< صاحب الصندوق الأسود، كان يعرف حجم المؤامرة علي الوطن، عيني صقر عربي أصيل، عين علي المؤامرة وعين علي الشباب في التحرير <

عندما رحل اللواء عمر سليمان خانني القلم فلم أقو علي وداعه، ترحمت عليه سراً، الله يرحمك يا جنرال، وطوال ثلاث سنوات مضت لم يغب عن ذهني رحيل الجنرال الغامض، حتي في رحيله كان غامضاً تكتنفه الشكوك، وتعصف برحيله التكهنات، وتحلّق من فوق نعشه علامات الاستفهام الصارخة بالغموض.
عمر سليمان الذي ضحي بالنفس سخياً حتي آخر نفس خرج من صدره زفيراً، للأسف لم يجد من ينصفه، وتكالبت علي سيرته الأكلة المسعورة، وما كان أحدهم يجرؤ أن يتنفس في حضرته، هيبة، وقامة، وقيمة، وطنية حتي النخاع، أنت فينك يا جنرال؟..
حمل عمر سليمان الأمانة يوم خشي من خشي لجة الموج المضطرب في ميدان التحرير، وتحمل صابراً تقافز الصغار علي كتفيه فقط لتمرق سفينة الوطن من تسونامي هائلة تكاد تغرقها بمن فيها وعليها، أمسك بالدفة القديمة المتهالكة يبحر في عين الإعصار، وهن العظم منه ولكن لم تهن عزيمته، ولا خارت قواه، تحلي بالصبر، وحمل الأمانة صابراً محتسباً، لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا.
الرجال مواقف، وموقف عمر سليمان الشجاع وتولي مسئولية البلاد نائبا لرئيس الجمهورية الذي تطالب برحيله الجماهير، يحسب للرجل الذي تصدي بإباء لإلقاء بيان التنحي في ثوان مرت عليه كدهر، عمر سليمان لم يهرب من السفينة التي توشك علي الغرق، ولم يتخل عن واجبه الوطني يوم تحتم البقاء، ووقف كالطود الشامخ يذود عن الحياض التي يتهددها الغربان السود.
صاحب الصندوق الأسود، كان يعرف حجم المؤامرة علي الوطن، عيني صقر عربي أصيل، عين علي المؤامرة وعين علي الشباب في التحرير، لم يمار في حق الشباب في الثورة، ولم يغمض عينيه عن الذئاب تتلمظ لافتراس الذبيحة، حاول بكل ما أوتي من قوة وحجة ومعلومات، بيان حجم الخطر الذي يتهدد الوطن، وفرق بوضوح بين سقوط النظام وسقوط الدولة، النظام زائل ويبقي وجه الوطن، كلام لا يفهمه إلا من كان قلبه سليماً، كلنا زائلون أما الوطن فباق.
كان كمن ينادي في البرية، نادي علي الفرقاء أن اعتصموا بحبل الوطن، ولكن ختم الله علي قلوبهم، لا أحد يسمع والطمع فيهم غالب، والثعالب في الدغل يسيل من فيها اللعاب، حاول قدر المستطاع استنقاذ الدولة، تصدي لتغول الإخوان، وحذر بصراحة، وكنت بين الحضور من الطوفان، وقال قولته الشهيرة، الاتفاق بين الفرقاء أو الانقلاب، يومها خرجت الثعالب الإخوانية العقورة ومن لف لفهم، خوفاً أو طمعاً، تنهش في جسد الجنرال العليل الذي تحمل الأذي فقط لأجل أغلي اسم في الوجود.
القي بيان التنحي محصوراً، ولاكت الألسنة سخافات مثل « الرجل اللي ورا عمر سليمان»، اختصروا اللحظة المهيبة التي وقف العالم احتراما لجلالها، المصريون يغيرون، والرئيس يستجيب في بيان يلقيه نائبه في ثوان فارقة، لم يحتمل قلب الجنرال هول ما ينتظر الوطن من أهوال، كان عليماً بحجم المؤامرة، وغادرنا لا يلوي علي شيء، سكن العناية المركزة مداويا الجراح.
ترشح لملء الفراغ حتي لا يحتله الإخوان، كان ترشيحاً صاعقاً، أطار عقل الإخوان، وعندما أخرجه المتآمرون بليل من سباق الرئاسة ليخلو لهم وجه أبيهم المرشد، لم يقلب الطاولة علي الجميع، وكتم ألمه في قلبه العليل،، أحس بدنو الأجل، ورحل وعيناه من خلف النظارات القاتمة تبكي وطناً، مات وحيداً في أصقاع بعيدة، وعاد ليدفن ومعه سره، هناك من مشي في جنازته حتي يتأكد أنه سكن القبر، وعاد إلي إخوانه مسروراً يبشرهم برحيل الجنرال.