كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

الجمال والقبح معاً!

كرم جبر

الأربعاء، 11 أغسطس 2021 - 07:36 م

لو أخذت جولة على الأقدام فى يوم إجازة، فى شوارع وسط البلد، ستدرك لأول وهلة، أننا ارتكبنا جرائم كبرى فى حق هذا البلد، وقمنا بأكبر عملية تشويه فى التاريخ لعمارات قديمة تشبه التحف العمرانية، فأصبحت دميمة ومشوهة.
لو نظرت إلى أى عمارة من أعلى، فهى غاية فى الروعة والجمال، تماثيل حجرية وأشكال هندسية رائعة، وكأننا فى متحف، ولو نظرت إلى العمارة من أسفل زجاج وأنوار وألوميتال ومحلات أحذية وملابس وكشرى وشاورمة.
وكأننا أمام تمثال جميل من أعلى، ولطخناه من أسفل بالقاذورات.. وكان فى وسع من قاموا بهذه الجرائم، أن يحافظوا على الشكل العمرانى للعمارة، فتزداد جمالاً ورونقاً.
نصف قرن من التشويه والتخريب والتدمير لقلب العاصمة التى كانت تسمى القاهرة الخديوية نسبة إلى الخديو إسماعيل وهو من أعظم البنائين فى تاريخ مصر، ولكننا شوهنا تاريخه مثلما تشوهت العمارات التى بناها.
الخديو إسماعيل كان شغوفاً بالجمال والبناء، وأراد أن يجعل القاهرة مثل باريس، فاختار مجموعة من المهندسين على الذوق الفرنسى، فشيدوا القاهرة وأطلقوا عليها باريس الشرق، وقام بالإنجاز العظيم المهندس الفرنسى "هاوسمان" الذى خطط القاهرة صورة من باريس.
باريس لاتزال شابة والفرنسيون يعضون بالنواجذ على تراثهم العمرانى، ويعيدون أى مبنى آيل للسقوط إلى ما كان عليه بشكله القديم وملامحه وتفصيلاته، والقاهرة ابتدعت مبانى أشبه بعلب الكبريت بدلاً من كل بناية رائعة آيلة للسقوط، والشواهد الحية كثيرة، نراها فى ميدان العتبة مثلاً بوضوح، فأمام المطافى والبريد بالطراز القديم عمارة قبيحة أشبه بألواح الصفيح المرصوصة فوق بعضها.
خمسون عاماً من الإهمال والفوضى والتسيب والفساد جعلت قلب القاهرة يئن من الآلام والأوجاع، فاختفى الجمال وحل محله القبح وأصبحت فى أمس الحاجة لمشرط جراح يزيل الأورام والتشوهات وينقذ ما يمكن إنقاذه.
اقرأ فى كتب التاريخ عن حديقة الأزبكية زمان، وأذهب إليها وشاهدها الآن، وهى تئن بالباعة الجائلين، وأكبر سوق عشوائى فى قلب العاصمة، وكلما طردتهم المحافظة، يعودون للمنطقة بعد ساعات.
أما زمان فقد كانت الحديقة على مساحة 18 فداناً، وفيها المسرح الكوميدى ودار الأوبرا، وتم تشجيرها وتزيينها وإضاءتها، لتقام فيها الاحتفالات الرسمية والشعبية وحفلات كبار المطربين، وتعزف فيها فرق موسيقى الشرطة والجيش.
ومن يشاهد صور القاهرة الباريسية زمان، يشعر بالأسف والندم والحسرة.. ويا رب نعى الدرس ونحافظ على الجمال العمرانى الذى تحاول الدولة أن تعيد بعض ملامحه سواء فى قلب القاهرة أو المدن الجديدة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة