البطائحى يوافق على الوزارة بعد لقاء الخليفة على انفراد
البطائحى يوافق على الوزارة بعد لقاء الخليفة على انفراد


«فرّاش» سابق يحلم بالسطو على الخلافة! «3»

منصب الوزير.. مرفوع من الخدمة مؤقتًا!

إيهاب الحضري

الأحد، 15 أغسطس 2021 - 07:31 م

بعد اغتيال الوزير شاهنشاه بن بدر الجمالي، كافأ الخليفة الآمر بأحكام الله شريكه فى المؤامرة، وتولى المأمون البطائحى منصبا رفيعا، لكنه أقل من الوزارة، وتضاربتْ أقوال المؤرخين. هناك من ذكر أن البطائحى رفض منصب الوزير، ووافق عليه فى النهاية بشروط، بينما ذكر آخرون أن الخليفة شعر بالقلق من سيطرة منصب الوزير، فقرر تركه شاغرا لمدة عامين، وربما يكون الرأى الثانى أقرب للمنطق، خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار أسباب اختيار البطائحى تحديدا، للمشاركة فى عملية تصفية الوزير السابق.

يتكوّن مسلسل التوترات بين خلفاء الدولة الفاطمية ووزرائهم من عدة أجزاء، وكان سببا فى انقراض الخلافة على يد الأيوبيين، بعد نحو قرن من هذه الحكاية. تنوّعت إثارة حلقاته بين الخلافات الحادة واستسلام أحد الطرفين لسطوة الآخر، وبين تصاعُد الإثارة أحيانا إلى مخططات تنتهى بتلاعب الوزير بالخلفاء حتى عند اختيارهم، أو بقتل الخليفة للوزير، مثلما فعل الخليفة الجد الحاكم بأمر الله مع وزيره المُسيطر برجوان.

ويبدو أن الآمر بأحكام الله تعلم الدرس فقرّر التخلص من شاهنشاه ونفوذه، غير أن أحد أمرائه نصحه بألا يتم الأمر بشكل مُباشر، بحيث تبدو الدولة بريئة من دمه، خاصة أن ابنته زوجة الخليفة! وهكذا وقع الاختيار على البطائحى لعدة أسباب، منها أنه كان قريبا من الوزير المغضوب عليه ويحظى بثقته، وبالتالى يعرف تحركاته ويستطيع تدبير خطة قتله، بما يضمن عدم تكرار فشل محاولتى القتل السابقتين، كما أن المعروف عنه حبه للدنيا، ويُمكن إغراؤه بمنصب الوزارة.. الانحياز لفرضية أن الخليفة منع الوزارة عن شريكه فى المؤامرة أصبح هو الأقوى إذن، لكن التاريخ ليس بهذا الحسم، فالفرضية المُقابلة لاتخلو هى الأخرى من منطق يدعمها. حيث يقول بعض المؤرخين إن البطائحى رفض الوزارة لمدة شهر كامل، حتى استدعاه الخليفة ذات يوم، واستقبله بطقوس احتفاء غير مُعتادة، وأخبره أمام الحاضرين باختياره وزيرا. على الفور طلب الرجل أن يتحدث مع الخليفة على انفراد، واعتذر البطائحى عن المنصب من جديد، هنا غضب الخليفة الآمر وقال له:» ما اعتقدتُ أنك تخرج عن أمرى ولا أنك تخالفني». العبارة السابقة تُثير استفسارا منطقيا، عن أسلوب تسريبها من مجلس لا يضم إلا شخصين.

لكن المهم أن البطائحى اضطُر لقبول الوزارة عام 1121 بشروطة مكتوبة، رأى بعض الباحثين المعاصرين أنها مُهينة للخليفة!  اشترط الوزير المُكلّف ألا يستمع الخليفة لحاسد أو كاره، وأن يُخبره بما ينقله الحاسدون عنه، وألا يُصدر قرارات سرية أو علنية تُقلّل من قدره، وطلب البطائحى أن يتم توثيق ذلك كتابة مع القسم على الالتزام به حتى وفاته، وحتى بعد رحيله تنتقل هذه الالتزامات لتشمل أولاده بهدف حمايتهم من المكائد، لكن البعض رأى أن ذلك كان مُخططا من الوزير، يهدف إلى توريث المنصب لأبنائه.

في المقابل وضع الخليفة شروطا، استهدف معظمها الحفاظ على اختصاصاته المالية وحق إدارة أموال الجباية! وفى النهاية تم تحرير اتفاق من نُسختين والتوقيع عليهما، وأقسم الطرفان على الالتزام ببنوده.. فى السياسة تظل كل الاتفاقات قابلة للخرْق، لأن لعبة المصالح تفرض شروطها الجديدة دائما، بما يجعل دوام الحال من المحال، وفى الكتب القديمة كانت عبارة» تزايدت الوحْشة» ذات دلالة مهمة، فهى تعنى تصاعد الخلاف والجفاء بين طرفين، وهذا ما حدث بين الخليفة والوزير، وكان ينبغى لأحدهما أن يقضى على الآخر. وهو ما سوف نستعرضه فى الحلقة القادمة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة