الحكم قبل المداولة 100 مليون قاضى
الحكم قبل المداولة 100 مليون قاضى


100 مليون قاضي.. حكايات دفاتر الحكم على الأشخاص دون دليل

دينا درويش

الأربعاء، 25 أغسطس 2021 - 07:20 م

«كانت المدينة الجامعية للطلبة فى مواجهة مدينة الطالبات، وهناك زميلة ظلت تشاغلنى لشهور طويلة، تظهر وتختفى دائما من نافذة حجرتها المواجهة لنافذتى حتى تلفت انتباهى، وحين كنت فى زيارة إلى زميل بالدور العلوى، ونظرت إلى نافذتها اكتشفت المفاجأة، أنها لم تكن تغازلنى ولا يحزنون، كل ما فى الأمر أن البنت كانت مواظبة على الصلاة، وفهمت أن لحظات الظهور كانت تحدث أثناء الوقوف، بينما الاختفاء يتم فى الركوع والسجود، ومن يومها أدركت أن الحكم على الناس بدون رؤية الصورة كاملة خطأ رهيب، وامتنعت عن إصدار الأحكام الجاهزة على خلق الله»..

تلك كانت حكاية أحمد عبد العليم التى رواها لـ«ألف عيلة وعيلة»، إلا أن أحمد ليس القاضى الوحيد فى قصتنا..

للأسف كلنا أحمد ونتورط دائما فى الحكم على الآخرين بدون دليل.

هذا السيدة مغرورة لمجرد أنها انطوائية ولا تتواصل مع أحد، وهذا الشاب «برّاوي» ولا يحب الناس لأنه منهمك فى عمله وليس لديه وقت يضيعه فى النميمة، وتلك الفتاة متحررة، وذلك الرجل «ساقع» لأنه لا يشارك زملاءه السخرية على زملائه.. تحولنا إلى 100 مليون قاض للأسف..

متى وكيف؟! لا أحد يعلم.

«تعرف فولان؟.. أعرفه.. عاشرته؟.. لأ.. تبقى ماتعرفوش».. هذا المثل الشعبى يحذرنا من الحكم الخاطئ على الناس عمَال على بطَال، حتى لا نقع فى تلك المشكلة الاجتماعية العويصة ونصبح أحد محركاتها سواء فى الواقع، أو على منصات التواصل الاجتماعى التى تمتلئ بالقضاة من كل صنف ولون.

آية أحمد حسين - ربة منزل - عانت طويلا من انها لا تملك مهارات التواصل الاجتماعى الكافية ولديها عدد محدود من الصديقات، ما جعل البعض يصدر أحكاما جاهزة عليها تتهمها بالغرر والتكبر، إلا أن كل من يقترب منها ويعرف حقيقتها يكتشف أنه أخطأ فى حقها ويعتذر لها.

تقول آية: إن العشرة هى الشئ الوحيد الذى يجعلنا نصدر أحكاما حقيقية على الآخرين، وتعترف أنها لا تجيد النميمة وتفضل أن يكون كلامها قليلا وواضحا، ما يفسره أغلب الناس بالتعالى.

المكسب الحقيقى

ماجد عبد الرازق - مراجع حسابات - بدأ حديثه قائلا «لن انسى حكمى الخاطئ على أحد جيرانى بانه لا يصلح بان يكون من أصدقائى المقربين حتى توفيت والدتى ولم أجد من ساندنى سواه، ومنذ ذلك الحين وانا اعتبره شقيقا لى، تشاركنا فى العديد من المشروعات وخسرنا ولكن المكسب الحقيقى كان فى صداقتنا التى لم تتأثر.

وأضاف: تجربتى مع هذا الصديق جعلتنى أدرك أن الحكم على الأشخاص يتم عن طريق المواقف، بينما الأحكام العشوائية تكون دائما ظالمة، ويصمت قبل أن يختم كلامه  قائلا:  لن انسى صدمتى يوم وفاة والدتى من صديقى المقرب الذى كان معى طوال المراحل الدراسية ولم يقف بجانبى أو يفعل ما فعله جارى.

تعترف بسمة سعد - محامية - بان الجميع يراها سعيدة، وتعيش حياة مرفهة خالية من التعب والمعاناة بسبب صورها المرحة التى تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعى.

وأضافت: من يعرفنى عن قرب يدرك ما أعانيه فى أيامى المليئة بالمشاكل، الصور تظهر لون عينى الجذاب، وملابسى الأنيقة، إلا أنها تخفى ما أعانيه من مشكلات فى حياتى، الصور تقول إننى فتاة واثقة من نفسها، وقوية لا تخشى شيئا، بينما لا تتحدث عن عقدتى من أسنانى منذ الصغر والتى حاولت إصلاحها وفشلت..

وتواصل: الأحكام العمياء على الناس بصورة ظاهرية متسرعة تكون فى كثير من الأحيان إثما وظلما لان التسرع رجل أعمى والحقيقة تظهر للذى يرى ولا يتسرع ولابد أن ننشغل بانفسنا بدلا من التركيز على الآخرين وحياتهم ومشاكلهم والحكم عليها.

ويحكى أحمد حسنى - مهندس كمبيوتر ورحال - عن حكم والدة زوجته عليه بعد أول مقابلة لهما معا، يقول بأنه لم يكن جيدا، وبشكل أوضح قامت بطردى من المنزل، وكانت معذورة لأننى أعطيتها ثلاثة مواعيد سابقة ولم أذهب لرؤيتها وفى أول مقابلة لم أحمل بين يدى علبة شيكولاتة أو بوكيه ورد كنوع من الاعتذار، بل صندوق من الكيوى وبعد تناول الغداء والذى كان عبارة عن مقلوبة لذيذة نمت على الأريكة، وحين أيقظونى فاجأتهم بأننى لم أفاتح والداى فى مسألة الخطبة..

وأوضح: فى ذلك الوقت كنت خارجا من تجربة انفصال مريرة اثرت على بالسلب ولكن بعد العشرة أصبحت حماتى تحبنى كثيرا ربما أكثر من أولادها الذكور.

الانطباع الصحيح

أما رودى وحيد - مرشدة سياحية وعضوة باتحاد الأثريين - فبحكم تعاملها فى عملها مع أجانب، وتتعرض كثيرا للأحكام الخاطئة، فمثلا كان السائحون يعتقدون انهم اثناء زيارتهم لمصر سيجدون السيدة المصرية ترتدى الجلباب والزى الفلاحى الشهير وهو انطباع ليس صحيحا تماما فالمرأة المصرية ليست هى الصور القديمة المطبوعة فى أذهان الغرب، وكان المشاركون فى رحلاتها يشعرون بالصدمة بسبب انها صغيرة فى السن ولديها كم كبير من المعلومات والتفاصيل التاريخية التى لا يعرفها الكثيرون، تقول رودى إن الانطباع الصحيح يحتاج إلى لقاء على أرض الواقع والتعامل وجها لوجه.

المثير للدهشة أن رودى أيضا كانت تعتقد أن كل السياح متحررين، نتيجة لانفتاحهم على الثقافات، وبالتعامل معهم صادفت الكثير من المتزمتين، وتقول: الحكم من خلال مواقع التواصل الاجتماعى وما تصدره من صور ليس صحيحا تماما، فالصورة السلبية التى تنقلها السوشيال ميديا عن أن مصر ليس بها أمان ليست حقيقية بالمرة. 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة