فوطة زفرة
فوطة زفرة


فرفيش كده | فوطة زفرة

أحمد عباس

الخميس، 26 أغسطس 2021 - 07:40 م

ولما استوقفنى جارى العزيز حارس العقار الملاصق لعمارتنا، بدا أنه قد لملم أغراضه وعزم المغادرة، أبلغنى بحزن بالغ وصوت متهدجة نبرته: خلاص بقى يا أستاذنا أشوف وشك بخير. فسألته على فين يا عم جميل، قال: راجع بلدنا خلاص مابقتش تجيب همها. فأعدت سؤالى بطريقة أخرى: ليه يا عم جميل، هل أغضبك أحد من السكان، اذا كان ذلك فقط صارحنى، فلى دلال على بعضهم بحكم الجيرة، والحيط الذى هو فى كتف الحيط، وأستطيع أن أتوسط لك لدى أحدهم وتنقضى القضية.
رفع عم جميل حاجبه ولاتزال نبرته مهزومة، ورد: لا والله العفو، تعرف عننا كده يا أستاذ، ده احنا بنراضى الصغير قبل الكبير وقليل الأدب قبل المهذب، لا عمر حد سمع صوتنا ولا حد عرف سيرتنا، لكن والله الموضوع مابقاش يلذ، ولا الحكاية هاتجيب همها، ده يجى نص ثلث شهريِّتى ضاعت ونصبنا على اسمها عزاء على اد الحال وماتشوفش وحش.
خير يا عم جميل أخبرنى بالأمر، لماذا تتعمد وغوشتى وأنا متوغوش خلقة، اهدأ يا عم جميل وكفاك نهنهة يا رجل، كل عقدة ولها ألف حل.
والله يا أستاذنا لو عليا أنا أمرى سهل، هارجع بلدنا بهدوء ويا دار ما دخلك شر، لكن أنا شايل هم حضرتك واللى زيك، سكان زى الفل وناس محترمة، تعملوا ايه انتو لا حول ولا قوة إلا بالله، مساكين لا حد منكم يقدر يروح ولا يجى ولا يفارق، يالا.. المكتوب مامنهوش مهروب.
اللعنة عليك يا عم جميل وعلى اللحظة التى تعاطفت فيها مع حالتك، لماذا كل هذا البؤس، ومن أخبرك أن مصيبة ما ستحل علينا، فتمكنت من كتفيه جيدا وهززته بقوة وصرخت بوجهه: انطق يا جميل ماذا حدث لتفتتح نهارى بهذه المناحة، هل توفى أحد!
النخوة يا أستاذنا، البقاء لله، النخوة شحت والسكان بقوا أندال، اياك ماسمعتش عن الشركة اللى هاتمسك المنطقة قريب، وتنزل رجالتها فى كل الشوارع، ياخدوا بالهم من العربيات، تعرف يا أستاذنا والله ما صعبان عليا غيركم.
ولم الصعبانيات يا عم جميل فهذا شىء جميل، ومن يكره النظام والأمن و«الرستأة»، ولن يفهم أحد قيمة هذه الفكرة سوى مواطن شريف مثلى نزل ذات صباح ولم يجد سيارته، سرقوها أولاد الحرام.
تشنجت نبرة جميل قليلًا، وقال: يا بيه ركز يا بيه، بقولك شركة فاهم يعنى ايه شركة، يعنى عد فلوس، هو فيه حاجة ببلاش، سلامة الفهم لامؤاخذة.
آه، اذن أنت متأسف لحال السكان، شكرا لنبل شعورك يا عم جميل. أشاح جميل بيده وأردف: أنا مالى ياكش تجيلهم شوطة تاخدهم كلهم فى ساعة واحدة، طيب الشركة هاتيجى هاتيجى، اصل كله بالقانون، وهما هايدفعوا هايدفعوا، ومش جنيه ولا مية ده ييجى تولتميت جنيه فى الشهر، وعلى قلبهم زى العسل، اللى عاجبه هايدفع واللى مش عاجبه هايدفع ورجله فوق رقبته، أنا بقى مالى يخصموا منى ٢٥ جنيه على كل عربية ليه، شهريتى المفروض أقبضها كاملة، هى يعنى الملاليم دى هتأثر معاهم، ماهو البيه منهم عنده عربيتين تلاتة فى البيت الواحد، شوف هايدفع للشركة كام، إنما تيجى على شهرية جميل وتقصقص منها قال يعنى ده التوفير.
انتبهت أخيرا لمقصد عم جميل، فلا شىء يعنى الرجل سوى راتبه الذى سيخس بفعل فاعل، فواسيته: معلش يا عم جميل ربنا كبير وقادر يبعت، اجمد يا راجل.
فاستدار جميل كما لو انه يئس من حالتى وقال: طيب يا أستاذ مين هياخد باله منكم، ويسهر على راحتكم، ويأمن سياراتكم، ويضحى من أجلكم! 
فأجبته: يا عم جميل اذا كان أمننا يؤرقك فاطمئن الكاميرات تغزو واجهات البيوت والمحال، واذا كان الأمر هو من يسهر، فأنت تنام من الثامنة مساء، وأما تأمين سياراتنا، فسيارتى سرقت من قبل، فأرجوك اهدأ لعلنا نجد حلا لوجيعتك.
صمت جميل لحظات بحث خلالها عن دافع مقنع يجبرنى على التعاطف معه، وسألنى: يعنى خلاص كلكم بقيتوا أغنياء وموافقين، طب مين اللى هايطوألك العربية الصبح بفوطة زفرة.. رئيس الحى!!

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة