< جماعة الياقات البيضاء لا يعجبها العجب، أول مرة نشوف رئيس وزارء شعبي، ماشي علي رجليه، وتنادي عليه سيدة بسيطة من الشباك <



لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والمهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء جاب آخره، لو كان جبل لاتهد، ولكن هناك ناس لا بترحم، ولا بتسيب رحمة ربنا تنزل، ولم ترض بجحا راكبا الحمار، او ماشيا جنب الحمار،ولن ترضي بمحلب جائلا متجولا في الاسواق، او جالسا خلف مكتبه يرتشف قهوة الصباح.
لن ترضي عن محلب وخلاص، وتتمني الخلاص مما يمثله محلب من جدية في الأداء، واقتحام للمشاكل، والحضور اللافت في كل المصائب والنكبات، يتابع ويراقب ويطبب ويلملم الأشلاء، لو أضاء محلب أصابعه العشرة شمعاً لن ترضي عنه جماعة الياقات البيضاء.
الغريب أن نفرا من الناقدين لأداء محلب كانوا رؤساء وزراء ونواب رؤساء وزراء ووزراء، وفشلوا جميعا فيما نجح فيه محلب بالتواجد وسط الناس، كانوا يخشون اسفلت الطريق، محلب لا يخشي غضبة مواطن، ولا يرجو إلا رضاه، مني عينه يبسط البسطاء، محلب رجل يعرف جيدا الطريق إلي الناس.
تسمع عجبا، لماذا لا يجلس محلب خلف مكتبه في التكييف يخطط ويرسم السياسات ويحرك الاقتصاد بعصاه، عصا المايسترو، محلب ليس من هذه النوعية التي تلبس النظارات الطبية، وترتدي مسوح الكهانة الاقتصادية، والتأشير بالقلم الأحمر، طابور طويل من رؤساء الوزراء مروا علينا مرور الكرام، لم يغادروا مكاتبهم إلا في الاحتفالات الرسمية، خربوها وقعدوا علي تلها يتباهون بمعدلات النمو، والفقر يعض الناس.
قريبا جدا، كان خروج رئيس الوزراء من مكتبه حدثا جللا، «وانتقل السيد رئيس مجلس الوزراء»، ماذا قدم هؤلاء للناس من وراء حجاب، مثلا الحياة كانت حلوة، والبلد مرتبة، وانتظم العمل في مواقع الإنتاج نهاراً، وانسابت الخدمات أنهارا، وتعافي الاقتصاد، وانخفضت الأسعار، من طول جلستهم وراء المكتب تيبست عظام البلد، خرجوا من المكتب كما دخلوه أول مرة، والبلد بحطة ايدك.
ولماذا يقوم رئيس الوزراء بدور المحافظين ورؤساء الأحياء وشرطة المرافق، خلاص محلب يجلس، ويتمجلس، قعر مجلس، ويسيب البلد تضرب تقلب، تخرب، لا يوقظ الغافل، وينبه المهمل، ويلفت محافظين، ويقيل رؤساء الأحياء، ويطيح في الإهمال، وبدلا من أن يعين المحافظين علي مهمتهم، ويفكك المشاكل ويحلحل العقد علي الطبيعة، يقعد من القعود، ويل للقاعدين.
جماعة الياقات البيضاء لا يعجبها العجب، أول مرة نشوف رئيس وزارء شعبي، ماشي علي رجليه، وتنادي عليه سيدة بسيطة من الشباك «يا محلب»، فيهرع إليها ملبيا النداء ويستقبلها في مكتبه، ويحل مشكلتها، لو وجدت هذه السيدة أحدا يحنو عليها لما لجأت إلي رئيس الوزراء.
هل مطلوب من محلب أن يبتعد بمسافة عن الناس؟.. هل يجعل بينه وبينهم سداً؟.. هل يبحث عن رضاء جماعة مارينا، وينسي اهالي عزبة « ابو قرن «، هل مطلوب من محلب أن يجلس القرفصاء منتظراً القضاء؟ أيام الوزارة معدودة.
محلب مواطن مصري بدرجة رئيس وزراء، عرقه مرقه، لايعرف الطريق إلي حفلات الكوكتيل، ولا يقتطع من وقت الناس أياماً للتصييف، ولا نقل اجتماعات الوزارة صيفا إلي « بولكلي»، محلب كده، هو كده، طبعه كده، شقيان من يومه، نصيبه من الوزارة مثل نصيب جحا سيحمل الحمار علي كتفيه في الاسواق.