مسرحية «سيدة الفجر»
مسرحية «سيدة الفجر»


دعاء فودة تكتب| «سيدة الفجر».. الموت يحاور الإنسان في ليل حزين

دعاء فودة

الأربعاء، 25 أغسطس 2021 - 11:16 م

الزائرة: ساعتي لا تفوت أبدا.. إنها تؤجل فقط.
الجد: اذهبي اذن.. ماذا تنتظرين؟
الزائرة: الآن لم أعد انتظر شيئا.. أريد فقط قبل أن أذهب أن تودعني بلا بغض.. بكلمة طيبة.
الجد: ليس عندي ما أقوله لك.. مهما كانت قسوة الحياة فإنها أحسن شئ عرفته.
الزائرة: إلى هذه الدرجة تتصورني مختلفة عن الحياة؟.. هل تظن أن الواحدة منا يمكن أن توجد دون الأخرى؟
الجد: أخرجي من بيتي أرجوك
الزائرة: إني ذاهبة الآن.. ولكن قبل ذلك يجب أن تستمع إلى.. أنا صديقة للفقراء، ولذوي الضمائرالنقية، لماذا لا تتكلم بإخلاص؟
الجد: لو كنتي مخلصة لما دخلي إلى البيوت متنكرة، لتتسربي إلى الغرف الحزينة في الفجر.
الزائرة: من قال لك أني أحتاج إلى الدخول؟ أنا دائما موجودة في الداخل.. أراهم من وراء المرايا يكبرون يوما بعد يوم.
الجد: لا يمكنك أن تنكري غرائزك، إنك غدارة.
الزائرة: حين تدفعونني معشر الآدميين بعضكم ضد بعض، نعم أكون قاسية ولكن عندما تتركوني أصل بخطواتي، يا للحنان وأنا أفك العقد الأخيرة، ويا للابتسامات عند حافة الفجر..
الجد: اسكتي.. إن صوتك حلو والاستماع إليك خطير..
الزائرة: أنا لا أفهمكم.. إذا كنتم دائما تشكون من الحياة؟ لماذا يخيفكم تركها إلى هذا الحد؟
الجد: ليس ذلك من أجل ما نتركه هنا، بل لأننا لا نعرف ماذا في الجهة الأخرى.
الزائرة: حين تكون الرحلة عكسية يحدث نفس الشئ، لذلك يبكي الأطفال عند الولادة..
الجد: الأطفال مرة أخرى؟.. إنك تفكرين فيهم أكثر من اللازم.. اخرجي من بيتي؟

جزء من مسرحية "سيدة الفجر"، التي تطرح فكرة الحوار بين الموت والإنسان، حيث يرمز الكاتب في النص للموت بشخصية امرأة جميلة ساحرة حنون، وهي "الزائرة" التي تحل فجرا ضيفة على أسرة حزينة في أحد القرى، وقد يكون اختار الكاتب أن يرمز للموت بـ"امرأة" ليظهر الجوانب الجمالية للموت، والتي لم يلتفت إليها الإنسان، وتبدأ الزائرة في حوار مع "الجد" ذلك الرجل العجوز الموجود بالمنزل والذي يكتشف أن هذه المرأة أو الزائرة هي الموت، ويخشى على أحفاده منها، ويرجوها أن تتركهم..


"سيدة الفجر" نص للكاتب والشاعر الأسباني أليخاندرو كاسونا، من النصوص المعقدة، ولكن لم أكن أعرف أن تجربة مشاهدتي للنص في عمل مسرحي ستكون ممتعة بهذه الدرجة، حينما قدمتها فرقة مسرح الطليعة بإدارة المخرج عادل حسان، المسرحية من إعداد وإخراج د.أسامه رؤوف والذي قدمها بسلاسة وأسلوب ممتع، تناول فيها فكرة الحوار بين الموت والإنسان وتمسكه بالحياة، على الرغم من أن الموت يكون بداية لحياة أخرى قد تكون أفضل.

وأظهر الكاتب ذلك حينما كشفت الأحداث أن الابنة الكبرى لتلك الأسرة لم تمت غرقا في النهر كما تعرف الأسرة، ولكنها هربت في ثالث أيام زفافها مع عشيقها، وحينما عادت نادمة لبيتها في نهاية الأحداث تلتقي بالزائرة "الموت" في المنزل مع وجود كامل الأسرة في الخارج للاحتفال بأحد المناسبات، وتدخل الابنة في حوار مع الزائرة "الموت"، تقنعها فيه "الثانية" بأن حياتها لايمكن أن تكون في هذا البيت سعيدة، لأن أسرتها تعرف أنها ماتت غرقا، وإذا ألقت بنفسها في النهر هذه الليلة ستحتفظ بالذكرى الطيبة والصورة الجميلة لها عند أسرتها وأهل القرية، في حين إذا عرفوا حقيقتها وأنها جلبت لهم العار والخزي لن يقبلها أحد وتكون حياتها أسوأ ما يكون.

لكن مع الإلقاء بنفسها في النهر في تلك الليلة وهي ذكرى الليلة التي عرفت أسرتها أنها غرقت فيها بالنهر منذ 4 سنوات، ستتحول إلى قديسة بالنسبة لأهل القرية عندما يرون جثتها في النهر في هذه الليلة خاصة أنها تتزامن مع احتفال ديني في القرية، وتقرر الفتاة أن تلقي بنفسها في النهر، وتصبح في مكانة أخرى غير التي تكون عليها إذا عادت وعرفوا حقيقتها، وهنا أكد الكاتب على فكرة أن الموت يكون أفضل من الحياة..


الحقيقة أن العرض خطف تركيزي وانتباهي من أول لحظة حتى نهايته، لم التفت أبدا طوال مدة العرض إلى أي شئ غير الحالة التي وضعني بها العرض، وكنت أحيانا في بعض العروض اتصفح هاتفي من وقت لآخر أو العبث في حقيبتي مللا من المسرحية التي أشاهدها، ولكن في "سيدة الفجر" استطاع أن يرغمني العرض بكل عناصره أن أنتبه جيدا وأكون على درجة عالية من التركيز.

تناولت المسرحية فكرة الحوار بين الموت والجد العجوز الذي يعيش مع ابنته وأحفاده في بيت حزين بعد فقدان حفيدته الكبرى، وكان يدور الحوار خلال زيارات الساعات الأخيرة من الليل لتلك المرأة الغامضة "الموت"، وعلى الرغم من الحساسية الدينية في حوار الموت مع الإنسان، إلا أن تم معالجته في "سيدة الفجر" بشكل تفادى تماما أي جدال في تلك المنطقة.

وكانت بصمات د.أسامه رؤوف في إعداد وإخراج العرض كانت واضحة جعلته ممتع ووضع المتفرج طوال الوقت في حالة ترقب وتركيز، وطبعا كان ذلك بجهود أبطال العرض الذي وضع كلا منهم في مكانه الصحيح، بداية من شخصية الجد التي جسدها الفنان "مجدي شكري"، ونشوى إسماعيل التي قدمت دور الأم وابنتها، ومصطفى عبد الفتاح "الزوج الأرمل"، والفنانات اللاتي قدمن شخصية الزائرة "مي رضا، بدور زاد، ووفاء عبده"، قمن بنفس الدور وكلا منهن لها أداءها القوي الثابت، إلى جانب 3 ممثلات أخريات قمن بنفس الدور " نيڤين المصرى ومنى رضا وآية عبدالرحمن".

وأظهر المخرج الموت في 6 شخصيات مختلفة، كل أبطال العرض بلا استثناء قدموا مجهود رائع وتركيز وأداء بسيط دون "أفورة"، ولن ننسى دائما الجنود المجهولة في العمل الفني، من ديكور وملابس وموسيقى ومكياج وإضاءة وغيرها من العناصر التي تكتمل بها صورة العمل، جميعهم صنعوا حالة ممتعة خطفت الجمهور.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة