائي خطير» تصبح مواصلة المسار التفاوضي العبثي الحالي، إنتحاراً جماعياً بامتياز!!..