.
.


انتكاسه

«الأخبار» ترصد حكايات ومآسى مرضى الإدمان داخل مصحات «بير السلم»

هويدا أحمد

الأحد، 15 أغسطس 2021 - 05:57 م

الأطباء: بروتوكولات العلاج قد تؤدى إلى الوفاة .. والمراكز المجهولة عائق أمام خطط الدولة

بالأوهام والأكاذيب تحول الأطباء إلى سماسرة فى بعض المستشفيات الخاصة التى تعالج الإدمان، لتتحول المسألة إلى تجارة يكون ضحيتها المريض، فى الوقت الذى ظهرت فيه مصحات غير مرخصة فى أطراف المدن، والأماكن النائية يتولى فيها «المتعافون» علاج زملائهم المدمنين، بينما كان اللافت استخدام التعذيب بحجة العلاج على أيدى أصحاب الذقون الذين قرروا الدخول فى السبوبة بجانب المسجلين خطر.. فى هذا التحقيق تكشف «الأخبار» العوالم السرية لعلاج الإدمان بهدف التربح، فى أماكن بير السلم التى يتم فيها ضرب المدمنين وحرمانهم من الطعام والشراب بحجة إجبارهم على عدم التعاطى حتى يتمكنوا من الحصول على الأموال المطلوبة، أما اللافت فهو زيادة أعدادها رغم مخالفتها للقانون، وإقبال البعض عليها لرخص أسعارها مقابل تكلفة العلاج الباهظة فى المصحات المرخصة وقوائم الانتظار فى المستشفيات الحكومية، ليتحول حلم أهالى المدمنين بالشفاء إلى كابوس قد ينتهى بموت المدمن، وهو ما حدث مع الشاب كريم صبرى مؤخرا فى أحد مراكز علاج الإدمان غير المرخصة بمنطقة البدرشين بالجيزة.

وفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن صندوق مكافحة الإدمان، فإن التعاطى يبدأ فى سن مبكرة، 46% بدأوا من سن 15 سنة حتى 20 سنة، ومن سن20 سنة حتى 30 سنة 33 %، بينما جاء فى سن أقل من 15 سنة نسبة 14.30%.. وأوضح الصندوق فى بيان أن أكثر مواد التعاطى هى الحشيش، الذى احتل المرتبة الأولى طبقا لأكثر أنواع المخدرات بنسبة 45.87 %، وجاء تعاطى الهيروين فى المرتبة الثانية بنسبة 36.88 %، يليه الترامادول 20.22 % والأستروكس والفودو والشادو 11.86% بجانب التعاطى المتعدد «أكثر من مخدر» بنسبة 26%.
فى البداية تحدثنا مع مرضى الإدمان لننقل تجربتهم مع المراكز غير المرخصة والمعاناة التى عاشوها.
م.ب مدمن متعافى ، قال إن قصته بدأت بسيجارة حشيش، وبعد عام انتقل إلى البودرة و»الهيروين»، «ليستمر فى الإدمان على مدار 9 سنين، كان نتيجتها تدمير حياته.
وأضاف: أحد أصدقائى شجعنى أن أذهب لمركز يعالج الإدمان، وكانت الفكرة بمثابة طوق نجاة، لكنى سرعان ما اكتشفت أن المركز غير مرخص ومن يعالجوننى لا يفهمون شيئا فى الطب، وبعد مرور ثلاثة اسابيع من تعذيب واهانة حاولت الهرب بطرق كثيرة ولكنى فشلت و فى المرة الأخيرة هربت «ورجعت أضرب حقن تانى أكثر من الأول»، وحاولت الانتحار مرات عديدة، كان معايا كمية كبيرة من البودرة حطيتها فى حقنة واحدة وخدتها، قولت يا «صابت أو خابت» ، ومن بعدها فقدت الإحساس والشعور بمن حولى لأنتقل إلى مستشفى خاص يعالج الإدمان.
سجون مغلقة
أما ز.م مدمن متعافى (35 عاما) يقول: بدأت إدمان الهيروين من 7 سنوات خسرت فيها وظيفتى، وطلقت زوجتى، ولم يكن اختيار العلاج بيدى، والدتى اتصلت بإحدى المصحات غير المرخصة بحدائق الأهرام، واخبروها أن مدة العلاج تستغرق 6 شهور وكانت العقبة الأولى تدبير مبلغ 7 آلاف جنيه كل شهر، ما جعل أمى تبيع كل شىء، وصدمت من منظر الغرف والشبابيك مغلقة بالحديد.
ميت على قيد الحياة
أ.ج قصته هو أحد المتعافين من الإدمان يقول إنه يعول ابنيه، ويعمل مع والده بشركة عقارات فى الصعيد، تربى وسط عائلة تتعامل مع الحشيش وكأنه شىء عادى «ما كنتش بحس إنى بعمل حاجة غلط، حتى تعرفت على «شلة صحاب» يتعاطون الهيروين بينهم ابن عمى وبدأت الرحلة القاتلة بتعاطى الحقن وإذا ابتعدت عنها أحس بتكسير فى جسدى.
ويختتم: نفسى أرجّع ثقة أهلى فيا مرة تانية، والناس تحترمنى، وتعرف إنى اتغيرت، أنا عارف إنى غلطت غلطة كبير ولكن مفيش انسان معصوم من الخطأ، دلوقتى بحاول أبعد عن كل حاجة غلط وأربى ولادى واحافظ عليهم.
المعالجون مسجلون خطر
ويحكى س.ر مدمن متعافى أنه حين حاول التخلص من الإدمان بحث عن أرخص مكان، أخبره صديق بمصحة فى المقطم غير مرخصة، عبارة عن فيلا صغيرة داخلها ثلاث غرف ومطبخ وحمام.
وأضاف: دفع والدى 5 آلاف جنيه للقائمين على المصحة للشهر الواحد، وكانت العقبة تدبير المبالغ اللاحقة، ولكن والدى قال لى: «اهم حاجه تخف.. هبيع كل حاجة علشان اشوفك كويس».
داخل غرفة اعراض الانسحاب «الديتوكس» ، كانت البداية ضرب وتكتيف وحين سألتهم «ليه بتعملو فيا كده»؟ كانت الإجابة «اللى مش بيسمع الكلام بيتعلق فى مروحه وماتحولش تهرب».وبعد مرور ايام من العذاب والذل والإهانة صدمت حين عرفت أن القائمين على المصحة مسجلون خطر، سبق حبسهم ثلاث سنوات على ذمة قضية اتجار المخدرات.
فرق الشحن
يكشف لنا أ.ح أحد العاملين بفرق «شحن المدمنين» بمصحة فى 6 أكتوبر أنه حين يتم تبليغهم بوجود مدمن رافض العلاج يتم جمع فريق الشحن ووضع الخطة!
بحزن شديد تحدث ه.أ احد المدمنين المتعافين عن معاناته داخل مصحة غير مرخصة بمنطقة الفيوم يحكمها شيخ يرتدى جلبابا قصيرا، بلحية طويلة وشارب محلوق.
وقال: لا نعلم اسمه الحقيقى، يطلقون عليه «الشيخ عمرو»، ويصف المكان قائلا: فيلا محاطة بأشجار عالية بداخلها ستة من السلفيين مفتولى العضلات.
وأضاف: دخلت على امل العلاج وصدمت بسلخانات العذاب، الشيوخ يمنعوننا من الطعام والشراب بالأيام، والصلاة والصوم بالضرب، وقضاء الحاجة مرة واحدة فى اليوم، هربت مع ثلاثة من زملائى، وعدنا للإدمان مرة أخرى، وبعدها اتجهنا للعلاج من خلال صندوق مكافحة وعلاج الإدمان .
زمالة المدمنين
يحذر محمد بهاء معالج داخل إحدى المصحات المرخصة، أن العلاج داخل مصحات غير مرخصة يعرض حياة المدمن للخطر، لافتا إلى ان الاستمرار فى الشفاء من الإدمان يحتاج الى متابعة مع برنامج na.
أما «زمالة المدمنين المجهولين» فهى جمعية لا تهدف الى الربح نجتمع من خلالها بشكل أسبوعى (رجالا ونساء) كل منا يستمع إلى قصة الآخر لنساعد بعضنا البعض، ونمتنع عن تعاطى كافة أنواع المخدرات، أما العضوية فهى لا تتطلب إلا الرغبة فى الامتناع عن التعاطى.
برنامجنا 12 خطوة ومجموعة من المبادئ مكتوبة ببساطة شديدة ونستطيع اتباعها فى حياتنا اليومية، ويتم ذلك بسرية تامة، مع العلم ان عدم انتظام المدمن المتعافى عن حضور الاجتماعات يعرضه للانتكاسة مرة اخرى.
كارثة
من جانبه يصف د. أحمد جمال أبو العزايم، رئيس اللجنة العلمية لدبلوم طب نفسى الإدمان، المصحات غير المرخصة بالكارثة التى تشكل خطرا كبيرا على صحة المدمن وقد تؤدى إلى وفاته.
وأضاف: يلجأ المدمن إلى البحث عمن يساعده لكى يقلل من كمية المخدرات اعتقادا منه انه بهذه الطريقة يستطيع التغلب على فترة الانسحاب، ولكن قد يقع فى يد مراكز غير مرخصة لا يوجد بها طبيب للمتابعة المستمرة ولا اجهزة لعلاج الحالات الطارئة ولا دراية لهم بمضاعفات.
وأشار إلى ان بعض الأهالى يعتقدون أن العنف والترهيب عامل فى ابعاد المدمن عن المخدرات ولكن حقيقة الأمر أن فترة الديتوكس لها مضاعفات خطيرة لا يمكن اكتشافها الا بفحص طبى نفسى عصبى كامل من محترف فى تخصص تشخيص وعلاج الإدمان وهنا تصبح المراكز غير المرخصة اداة خطيرة تهدد حياة المريض بعمد أو بجهل.
ويوضح: لا يعلمون ان الإدمان معاناة لايمكن معها التوقف فجأة، إنهم يستخدمون القوة لكسر شوكته مما قد يصيبه بمضاعفات خطيرة يصعب تداركها أو حالة نفسية شديدة من الكراهية للمجتمع.
وعى الأهل
قال د. عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، إن علاج مدمن المخدرات لا يتم إلا من خلال مبادرة الشخص ذاته ونيته فى الإقلاع، لافتا إلى ان اسلوب «الشحن» غير قانونى حتى لو تم بالتراضى مع الأسرة ، موضحاً أن الصندوق قدم خدماته لـ62 ألف مدمن فى مختلف المحافظات.
وقال لا يمكن أن نعالج المدمن إلا إذا جاء بشكل طوعى، ونصح الأسر التى ترغب فى علاج أبنائها بالتعامل مع الخط الساخن من أجل تقديم خدمة جيدة بدلاً من الذهاب بهم إلى ما يطلق عليه «مصحات بير السلم، مشيرا إلى ان هذه لا يوجد بها متخصصون، ولا يمتلكون الخبرة الكافية.
وأكد مدير صندوق مكافحة الإدمان والتعاطى، إن هناك تكليفا من الرئيس السيسى لوزارة التضامن الاجتماعى لتنفيذ برنامج متكامل للحد من المخدرات فى المناطق المطورة بديلة العشوائيات، ويأتى هذا الأمر فى إطار اهتمام الدولة بالتنمية المتكاملة والاستثمار فى البشر داخل تلك الأماكن وبدأ فى الأسمرات وبشاير الخير والمحروسة بحى الضواحى ببور سعيد وعمل قيادات مجتمعية وتم تدريبهم من تلك الأماكن وتم عمل حوالى 20 ألف زيارة طرق الأبواب فى حوالى خمسة أشهر.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة