صورة ارشيفية
صورة ارشيفية


«التعبئـة والإحصـاء»: 7.8 مليون امرأة تواجهــن جميـع أشكــال العنف سنـويًا

لمياء متولي- دعاء سامي- هويدا أحمد- أميرة شعبان

الإثنين، 09 أغسطس 2021 - 09:53 م

لعصور متتالية عُرف المجتمع المصري بالتماسك واحترام العادات واتبعتها كل الأسر بمختلف مستوياتها الاجتماعية، إلا أن ذاك المجتمع اعتاد أن يمرعليه كل فترة زائر «غريب» يحاول تعكير صفو تلك الأسر وكسر تقاليدها الأصيلة.

وخلال الآونة الأخيرة انتشر بشكل كبير الحديث عن «العنف الأسرى» ذلك الزائر الذى أصبحت كافة وسائل التواصل الاجتماعى تتحدث عنه، لتتصدر حالات القتل الزوجية «تريندات» كافة المنصات الرقمية.

ويبقى السؤال هل يمكننا أن نطلق على هذه الحالات التى انتشرت فى المجتمع مسمى «ظاهرة» ؟، وما أسبابها وظروفها؟ ، وبأى طريقة يمكننا تجنب استمرارها .. كل ذلك تناقشه الأخبار فى ملف حاولت من خلاله إيضاح الجوانب الصحيحة لهذا الأمر لمنع نشر حالة من الذعر غير المجدية بين الأسر المصرية.

عنف الأزواج «غريب» فى بيوتنا

تفاجأ المصريون خلال الأسابيع الماضية بعدد من حالات العنف الأسرية التى وصل بعضها للقتل، حتى أصبحت حديث وسائل التواصل الاجتماعي، لتصبح خلال أيام قليلة «تريند»على كافة المنصات الرقمية.

ففى الدقهلية وتحديدا بقرية شاوة تسببت مشادة كلامية فى تسديد طبيب 11 طعنة لزوجته الطبيبة وفر هاربا عقب ارتكاب جريمته، وتكرر المشهد فى بنى سويف بعد أن انتهت حياة زوجة على يد زوجها الذى حاول الانتحار بعد تسديد طعنات قاتلة لها، أما فى القليوبية وبقرية طنط الجزيرة استيقظ الأهالى على فاجعة طعن زوجة لزوجها المحاسب يوم وقفة عيد الأضحى، بعد خلافات بينهما على شحن عداد الكهرباء.

كانت بشاعة هذه الجرائم هى ما دفعت الأسر المصرية إلى الحديث علنا والاستنكار لما آل إليه وضع المجتمع المصري، لتدفعنا إلى البحث كثيرا عن أسباب هذه الموجة التى عادت لتظهر خلال الفترة الأخيرة.

وبالرغم من عدم وجود إحصائيات إجمالية عن حوادث العنف الأسري، إلا أنه وفقا لآخر مسح مشترك أُجرى من خلال صندوق الأمم المتحدة للسكان والمجلس القومى للمرأة والجهـاز المركـزى للتعبئـة العامـة والإحصـاء، فإن 7.8 مليون امرأة تعانى من جميع أشكال العنف سنويًا، سواء اُرتكب هذا العنف على يد الزوج أو الخطيب أو أفراد فى دائرتها المقربة .

ولم تكن هذه الأرقام بعيدة عما وصل إليه المسح السكانى الصحى عام 2014 حيث وجد أن أكثر من ثلث (٣٦%) من النساء المتزوجات الذين تتراوح أعمارهن بين ١٥-٤٩ عامًا تعرضن للعنف الجسدى منذ سن ١٥ عامًا.

العنف الأسرى 

وفى محاولة لتفسير الأسباب وراء انتشار عمليات العنف الأسرى والقتل خلال الآونة الأخيرة، تواصلنا مع عدد من الخبراء الذين أكدوا أنها ليست ظاهرة فى المجتمع المصري، لكنها أزمة حقيقية انتشرت بشكل كبير فى العقود الأخيرة، ولم يعتد عليها المجتمع المصرى قديما، فيوضح أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، د.فتحى قناوي، أن عملية العنف الأسرى التى تصل إلى قتل الأبناء أو الآباء أو الأزواج لا يصح أن نطلق عليها ظاهرة، لأن الشرط الأساسى لإطلاق كلمة ظاهرة هو وجود نسبة من هذه الحالات فى كل أسرة وكل شارع وكل حى ، وهو الأمر الذى لا يتوفر فى حالات العنف والقتل الأسري.

بينما فسر هذه الحالات على أنها نتيجة للعنف الذى نراه يوميا على شاشات التليفزيون، والقيم التى بدأت تترسخ داخل الأسرة والمجتمع من خلالها، وعلى رأسها «أخذ الحق باليد والذراع»، فبدأ المواطن يستسهل العنف الذى يراه حوله بشكل مباشر.

ويضيف أن هذه الأزمة لها جذر رئيسى وهى عملية اختيار الزوج أو الزوجة منذ البداية، فسوء الاختيار يضعنا أمام أسرة غير متفاهمة، وتربية غير سوية للأطفال، مؤكدا أيضا ان انشغال الأبوين فى البحث عن الرزق له دور كبير، قائلا: « بالطبع لا نستطيع لوم الأب أو الأم فى محاولة توفير حياة كريمة لأطفالهم إلا أن عدم إعطاء الطفل لحقه من الرعاية والاهتمام يؤدى بنا لتفكك مفهوم الأسرة وحدوث كل ما لا يحمد عقباه».

ويضيف د.قناوى أنه فى الآونة الأخيرة افتقدت الأسرة لدور المؤسسات المهمة مثل المسجد أو الكنيسة أو دور الثقافة، فلم يعد الأبناء يترددون عليها، بل استبدلوها بالسوشيال الميديا والمنصات التى تهدم أكثر مما تبني.

يشير د. قناوى إلى أن هناك أزمة كبيرة فى الوعى لدى الأسرة المصرية، سواء الوعى بكيفية إنشاء جيل ونشء جديد أو وعى بمفهوم الأسرة وتماسكها ، ويوضح قائلا: «الآن لم تعد الأسرة تعرف من يقطن معها فى نفس العقار، وحتى الأقارب أصبحت أخبارهم لا تصل للآخرين سوى عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، ففقدنا مفهوم التماسك الأسرى لنفقد معه قيما كبيرة أدت بنا فى النهاية إلى مثل هذه الأفعال العنيفة المشينة».

أما عن أبرز الأسباب التى من الممكن ان تؤدى للقتل الأسرى فيؤكد د.قناوى أنها تختلف من حالة لأ.خرى وفقا لخصائصها ووضعها والظرف الذى كانت به فمنها ما يكون بسبب حالة نفسية، وأخرى بسبب المخدرات، أو بسبب وجود مشاكل زوجية ، فتتعدد الأسباب والنتيجة واحدة.

منافية للفطرة

من جانبها تؤكد د. سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن عملية قتل الأبناء للآباء والعكس، هى عملية غير طبيعية ومنافية فى الأساس للفطرة التى فُطر عليها الجميع.

وتوضح أن هذا الفعل لابد وأن يكون وراءه أسباب خطيرة ودائما ما تكون تراكمية وليست لحظية، وعلى رأسها «الإدمان» سواء إدمان الأب أو الابن، فتعاطى المخدرات من أكثر الأسباب التى تجعل الشخص يخرج عن طبيعته ويرتكب مثل هذه الأفعال، وتضيف: «هذه النقطة توصلنا مباشرة إلى مشكلة اجتماعية كبيرة وهى مجموعة أصدقاء السوء الذين من الممكن أن يحيطوا بالطفل منذ الصغر فيؤثرون عليه بالسلب، ومن الممكن أن يكونوا هم من الأساس السبب فى إدمانه وسلوك هذا الاتجاه».

أما السبب الثانى فى قتل الأبناء لآبائهم فتشير خضر إلى أنه يكون فى العديد الأحيان بسبب بعض الأفعال المشينة التى يرتكبها الآباء فى أولادهم منذ الصغر والتى تعظم الغضب عندهم حتى تصل إلى قتل آبائهم ، مثل تحرش الأب ببناته وغيرها من الأفعال غير السوية التى تحدث فى الخفاء.. وتوضح قائلة: «عملية القتل تجربة غير سهلة على الإطلاق وعندما يضطر الابن إلى قتل والده فمن المؤكد أن هناك ترسبات كبيرة خطيرة منذ القدم كانت سببا فى ذلك»، مؤكدة أن سوء العلاقة بين الآباء واطفالهم وتكرار الأزمات والمشاكل بينهم خاصة المادية من الممكن أن تؤدى مستقبلا للقتل، فعدم احترام الآباء لأطفالهم وتكرار العقاب والمنع والضرب يترسب على مدار السنوات ليؤدى إلى انفجار الابن فى النهاية والتوجه إما لقتل نفسه أو أبويه.

وعلى الجانب الآخر أرجعت د. سامية أغلب المشكلات الأسرية التى من الممكن أن تؤدى إلى القتل يكون سببها فى الأساس عدم اهتمام الأبوين بعملية تكوين أسرة سوية سليمة، فإما ينشغل الأبوان بالعمل لتوفير حياة سعيدة كما يعتقدون ، أو لا يكتفون بطفلين فتقل من هنا فرصة قضاء الوقت الكافى مع كل طفل وإعطائه الحنان والحب الكافي.

الندية والغضب

أما عن قتل الآباء لأطفالهم أو قتل الأزواج لبعضهما فأكدت خضر أن هناك العديد من الأسباب وعلى رأسها تعامل الزوجين بأسلوب الندية وعدم احترام كل منهما لدوره، موضحة أن هناك الكثير من حالات موت الأطفال خاصة الصغار كانت بسبب عند الأبوين، بل من الممكن أن تصل المشاكل بينهما إلى قتل الزوج لزوجته وأطفاله معا،

وتضيف قائلة: «قديما لم نكن نرى مثل هذه الأفعال المشينة، والسبب أن كافة الرسائل الموجهة للأسرة كانت مليئة بالقيم والأخلاق والكلمة الحانية الطيبة، سواء البرامج الأسرية التى كانت ترسخ مفهوم الأسرة، أو الأغانى ذات الكلمات الشاعرية للأب والأم مثل «ست الحبايب» التى كان الأطفال يغنونها ويكررونها فى كل مناسبة، وغيرها من الرسائل التى لم نعد نراها وسط هذا الضجيج من البرامج القائمة على الندية والمساواة بين الزوجين والتى تبحث عن الإعلانات وليس عن نشر القيم المجتمعية».

وترى خضر أن أولى خطوات حل هذه الأزمة هو مناقشتها والتحدث عنها دون حرج، مع ضرورة تضافر كل المؤسسات لحلها وعلى رأسها الثقافة فهى الوسيلة الأكثر تأثيرا فى كل مواطن، موضحة أن بناء المصانع سهل إلا أن بناء الإنسان ليس سهلا، والمؤسسات الثقافية عليها دور كبير، فالكلمة الواحدة والمشهد الواحد يكون له أثر كبير فى تفكير وعقل الفرد وبالتالى فى سلوكه مستقبلا.

سوء الاختيار

ويوافقه الرأى د. جمال فرويز، استشارى الطب النفسي، الذى يؤكد أن من أبرز أسباب العنف الأسرى الذى يصل إلى القتل هى المخدرات فى المقام الأول ثم العلاقات الاسرية السيئة ثم الانهيار الاجتماعى والثقافي، وأن قديما كانت الحالات أقل بكثير نظرا لتماسك المجتمع بأصوله وعاداته وتقاليده المصرية.

ويوضح أنه مع الانهيار الثقافى حدث انهيار قيمى اخلاقى واجتماعى ودينى أيضا، والتى تسببت فى حدوث ازدواجية دينية فنجد شخصا ملتحيا على سبيل المثال لأنه يمارس الأخطاء بكثرة .

ويضيف أن العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة بدأت فى الانهيار أيضا واختلت معها نظرة الأطفال للآباء وعلاقاتهم ببعضهم البعض، لنجد أمامنا أما تلقى بأطفالها تحت كوبرى أو أبا يقتل أولاده أو أولاد يلقون بأمهم فى الشارع.

على جانب آخر يشرح د.فرويز اللحظة التى يمر بها الشخص قائلا: « لحظة قتل الأب أو الأم أو حتى الأطفال تكون مجردة تماما من أى مشاعر، وهذه أبرز سمة فى مرض اضطراب الشخصية».

ويضيف أن هناك علامات تكون فى هذا الشخص منذ الصغر وهى أنه يكون ممن يبحثون عن مصلحتهم أولا، ولا توجد بينه وبين والديه أى مودة، وبالتالى عندما يكبر فى السن يبحث دائما عن مصلحته الشخصية ويكون منعزلا، إلا أن د.فرويز يؤكد أن السبب فى هذه السمات هى التربية الأسرية منذ الصغر فالآباء هم من أوصلوا أولادهم لهذه المرحلة التى يمارسون فيها العنف والقتل أيضا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة