يوسف إدريس
يوسف إدريس


النبض الحى يواجه النسيان

يوسف إدريس .. بقاء رغم أنف الصمت

الأخبار

الأحد، 08 أغسطس 2021 - 08:15 م

كتبت: فادية البمبى

كالعادة مرت الذكرى الثلاثون لوفاة عبقرى القصة المصرية وتشيخوف العرب يوسف إدريس فى صمت يلفها التجاهل والإهمال، وكأن الذاكرة الأدبية العربية مصابة بالضعف الفادح، مع أن التراث الإبداعى لهذا الفذ يحفر اسمه عميقا فى الوجدان ويطبع ذكراه بقوة على صفحات الضمائر، فما قدمه يوسف إدريس عبر العديد من العلامات الخالدة نقلة نوعية فى فنون السرد ووثبة  شاهقة حقيقية فى آفق الإبداع العالمي، لذا آثرنا أن نتذكره أمام أجيال قد لا تعرفه بعد أيام من الذكرى لعل الضمير المريض والذاكرة الضعيفة يخجلان من هذا النسيان. 

يوسف نوفل

حسين حمودة

أمانى فؤاد

فى البداية يقول الناقد المتميز د.حسين حمودة «النبض الحي» الذى يبقى على مر الأزمان، فى التراث الإبداعى ليوسف إدريس، مرتبط بأن أعماله جميعا، على تنوعها، نهضت على قيم أساسية كبرى جعلت هذه الأعمال تنتمى إلى القاسم المشترك الإنساني، من ناحية، ووضعتها فى مكانة مرتفعة، فوق التساؤلات عن أسئلة «التجدد» و«التقادم»، من ناحية ثانية»، كما انطوت هذه الأعمال على بعض الملامح الراسخة التى تجعل إمكانات وكيفيات تلقّيها متعددة جدا، عابرة لاختلافات الثقافات واللغات، من ناحية ثالثة، وفى قصصه القصيرة، وفى رواياته ومسرحياته أيضا، نجد نماذج بشرية محلية تماما، لكنها مصاغة بعمق يستكشف فيها أبعادا إنسانية مشتركة، وفى هذه الأعمال اهتمام بمناقشات متحققة ومجسّدة فنيا، لقضايا ذات طابع اجتماعي، أو أخلاقي، وكلها قضايا عابرة لاختلاف الفترات والأزمنة: الحرام، والعيب، والحب، والغريزة، والانتماء، والعلاقة بين الريف والمدينة، والعلاقة بين الآباء والأمهات والأبناء، والعلاقة بين الشرق والغرب، والفقر، والعدل، والحرية، أيضا، فى كل أعمال يوسف إدريس، رهان راسخ على جماليات كانت ولا تزال، ولعلها سوف تظل، جزءا أساسيا ثابتا فى كل أدب حقيقي: السرد والحكى الجميل، الذى لا يخلو من «تشويق» وعفوية محسوبة، والذى يخاطب مرويا عليهم وقراء محتملين خطابا حيا متدفقا، والقدرة على جعل الشخصيات تنطق بأصواتها، وتنطلق من عوالمها، وتتحدث بمفرداتها، وترتبط بتأملاتها وبأحلامها مهما كانت بسيطة، والعمق فى استكشاف أبعاد عميقة فى تكوينات هذه الشخصيات، واللغة الحيّة، بوجه عام، التى تنأى عن الصيغ الجاهزة وتعلى من شأن الاستخدامات المتجددة، وبذلك تعيد النظر فى المعايير الشائعة، التبسيطية، حول ما هو «أدبي» وما ليس «أدبيا».. بما يجعل لغة الحياة هى لغة الأدب، والعكس.

فى حين تقول الأديبة والناقدة المتميز د.أمانى فؤاد يعد الكاتب الكبير «يوسف إدريس» «تشيخوف» العرب فى فن القصة القصيرة، حيث برع فى تعرية الذات البشرية وتصوير وتجسيد أدق خصائصها المستترة، برع فى التقاط طموحاتها وأحلامها، وأيضا فى نقل إخفاقاتها وتضررها من الموروثات الثقافية للمجتمع. وتجسد هذا سواء فى أعماله القصصية أو رواياته، كان الإنسان محور اهتمامه ولذا بقيت أعماله وستظل تتمتع بنبضها الحي، كما برع فى تصوير البيئة المصرية الأصيلة، وتجسيد نماذجها البشرية المتنوعة الطبقات والأعمار، فى الريف وفى المدينة، فلا يمكن أن نمر على قصة «نظرة» التى فيها يجسد أشواق طفلة صغيرة لممارسة اللعب كما الأطفال فى سنها، وكيف أن العوز يفقدها احتياجاتها الطفولية الأساسية، يضطرها للعمل، وحمل ثقل يعرضها للخطر، فكانت نظرتها مدخلا لكشف مطلق الطفولة وعوار المجتمع معا، كلنا أيضا لن ينسى نموذج الأم فى قصته «بيت من لحم» وكيف تغلبت غريزة الأمومة والرغبة فى إسعاد بناتها غير الجميلات على غريزة الغيرة بداخلها، وكيف تواطئ الجميع زوج الأم الكفيف، والأم، والبنات على حياة وحدهم يعرفون طبيعتها، لكنها غلبة الغرائز البشرية، برع إدريس فى الاغتراف من الواقع من حوله، ففى «حادثة شرف» بين كيف أن العادات الاجتماعية الرجعية تسجن البشر وتفقدهم معنى الحياة، ولقد تميز بنظراته العميقة للواقع والإنسان، تلك التى كتبها مشاهد وصورا نابضة، بلغة سلسة، وجمل قصيرة بليغة، وتصوير لافت، ومصوب تجاه أهدافه الفنية والفكرية، بحيث لا تخطئ فهم القارئ ووجدانه معا، كما أن نصوصه الأدبية مثل النصوص الخالدة، تهب متلقيها مستويات متعددة فى تلقى محتواها الفكرى والفني، وتظل بصماتها بداخله لقدرتها على ملامسة إنسانيتنا.

وفى الختام يقول الناقد الكبير د.يوسف نوفل  ان يوسف إدريس شأنه شأن الأطباء الموهوبين ممن برعوا فى الإبداع الفنى من الفنون كما نعلم كإبراهيم ناجى فى الشعر نجد أن يوسف إدريس الطبيب يلتقى مع يوسف إدريس المبدع وذلك فى مجال النفس البشرية وقد قالوا أن الطبيب والمبدع يلتقيان فى حقل اسهاماتهما فكلاهما يحلل النفس البشرية ويعالج أمورها ومواقفها ويسبر أغوارها وهكذا كان يوسف الطبيب والمبدع معا، وهو يقدمها أبدع فى مجال الرواية وأبدع أيضا فى مجال القصة القصيرة وكان فى كل بارعا فى تعمق النفس البشرية والغوص فى أعماق الشخصية من خلال سرده الفنى ولذلك أرى أن ابرز ما تتميز به موهبة يوسف إدريس السردية هى استشفاف النفس فمثلا تجد كيف صور فى أعماله «قاع المدينة » و«الحرام» و«العيب» نجد تطبيقا حيا للواقعية النقدية حيث لا يتناول القضايا المجردة ولكنه يتناول القضايا الواقعية الملموسة فى حياتنا سواء فى السرد بضمير المتكلم أو بلسان الراوى نجد اهتماما كبيرا بالطبقات الشعبية الكادحة ولذلك عدّه بعض النقاد من أبناء مدرسة تشيخوف وذكروه بحق من أعلام المدرسة القصصية الجديدة التى وجدت مع مطلع النصف الثانى من القرن العشرين واذا القينا نظرة سريعة على مسيرته نجد أنه ولد فى 19 من مايو 1927وتخرج فى كلية الطب 1951 وكان قد بدأ كتابة القصة وهو طالب فى الجامعة بنشر محاولته الأولى منذ 1950 واذا كنا قد اشرنا إلى :«قاع المدينة» و«الحرام» و«العيب» فإن له أيضا «قصة حب» و«رجال وثيران» و«أرخص ليال» و«جمهورية فرحات» و«اللحظة الحرجة» و«حادثة شرف» و«آخر الدنيا» و«العسكرى الأسود» و«الفرافير» و«المهزلة الأرضية» و«الببغاء» وبذلك أرى أنه إذا كان الروائى الكبير نجيب محفوظ ملك الرواية فإن يوسف إدريس ملك القصة القصيرة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة