منذ سنوات طويلة وقف الفنان الراحل فؤاد المهندس في إحدي مسرحياته يقول للفنانة شويكار « القانون ميعرفش زينب « في إشارة إلي أن العدالة عمياء وأن القانون لا يعرف التمييز.
ويوما بعد يوم يتأكد لنا أن القضاء المصري الشامخ هو الملجأ والسند لمن لا سند ولا يملكون الجاه والسلطان ويعيشون علي هامش الحياة.. لقد أثلج صدري الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري بالاسكندرية برئاسة المستشار الجليل محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس هيئة الدولة بعضوية المستشارين الجليلين صالح كشك ووائل المغاوري نائبي رئيس مجلس الدولة وانصفت فيه المحكمة طفلا رضيعا عمره عام واحد أصيب بمرض وراثي نادر يتسبب في تشوهات الهيكل العظمي اسمه « نقص الانزيمات «.. تخلت هيئة التأمين الصحي عن رسالتها ورفضت علاجه بحجة أن تكلفة العلاج غالية وأنه يحتاج حقنا يبلغ سعر الواحدة 20 ألف جنيه.. يا للمهزلة يرفضون علاج رضيع يصارع الموت لإصابته بمرض نادر يصيب شخصا في المليون علي مستوي العالم والمأساة أن الشقيق الأكبر للرضيع مات بسبب هذا المرض النادر أيضا.. ميزانية الهيئة مليارات الجنيهات وتتخلي بهذه السهولة عن علاج الطفل لكن يبدو أنها لا تحمل من اسمها شيئا واقترح تغيير اسمها ليكون « هيئة التخريج الصحي «
والد الطفل فقير لا يملك من حطام الدنيا شيئا ينام علي حصير يدفيء أبناءه بجسده وقف حائرا أمام تجبر هيئة التأمين الصحي ونصحه جيرانه باللجوء للقضاء ونظرت المحكمة وأصدرت حكما تاريخيا لقنت فيه هيئة التأمين الصحي درسا بليغا عن الحقوق الدستورية لعلاج الأطفال دون السن المدرسي ووصفت تصرف هيئة التأمين الصحي بأنه غير مسبوق ويمثل عدوانا علي حقوق الطفل ويخالف الشعور الإنساني في عالم الطب ويتصادم مع قسم « أبو قراط « الذي أقسمه الأطباء عند التخرج من كليات الطب.. المحكمة ألزمت رئيس هيئة التأمين الصحي بصرف دواء « فيميزيمي « للطفل أحمد شعبان مدي الحياة وتنفيذ الحكم بمسودته بدون إعلان.
ورغم أنني أعلم جيدا أنه لا يجوز مدح القضاة أو قدحهم أو التعليق علي أحكام القضاء إلا أنني استسمح القاضي الجليل محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس هيئة الدولة وزميليه الجليلين أن أشيد بهذا الحكم.. لقد كان القضاة الثلاثة بحق سدنة العدالة ولسان الله الحكم العدل علي الأرض.. انصفوا رضيعا وأعادوا الأمل للفقراء والبسطاء أن هناك من يستطيع أن يجلب لهم حقوقهم المهدرة
وأطالب الدكتور أحمد عماد راضي، وزير الصحة الذي ورث تركة خربة نخر فيها الفساد سنوات طويلة ببذل جهود جبارة لإصلاح ما أفسدته السنوات الماضية بإرسال صورة من هذا الحكم إلي الهيئة وإلي جميع المستشفيات ربما يستعطف من ماتت ضمائرهم ليعودوا بحق ملائكة رحمة بعد أن ماتت قلوبهم وتبلدت مشاعرهم ولم يعد يرون إلا أوراق البنكنوت.