علاء عبد الوهاب
علاء عبد الوهاب


يوميات الأخبار

عن روعة العيد.. ودروس التاريخ.. وعرش الكتاب

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 17 أغسطس 2021 - 07:28 م

كان للعيد معنى ومذاق مختلفان بعد جمع الشمل.. هكذا، فإن «العيدية» الرمزية أروع بكثير من النقدية

الأربعاء:


لا تكتمل للعيد معانيه ورمزيته دون عيدية. لا أعنى أن تكون بالضرورة نقودا، بل إن الكلمة الطيبة، أو اللفتة المؤثرة، وربما تدفق المشاعر بصدق خلال زيارة أو تواصل هاتفى أو عبر الفضاء الإليكترونى بفعل ما فرضته الكورونا،...،...، كلها تعد ضمن مفهوم العيدية.


يتسع مفهوم العيدية ـ أحيانا ـ ليشمل العشرات أو المئات، وربما الملايين، تطبيقا لفلسفة التكافل الاجتماعى فى جوهرها الإنسانى، فكلما اتسعت دوائره كان مذاق العيد أجمل.


أهلنا فى الريف ـ بالملايين ـ كانوا أصحاب الحظ الأوفر فى العيدية هذا العام، فمع «دخلة» العيد أظلتهم خيمة اتسعت لنحو نصف تعداد شعبنا، تجمع تحتها العديد من المبادرات التى تكفل حقوقا مستحقة لأهلها، أقصد أهلنا فى ربوع ريف مصر المتعطش لما يرتقى بمستوى معيشى لائق على كل الأصعدة.


المسنون والأيتام بالآلاف فى دورهم تلقوا العيدية ـ أيضا ـ بمشاركة الكثير من المحافظين، الذين شاركوا كبار السن من الشيوخ، وبراعم المستقبل من اليتامى فرحة العيد، وكان من نصيبهم هدايا عينية أدخلت على نفوسهم البهجة، ولعلى أتمنى على المحافظين ألا تكون زياراتهم تلك «من العيد للعيد»، لكنها تكون على فترات لا تطول، شرط أن تتم مفاجأة، إذ تعانى دور الشيوخ والصغار ـ على السواء ـ من أوجه عديدة للقصور، وتجاوزات فى غياب المتابعة من جانب كبار المسئولين، وروادها كبارا وصغارا يستحقون عناية متواصلة.


ثم كان إطلاق سراح عشرات من النشطاء السياسيين المحبوسين احتياطيا، ليس بمثابة «عيدية» للمفرج عنهم فحسب، وإنما للمئات الذين تمثلهم أسر اشتاقت لفلذات الأكباد، وجاء توقيت العفو قبيل العيد ليدخل السرور على آباء وأمهات، وأشقاء وشقيقات، وأقارب، وجيران، ومعارف، وأصدقاء، كان للعيد معنى ومذاق مختلفان بعد جمع الشمل.


هكذا، فإن «العيدية» الرمزية أروع بكثير من النقدية، كل عام ومصر كلها بخير، مع دعوات من القلب أن يكون العيد القادم بدون كورونا، وتلك أعظم هدية من الله الرحيم بعباده. 


 لمصر.. لا عبد الناصر 

 


 الجمعة:


صدفة طيبة حقا. فى اليوم الأخير لعيد الأضحى، حلت الذكرى ٦٩ لثورة يوليو. يعنى باقٍ من الزمن أقل من عام لتتم ٧٠ سنة على قيامها.


سبعة عقود ـ تقريبا ـ مرت دون أن تلقى حقها من التقييم العلمى، والدراسة الموضوعية المدققة لحدث لم تقتصر آثاره ونتائجه على البلد الذى وقع فيه، وإنما امتدت ليؤثر على الإقليم، بل ودون مبالغة على العالم، وخريطة العلاقات الدولية.


طالبت، وتبنى كثيرون غيرى ذات المطلب: أن تخضع ثورة يوليو بمقدماتها، وأحداثها، ونتائجها لمراجعة شاملة، على الأقل كى نتعلم من تاريخنا دروسا إن لم نستوعبها، فقد نحكم على أنفسنا بإعادة أخطائنا!


من حق الوطن، وأجياله الحالية والقادمة أن تقرأ دراسات منهجية تشفى غليلها لمعرفة لماذا نجحت الثورة بقيادة عبد الناصر فى كذا وكذا؟ ولماذا أخفقت فى كيت وكيت؟ ثم الاجتهاد فى تحديد مسئولية ما حدث، هل عبد الناصر وحده أم النخبة أم الشعب يشتركون فى تحمل جانب من المسئولية؟


مع تقديرى لعبد الناصر وتجربته، لا يحتمل ضميرى إلا اعتباره المسئول الأول عن التجربة، إلا أن تعميده مسئولا أوحد مسألة تجانب الصواب والموضوعية بل والعدل، فلم يكن الرجل يعمل وحده، أو يتحرك فى الفراغ، بل كانت هناك مراكز متعددة للتأثير، بل إن نكسة ٦٧ كشفت أن ثمة ضغوطا مارستها مراكز قوة، تعاظم نفوذها فى غياب الديمقراطية السياسية، فى ظل سيادة مفهوم الديمقراطية الاجتماعية، الأمر الذى اعترف به عبد الناصر عندما مارس نقدا ذاتيا لتجربته.


ليس مطلوبا أن استدعى الموتى من قبورهم، لكن الأمم الحية تحتاج دائما إلى تعلم الدروس والعبر من تاريخها لتكون زادا لها فى حاضرها ومستقبلها، إذ أن التاريخ حلقات متشابكة، وإذا كان عبد الناصر أحد أبرز صُناعه خلال نحو عقدين من الزمان، فمن حق مصر وأبنائها، بل والتاريخ ذاته، أن نجد بين أيدينا فى عيد الثورة القادم، أو بعد ذلك بسنوات لا تطول دراسات علمية تتسم بالجدية والموضوعية لهذا الحدث الفارق. إنها دعوة من أجل مصر لا عبد الناصر.  


مؤشرات خطرة 


 السبت:


لم تصبنى أدنى دهشة عندما قرأت تحليلا لمبيعات الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، كشف عن تصدر كتابات الرعب والروايات البوليسية لقائمة الكتب الأكثر مبيعاً!


قد يقول قائل، ولماذا تصيبك الدهشة، وقد كان ما حدث على منوال ما مضى من دورات للمعرض؟


كنت أتصور أن الجائحة ربما تدفع الذائقة القرائية باتجاهات أخرى. مثلا، تصورت أن «كوڤيد ١٩» يفتح الباب واسعا أمام الاهتمام بالثقافة العلمية ليعرف الناس أكثر عن حقائق تتعلق بالكائنات الدقيقة، وعلاقة الإنسان بها، والجديد فى الطب بصورة مبسطة، ومحاولة السعى لاكتساب معارف علمية من مراجع أصيلة لمؤلفين متخصصين، حتى يعرف قارئها ما يدور حوله و... و.... مثلا، ظننت أن تكون مبيعات الكتب المهتمة بقضايا التنوير بمعناه العام لها حظ أكبر، فى لحظة ضبابية غائمة، اختلطت فيها الخرافة بالحقيقة، والأصيل بالزائف، وقشور التدين الشكلى بجوهر الدين وحقيقته. مثلا، كنت أحلم أن يحظى الاهتمام بالتاريخ، بمراحله المختلفة، بجانب معتبر من مشتريات زوار المعرض، فى ظل استمرار محاولات استهداف نزع المصرى من جذوره، وتشكيكه فى دوائر انتمائه. 


.................... 


عزائى أن الكتاب الورقى لم يفقد عرشه، رغم ادعاءات كثيرة بأن زمنه قد انقضى، وأن اللحظة مواتية تماما ليحتل الكتاب الإليكترونى مكانته، ويزيحه عن موقع عتيد استمر قرونا طويلة. لكن تظل مؤشرات المبيعات المرتفعة لنوعيات الأكثر مبيعا، لا تثير الدهشة فقط، وإنما تبعث على القلق، لأننا بصدد ظاهرة تؤثر عاما وراء عام على تشكيل العقل المصرى، وهنا مكمن الخطر. 


  السيرة أطول من العمر 


 الأحد:


خلال الأيام القليلة الماضية قرأت نتائج أكثر من دراسة حول الإصابة بـ «ألزهايمر» اتفقت على أن الحرص على ممارسة أنشطة عقلية، فى مقدمتها القراءة، من شأنه الوقاية من الوقوع ضحية للإصابة بهذا الوحش الذى يجعلك لا تعرف: من أنت؟! الانخراط فى هواية، وممارستها بصورة منتظمة، يقى كذلك من شبح الإصابة، والوقوع فى أسر هذا اللعين.


بعد الستين ترتفع احتمالات الإصابة ببوادر «ألزهايمر»، وتكرار النسيان يجعل من تجاوزوا تلك العتبة، فى حالة فزع كلما نسوا. لكن كما يقول المثل «تاهت ولقيناها».. اقرأ، ومارس هواية فكرية أو نشاطا اجتماعيا، وسوف يبتعد عنك الخطر بإذن الله. 


.................... 


تذكرت عنوانا نشرته خلال رئاستى لتحرير كتاب اليوم: «كيف تعيش مائة عام».. وكنت حريصا على أن يسبقه عنوان فرعى: أسرار عمر مديد بصحة وعافية. 


 صحيح أن الأعمار بيد الخالق العظيم، لكنه سبحانه أمرنا بالأخذ بالأسباب، فالمسألة لا تعنى كم تعيش؟ بقدر ما تعنى كيف تعيش؟ 
 دائما أجنح إلى أن لكل عمر حلاوته، وأن العاقل ليس من يسعى لشباب دائم ـ بغير شباب القلب طبعا ـ وإنما من يفطن إلى جمال كل مرحلة سنية يحياها، ويرتبط الأمر ـ أساسا ـ بأسلوب الحياة، فلا أظن عاقلا يقتصر حلمه على مجرد طول العمر، ويحضرنى فى هذا السياق ما قاله سيد الأنام عليه الصلاة والسلام: «خيركم من طال عمره وحسن عمله». 


 فقط أذكر من يحلمون فقط بطول العمر، أن هناك من رحل فى ريعان الشباب، أو منتصف العمر لكن ظل الناس يتذكرونه لعقود وربما لقرون، لأنه ترك عملا أو أثرا ينفع الناس. 


 حقا، السيرة أطول من العمر، اللهم امنحنا حسن السيرة، وساعدنا على أن نترك ما ينفع من بعدنا. 


  ما وراء النعى 


 الإثنين:


نادرا ما أتصفح صفحة الوفيات، والأمر لا علاقة له بالتشاؤم والتفاؤل، لكن هكذا وجدت نفسى، غير أنه إذا حدث ما هو غير مألوف لى، فإن النظرة لمحتوى الصفحة يكون تحليلا! 


 أحيانا أتذكر مقولة شهيرة تتعلق بتوافد طوابير المعزين للعمدة حين مات كلبه، بينما خلا عزاؤه ممن جاملوه فى مصابه الجلل! 


 غير أن ثمة نعياً استوقف بصرى، واستدعى ما وراء النص الذى قرأته: «والدى وأخى وصديقى وحبيبى أنا لن أنعيك لأن ذكراك محفورة فى القلب رحمة الله عليك» 


هكذا نعى المسلم، المسيحى. كلمات من القلب، لا مجال فيها للرياء أو الزيف، لأنه لا يجامل الشخص فى عزيز لديه، وإنما ينعيه، وقد رحل، ولا شبهة فى مصلحة من وراء ما خطه. 


 موقف يؤكد على سلامة النسيج الوطنى، رغم محاولات وجهود استمرت عقودا لتمزيقه، لكن صدق المشاعر أبقى. 


 تذكرت نموذجا عاصرته صبيا، فقد كان نتاج زيجة لمسلم ومسيحية يونانية الأصل -فى مدينتى- بنتين وولدا، والأخير كان مدللا، لكننا كنا نسمع صوت استغاثته من عقاب أمه إذا ضبطته مفطرا فى رمضان. 


 وعلى ذكر الصيام فقد كان هناك من جيراننا المسلمين من يصوم صيام العذراء، ومن جيراننا المسيحيين من يشاركنا بعض أيام رمضان صائما، متوسلا ـ هنا وهناك ـ بالصيام نجاح ابنه، أو نجاة عزيز لديه من محنة. 


 والحمد لله أن المجتمع المصرى بدأ يستعيد عافيته فى مجال الوحدة الوطنية، بعد أن زالت الغشاوة عن بصر وبصيرة كثيرين ضللهم مدعو التدين، ومن زعموا أنهم حصريا من يحفظون للإسلام عزته، وهم فى غيهم مستغرقون!

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة