جـلال عـارف
جـلال عـارف


فى الصميم

حتى لاتتكرر المأساة.. ولا تعود أكذوبة «الفوضى الخلاقة»!

جلال عارف

الجمعة، 13 أغسطس 2021 - 06:57 م

الانسحاب من أفغانستان كان دائما قرارا أمريكيا ينتظر التنفيذ. وبالنسبة للرئيس بايدن فقد كان يطالب به منذ أن كان نائبا للرئيس أوباما. ونظريا كانت واشنطون تقول انها استعدت لذلك، وأنها دربت مئات الآلاف من جنود الجيش الافغانى وسلحتهم لضمان السيطرة على البلاد بعد الانسحاب.
أما على الأرض فالعملية تبدو وكأنها تسليم أفغانستان «تسليم مفتاح» لحركة «طالبان» المنخرطة فى مباحثات مستمرة على مدى سنوات مع الإدارة الأمريكية فى العاصمة القطرية، وهى المباحثات التى مازالت مستمرة بينما طالبان تستولى على مدن أفغانستان واحدة بعد الأخرى، والقيادة العسكرية الأمريكية تسرب أن العاصمة «كابول» ستسقط فى يد «طالبان» خلال ثلاثة شهور!!
الانسحاب من أفغانستان هو جزء من خطة أمريكا المعلنة للانسحاب من المنطقة وتركيز الاهتمام فى الجانب الآخر من آسيا فى ظل التنافس المتصاعد مع الصين، وربما تكون أفغانستان فى ظل سيطرة طالبان شوكة فى ظهر إيران وباعث قلق لكل من روسيا والصين. وقد يكون ذلك كله ضمن الحسابات المعقدة للصراعات الدولية فى المنطقة. لكن ما يهمنا هنا أمران.. الأمر الأول أن عودة طالبان «أو إعادة الحياة إليها!!» لابد أن ينعش آمال أو أوهام تنظيمات إرهابية عديدة فى المنطقة. أما الأمر الثانى فهو أن ما يجرى فى هذه الدولة المنكوبة لم يكن بعيدا عما يدبر للشرق الأوسط كله منذ أن حولوا فى السبعينيات من القرن الماضى أفغانستان إلى ما زعموا أنها أرض الجهاد إلى أن أصبحت مركز الإرهاب الذى أشاع الدمار فى المنطقة كلها.
لا أحد يتصور أن أمريكا تنسحب من المنطقة لتتركها للنفوذ الروسى أو الصين أو كليهما ستظل أمريكا تدير صراعاتها مع منافسيها بكل الطرق دون الانخراط فى حروب عسكرية على الأرض.. وسيظل علينا فى المنطقة العربية أن ننتبه جيدا، وأن نستوعب دروس الماضى، وأن نقرأ الحاضر ونستشرف المستقبل جيدا حتى لا يدفع الوطن العربى فواتير صراعات القوى الكبرى وثمن الحسابات الخاطئة التى لا ترى فى الأرض العربية إلا أنها ساحة لصراعات الأقوياء لاقتسام النفوذ والثروات، ولو كان الثمن تدمير دول وإغراق أوطان فى مستنقعات الحروب الأهلية والطائفية وصراعات القوى الإقليمية غير العربية الطامعة لرفع أعلامها فى العواصم العربية، ثم فى التحالفات الأخطر مع قوى الإرهاب فى مخطط نشر الفوضى «التى أسموها الفوضى الخلاقة» من أجل السيطرة على المنطقة.
لقد علمتنا التجربة أننا وحدنا القادرون على انقاذ بلادنا من كل المخاطر. لولا ٣٠ يونيو لكانت خريطة المنطقة قد تغيرت، وتحولت معظم أقطارها إلى نسخ من أفغانستان الطالبانية أو سوريا وليبيا المدمرتين. ما يجرى الآن فى المنطقة يستدعى انطلاقة جديدة لمواجهة ما يبدو مقدمة لموجة جديدة من الفوضى التى زعموا يوما انها «خلاقة» والتى أرادوا بها أن يكون الغياب العربى هو القاعدة، وأن يكون النهوض العربى هو المستحيل!!
للأسف الشديد.. مازال البعض لا يستوعب الدرس، ومازال هناك من يشترون «الأمان» من هذه القوى الدولية أو تلك، ومازال هناك من ينشدون الحل عند قوى إقليمية لا تنشد إلا مصلحتها، ولا تحركها إلا أوهام بعث «العثمانية» أو استعادة النفوذ «الفارسى» أو تحقيق الحلم «الصهيونى» الذى سيظل هو المستحيل!!
القوة العربية فقط هى الحل وهى الأمان. مصر فى ٣٠ يونيو لم تسقط فقط حكم الإرهاب الإخوانى، بل اسقطت معه مخطط نشر الفوضى والإرهاب فى الوطن العربى كله. ما يجرى فى أفغانستان الآن يقول بوضوح ان رهان بعض القوى الخارجية على الإرهاب مازال مستمرا وأن العالم العربى ليس بعيدا عن ذلك وأن الأمن العربى لا ينبغى أن يكون رهينة فى أياد غير عربية، وأن التحالف الوحيد لمواجهة التحديات هو تحالف العرب مع أنفسهم. البعض لم يتعلم حتى الآن، لكنهم حتما سيتعلمون!!
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة