محمد زيان
محمد زيان


مصر و30 يونيو وما يجري في أفغانستان.. نظرة على المستقبل 

محمد زيان

الخميس، 19 أغسطس 2021 - 04:55 م

مرت مصر بأوضاع غير مستقرة وتوترات عرضت مستقبل الدولة والشعب لمنحنيات وتداعيات خطرة ، انعكست في نتائجها على الوضع الاقتصادي والسياسي ، والثقافي ، بل دورها الاقليمي وما تلاه من محاولات وطموح بعض البلدان التي لم يكن لها تأثير في المنطقة الى مناطحة هذا الثبات والقوة المصرية في المنطقة وتحدي وجودها في التطلع لدور قوة اقليمية مناوئة وبديلة في وقت من الاوقات، وكان لهذا الوضع من مسببات تبدت في حالة السيولة التي جابهتها البلاد أعقاب حروب الربيع العربي

اقرأ أيضاً | الاتحاد الأوروبي: أمريكا كانت تنفق 300 مليون دولار على الملف الأفغاني يوميا

 

كانت الاحداث التي أقصدها هي ما تلا أحداث يناير ٢٠١١ ، والتي كان مسرحها ميدان التحرير، وعدة ميادين ومنصات، هدفت إلى إضعاف دور الدولة الوطنية واسقاط مؤسساتها ، وتبلور هذا جلياً في صعود تنظيم الإخوان صاحب السجل الأسود في الإرهاب وسفك الدماء والاغتيالات والسطو المسلح على الأنظمة، مدعوماً بعصابات وتنظيمات خارج الحدود . 


لكن إعادة توازن الدولة و وتموضعها مرة أخرى - مع كل ماحدث - كان في الحقيقة في ثورة ٣٠ يونيو ، التي أرجعت الميزان المختل إلى ناصيته ، وبعد مرور مصر بمشاهد جرت على أرض الواقع تشبه ما يجري في أفغانستان من معاداة للمرأة والتراث والثقافة ، ومحاولة استعادة قيم القبيلة والصحراء على يد عصابة الإخوان وشركائهم - حدث هذا في شوارع القاهرة - وأحياء عدة ، وبلدان ومحافظات وقرى كثيرة ، حين خرجت رايات سوداء ولحى وجلابيب بيض تخبىء داخلها قلوب سوداء قاتلة وسافكة الدماء ومعادية للشعب المصري وحضارته ومخالفه لقيمه السمحة، وبدت مشاهد مماثلة لما يحدث في افغانستان في التحرير وميدان رابعة والاسكندرية ودلجا وكرداسة ومغاغة وعند دار الحرس الجمهوري واعتصام وزارة الدفاع ، وحرق الكنائس  في اعقاب فض اعتصامي رابعة والنهضة ، وما تلاها من اعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وأحداث مكتب الارشاد في المقطم وقصر الاتحادية ، وغيرها من هذه الاحداث التي سيطر فيها أمراء الارهاب والدم  على الشارع في محاولة لفرض سيطرتهم ، مستخدمين تنظيمهم المسلح في قتل المعارضين من الشعب والسلطات ، لكن خارت قوتهم أمام نزول الجيش والشرطة لحماية الشعب ومقدراته مع ملامح الحرب الأهلية ، كل هذا مروراً بمسلسل حرق الكنائس وإرهاب المسيحيين ما أجبر عدد كبير يفوق المائة ألف إلى الهجرة الولايات لمتحدة وفق إحصائيات تحت حكم الجماعة الارهابية . 

ما يبدو لي مفيداً أن أقف عنده في هذا المقال ، هو استقراء التاريخ في أحداث أفغانستان الحالية ، مقارنة بالماضي القريب - بين روسيا والولايات المتحدة - وتبادل الاحتلال الذي جرى ، وما نتج عنه من مخرجات أسوقها في عدة ملاحظات هي : 

أولاً : يقول الكاتب الأمريكي  الساخر " مارك توين " : " قد يعيد التاريخ نفسه مرات عدة، لكن ثمنه يتضاعف مع كل مرة»، . . رأيت في استحضار هذه المقولة - الحكمة - لانزالها على الواقع الحاصل اليوم على نفس الأرض - أفغانستان - وفي نفس البقعة من الأرض التي دارت حولها تدخلات قوتين عظميين ، هما الاتحاد السوفيتي السابق ، و الولايات المتحدة الأمريكية ، فقد  دخل الاتحاد السوفيتي السابق أفغانستان عام 1979  وتوافد آلاف الشباب إلى كابول ومزار الشريف وباغرام يزعمون محاربة «الاحتلال الأحمر»، وبعد 10 سنوات وفي عام 1989 عندما خرج الاتحاد السوفيتي من بلاد تورا بورا، عاد هؤلاء للقيام بعمليات إرهابية ضد أوطانهم الأصلية التي خرجوا منها، وهي القضية التي أطلق عليها- وقتذاك -  في تسعينات القرن الماضي «العائدون من أفغانستان».

ثانياً : إن الواقع الذي يفرض نفسه الآن هو أننا أمام تكرار نفس السيناريو ، فقرار الرئيس الأمريكي "جو بايدن " بخروج القوات الامريكية وقوات حلف الناتو في ١١ سبتمبر القادم ، أعاد الكثير من علامات الاستفهام حول الدور الامريكي في المنطقة ، وحول الارهابيين الذين ظلوا قرابة عشرين عاماً في معسكرات الارهاب ، وما يتكهن حوله المحللون بامكان عودة التوتر للبلدان العربية مرة آخرى بعد تفريخ جهاديين جدد في مصر مثلاً ، العراق ، ليبيا ، تونس ، وبلدان أوروبية يمكن أن يلجأوا اليها أيضاً ، وتعود مع ذلك مشاهد قديمة متجددة مع موجات الارهاب التي تضرب البلاد ، ما يؤثر على مستقبل الحكم فيها ، واقتصادياتها ودورها الاقليمي والدولي . 


وما يضيف تعقيداً للأمور هو رغبة بعض الجماعات الارهابية مثل تنظيم الاخوان الذي فشل في مصر وليبيا وسوريا والسودان وعدة دول عربية ، والجماعة الاسلامية ، والسلفية الجهادية ، ومكونات هذا الفيروس الجهادي ضد الدول ، أن تلقي هذه الجماعات المغلوبة في معركة اسقاط الانظمة بعناصرها مرة آخرى في جبال تورابورا لاعادة انتاج جهاديين جدد ليتكرر نفس السيناريو ، وهو العودة للجهاد ضد انظمة الحكم المستقرة ، ويكون هذا هو المشروع الامريكي الجديد في المنطقة لتصفية حسابات مع دول وقوى وقفت في وجه مخططاتها أو فاقت نجاحاتها الاقتصادية وطموحها للبقاء متربعة على عرش النظام الدولي . 


ثالثاً : مصر تواجه عبئاً أمنياً جديداً جراء هذا الواقع المتماثل في أفغانستان ، يتمثل في ضرورة السيطرة على مدخلات ومخرجات العقول الجهادية ، وأمراء الارهاب الذين كانوا ينتظرون حالة السيولة هذه للسفر الى افغانستان للانخراط في صفوف ارهابيي طالبان ، ظناً أنها فرصة مواتية لاعادة مجد الخلافة الذي سقط في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ، وبالتالي تفتح الأحداث الباب أمام حاضر حذر ومستقبل مترقب لاعادة انتاج ما يسمى "العائدون من أفغانستان " مرة آخرى ، وربما يكون هذا ضمن مفردات التخطيط لدى السياسة الأمريكية التي اختارت هذا التوقيت لاخراج قواتها واطلاق هذه الحالة الدينية المتطرفة مرة ثانية على العالم !

 

رابعاً : أوروبا أيضاً ربما تتحمل تأثيرات ما جرى ، ولعل المتابع يجد أن ماحدث في أفغانستان سيلقي بتبعاته على القارة الاوروبية ، وعلى دولاً بعينها سارت عكس اتجاه الرغبات الامريكية وطموحها في المنطقة ، وبخاصة دولة مثل فرنسا وألمانيا ، بشكل يجعل اوروبا محوراً مهماً ومسرحاً لنتائج الذي جرى في افغانستان ، حيث سيصل الى هذه الدول متسللين من الارهابيين ضمن موجات المهاجرين الناجين من جحيم طالبان ، ما يجعل عودة الارهاب لاوروبا سيناريو محتمل في المستقبل القريب . 

 

خامساً : دولة فرنسا لابد وأن ترقب هذه الأحداث بعين الاعتبار ، وتجدر بالاشارة إلى أن دولة فرنسا مثلاً ، تمثل هدفاً حالياً ومستقبليا للارهاب ، ما يفرض على الجمهورية الفرنسية مراجعة سياستها الأمنية في مواجهة موجات المهاجرين من أفغانستان الذين غادروا مطار كابول في رحلة الهروب من جحيم طالبان ، وهذا يقود الى أن هناك استهداف للجمهورية الفرنسية أيضاً بحكم ما جرى على أرضها منذ ٢٠١٥ وحتى الآن من حوادث ارهابية ، تجعلها تاخذ الحيطة والحذر من المتسللين الجدد إلى أراضيها ، الذين يحلمون باقامة الخلافة المزعومة ، هذا اذا ما اضفنا المانيا  الى المعادلة ، باعتبار الدولتين هما عصب وجود وبقاء الاتحاد الأوروبي ، واغراقهما بالارهاب يعني اسقاط الإتحاد . 


سادساً : أما الهند وباكستان، فلاشك أنهما ستتأثران بما جرى في أفغانستان ، ففي هذه المنطقة تصاعدت مؤخراً الخلافات الحدودية بين الهند والصين في منطقة لاداخ، وهناك من ينظر للسيناريو الحالي بأنه سيصب في صالح باكستان إذا ما سيطرت طالبان على الحكم ، وتعتبر الولايات المتحدة الهند حليفاً قوياً ضمن «تحالف الديمقراطيات» الذي تريد تأسيسه ضد الصين وروسيا.

 

سابعاً : وتعد دول اسيا الوسطى من الدول التي ستتأثر بما جرى حقيقة في أفغانسان ، حيث ستنعكس الاحداث هلى هذه الدول - التي ليست بمنأى مطلقاً -  عن التأثر بما يحدث الان ، وراجع مدى التأثير إلى طبيعة التحالفات مع الدول الداخلة في الصراع وتوازنه ، مثل الصين والهند والولايات المتحدة وروسيا ، ويبدو المشهد مقلقاً لهذه الدول ، خاصة مع توترات قد عادت مرة آخرى بين أرمينيا وأذربيجان حول اقليم قره باغ ، وتجاذبات السياسة التركية في هذا الاطار . 

 


ثامناً : أما الصين ، فينظر المحللون اليها بأنها على  مقربة من التأثير  والتأثر أيضاً بما يجري في أفغانستان ، في وقت تتلاطم أمواج العلاقات والخلافات الامريكية الصينية بالنظر للعقوبات والصراع الاقتصادي الدائر بينهما ، ونقل هذا الصراع الى مناطق النفوذ لدى كل منهما ، ومنها افغانستان التي تسيطر عليها أمريكا ، بما يفتح الباب على مصراعيه للتحليلات حول ما ستكون عليه التأثيرات بما حدث لدى الصين وشكل العلاقات الامريكية الصينية ، وما تطلبه أمريكا من الصين ؟


أخيراً : 

ماذا عن  ايران وروسيا ، و ما مدى تأثرهما بما يحدث في أفغانستان ؟ 

منذ اللحظة الأولى لخروج القوات الأمريكية ، ودخول مقاتلي طالبان إلى العاصمة "كابول "، أعلنت روسيا انها على استعداد تعاونها مع السلطات الجديدة، وقال " ضمير كابولوف "- المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان - عن تفاؤل موسكو بالعلاقات بين روسيا وأفغانستان بعد تغيير السلطة في هذا البلد، وأن روسيا  ستتحدث مع الملا " عبدالغني برادر"-  رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان -  وأن روسيا تحافظ على علاقات جيدة مع الحكومة الأفغانية التي غادرت البلاد وحركة «طالبان» على حد سواء . 


أما ايران فقد اتخذت موقفاً يبدو عليه الحذر الشديد في استقبال اللاجئين الافغان في مخيمات على الحدود مع افغانستان في مناطق "  خراسان الرضوية ، خراسان الجنوبية وسيستان وبلوشستان، وتعاطت مع الأزمة منذ شهرين . 


وعلى ما يبدو ، ورغم أن طالبان حركة سنية متطرفة تعادي ايران الشيعية ، الا أن الاخيرة تعاملت مع الموقف بضبط النفس وحماية الداخل من اغراقه بموجات اللاجئين الذين قد يتسلل ضمنهم مقاتلي الحركة ما يتسبب في قلق وعبء داخلي على ايران ، أي بطريقة التحضير المسبق والتعاطي الذكي مع الأزمة ، في نفس الوقت تتعامل روسيا مع الموقف بعقل الاحتواء والدروس التاريخية التي استفادتها من دخولها افغانستان وخبرتها مع طالبان ، ما يعني أنه حال وجود أي تهديد للبلدين ، فان لديهما سيناريوهات للتعامل مع الأزمة ، بشكل ستكون الأضرار فيها أقل من دول آخرى في المنطقة ، تسعى الولايات المتحدة لتخويفها وإرهابها بهذا المارد الخارج من القمقم ، الذي يعادي الحضارة والتمدن ومظاهر التقدم العلمي والتكنولوجي والحداثة . 


تبقى  تركيا ، اللاعب المهم - الخبيث  من وجهة نظري والذي يتصيد الفرص ويقتنص الأحداث - في المعادلة التي تجري على الأرض ، بالنظر إلى تصريحات وزير خارجيتها حول الحوار مع طالبان والترحيب به ، ومع وجود قوات تركية لحماية مطار كابول ، ومعسكرات على الاراضي التركية لاستقبال اللاجئين الافغان ، وهي تدخل افغانستان - لاشك - في اطار تنسيق - غير معلن - مع الولايات المتحدة ، لتحقيق أقدر قدر من المكاسب ، بيد أنها تستقبل في معسكراتها اللاجئين السوريين والأفغان حالياً ، ما يبعث برسالة قلق من تنامي دور الميليشيات التي يمكن أن تدربها تركيا على أراضيها وترسلها في مهمات إلى دول مثل سوريا ،  ليبيا ، والسودان ، وتونس لتصفية حسابات مع نظام " قيس سعيد "  بعد إخراج النهضة من المعادلة السياسية ، وبما يعيد الحذر من ميليشيات على الحدود مع مصر أيضاً ، وربما تهدد الاتحاد الاوروبي مجدداً بورقة فتح باب الهجرة واغراق حدود الاتحاد بهؤلاء لابتزازه من جديد ، لكن تبقى هي الدولة الأكثر استفادة من الموقف إلى حد كبير بالنظر إلى تنسيقات مبطنة مع الفاعلين الدوليين . 


وتبقى مخرجات المشهد الحالي في أفغانستان هي اعادة انتاج جهاديين وتصديرهم الى دول بعينها في المنطقة لتنفيذ خطط وأهداف قوى لها مصالح ، وبالمثل احتضان ارهابيين جدد سيتم اعادة انتاجهم في ماكينة التطرف وغسل أدمغتهم ليعودوا مرة آخرى لسفك دماء ومحاولة تقويض أنظمة .

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة