بدأ النظام الصحي الحديث مع مؤسس الدولة المصرية الحديثة محمد علي باشا، أحد أعظم حكام مصر الذين وضعوا أيديهم علي مكامن القوة في الامة المصرية واطلقها، للمؤرخ الدكتور خالد فهمي دراسة ممتعة عن «الجسد والحداثة» يتعرض فيها للنظام الطبي، الذي وضع أسسه كلودبك دفين مرسيليا الآن، كان التفتيش الصحي جزءا أساسيا منه وأذكر في طفولتي ان مفتش الصحة كان شخصية أساسية مهابة عند اصحاب الماضي وكان لديه ما يشبه الضبطية القضائية، يمكنه اغلاق أي مطعم في الحال، خلال السنوات الأخيرة لم نقرأ الا عن اغلاق مطاعم معدودات، مثل مطعم مشهور في انبابة كان يقدم اللحوم العفنة ويغطيها بالبهارات الكثيفة، وجزار يبيع لحوم الحمير، اما سلسلة مطاعم الحلويات التي اعترف صاحبها في خطوة استباقية واعتذر بالانجليزية فلم ينشر خبر اغلاق فروعه الا في المواقع الالكترونية. في جميع دول العالم الحريصة علي صحة شعوبها نجد أنظمة صارمة للتقييم والرقابة، فثمة نظام اسمه (زاجات) يمنح علامة الجودة للمطعم الافضل، وقد أخبرني صديق مصري يمتلك مطعما ايطاليا يعد الافضل في نيويورك ان اعضاء هذه المنظمة يأتون متخفين كزبائن لمراقبة الخدمة والنوعية، اما الرقابة الصحية فتتبع عمدة المدينة (المحافظ) ولو ضبط طعام فاسد فإنه يظهر في نشرة خاصة تذاع بجميع وسائل الاعلام تحذر الناس من التعامل مع المطعم المخالف، وقد رأيت مطاعم هامة مغلقة مشهرا عليها سبب الاغلاق «لأسباب صحية» الاجراءات هنا صارمة لا مخالفة ولا تهاون فيها وبالطبع لا مجال للرشوة، سواء كانت نقدية أو دعوة مجانية للغذاء هذا هو الوضع في بلدان العالم. رأيته من الولايات المتحدة الي الصين، هذا وضع سائد في الاقطار التي أقر صاحب الفروع المغلقة مؤخرا ان يخاطب بها جمهوره، واللجوء الي لغة اجنبية للاعتذار أو البوح ظاهرة لغوية اجتماعية سياسية تستحق التأمل، الاغرب الذي لفت نظري في الواقعة الاخيرة ان الجمهور نفسه الذي من المفروض ان يتعاطف مع اطفال لا ذنب لهم ولا جريرة الا انهم تناولوا قطعة حلوي مفخخة بمكروب السلمونيلا الذي لا يسبب الاسهال الحاد المؤدي الي الوفاة ولكنه مسبب للتيفود ايضا، لفت نظري ان بعض المعلقين علي الحادث من اصحاب الفيس بوك والوسائط الحديثة، يدافعون عن المتسببين في الواقعة، ومنطقهم المعلن: المحلات شغالة منذ سنوات والرجل أخطا مرة واحدة تقفلوا المحلات؟ هذا يعني ان الرأي العام.. ان صحت نسبة هذه الرسائل.. قد ادركه خلل، يشبه ذلك سيارة صدمت عابرا وحطمت ساقه اليمني، يجيء العابرون فيقولون له مواسين ومطيبين خاطر السائق: احمد ربنا رجل واحدة بس أنكسرت قوم ياراجل أتكل علي الله.. كان ممكن تتكسر رجليك الاثنين!، اما عن الاعتذار فهذا أمر أخلاقي يخص الشخص وهذا محمود،  لكن للمجتمع حقوق أخري، ثقافة الاعتذار في أي مجتمع متحصر محترم لابد أن تقترن بتعويض الضحايا والعقاب، وهذا من مسئولية الدولة والقانون.