تحية كاريوكا
تحية كاريوكا


فى حُبّ الرقص الشرقى

أخبار النجوم

السبت، 28 أغسطس 2021 - 03:06 م

نشوى الغندور


في ليلة من ليالي الملل التليفزيوني، الذي يَبُثّ في شهر أغسطس من كل عام جرعةً مكثفةً من البرامج والمسلسلات والأفلام المعادة، ففي الغالب هذا الشهر ليس ضمن الشهور ذات الأهمية عند وضع الخطة البرامجية للقنوات، ربما لأنه عِزّ الصيف، وبه إجازات مدرسية وجامعية، ومعظم الناس منشغل بالسفر والمصايف، والنوم لساعات متأخرة، والسهر والسمر مع الأصدقاء، وآخر ما يفكرون فيه هو متابعة برامج التليفزيون، على العكس في شهور الشتاء، يلتفّ الجميع حول التليفزيون وما يُعرَض، بحكم أن الحضور الدائم في المنزل هو الغالب... 

على كل حال، في تلك الليلة ساقني الريموت كونترول بضغطات سريعة وعشوائية من إصبعي المتوترة المتململة إلى قناة فضائية، تخصصَت في عرض تابلوهات من الرقص الشرقي لراقصات اختلفت جنسياتهم، واتفقت هِبَاتهم ومواهبهم على الرقص الشرقي وإبداعاته.


تشرّبتُ جرعة مكثفة وممتعة من تلك الرقصات والراقصات ولم أتشبّع، وما إن بدأتُ أكتب عن الأمر حتى تسابقت الأفكار في رأسي: هل أكتب بحثًا عن راقصات الزمن الجميل ومدرسة بديعة مصابني رائدة هذا المجال، وصاحبة الفضل في تخريج معظم نجمات الرقص الشرقي في ذاك الزمان؟ هل أعقد مقارنة بين الرقص الشرقي «زمان» والآن؟ هل أفتح صندوق المخلفات ونتجادل في قضايا مثل: هل الرقص الشرقي فن أم شيء آخر، لا أريد تسميته، أو هل هو حرام أم حلال؟ هل هو مهنة أم مهانة؟ والقضية الكبرى عن نظرة المجتمع المتناقضة للرقص الشرقي ومزاوليه!


لكن في النهاية وجدتُني أميل أكثر إلى الكتابة عن فن الرقص الشرقي، «الرقص البلدي»، تراثنا الجميل الذي مهما اتفقنا أو اختلفنا معه أو عليه فهو باقٍ كجزء أصيل من ثقافتنا المصرية المحبوبة والمطلوبة من كل العالم.


الرقص الشرقي والبهجة


الرقص الشرقي هو بطل القصة والسنِّيد والكومبارس والمؤلِّف والمنتِج والمخرِج في جميع مناسباتنا السعيدة وأوقاتنا الرايقة.
يبدأ حفل الزفاف ويبدأ معه الجميع في الرقص، لا تفريق هنا بين الكبير والصغير، ولا «الراجل والستّ»، الجميع هنا يعبر عن فرحته بطريقة واحدة، ليس فيها قواعد ولا شروط، فقط تحمّس مع سماع الموسيقى والغناء ثم انطلق إلى عالم من الانتشاء الجميل والنشوى المبهجة، سويعات قليلة قبل أن يعود كلٌّ إلى ضغوط حياته التي لا تنتهي.


ونفس الشيء في جميع احتفالاتنا، من «سُبوع»، إلى أعياد ميلاد، إلى نجاحات، وربما رقصنا لا لحفل ولا لاحتفال، لكن لمجرد سماع «غنوة» رشيقة تعزف على «واحدة ونص»، تلك الـ«واحدة ونص» التي تجعل الحجَر يلين ويتمايل ويتغنّج وينسى قسوته، وتجعل الثلج يذوب وينسى برودته، والنار تزداد اشتعالًا لتضيء ظلمة القلوب والعقول، وتجعلها تهنأ وتأنس.


قناة «القاهرة والناس» كان لها السبق


في حادثة كانت هي الأولى من نوعها، أذاعت قناة «القاهرة والناس» منذ سنوات أولى حلقات البرنامج التليفزيوني «الراقصة»، وكان عبارة عن برنامج مسابقات لاختيار أفضل راقصة على غرار برامج المسابقات التي تختار أفضل ممثل وأفضل مطرب وملكات الجمال، وغيرها.


ورغم توقف البرنامج لفترة ثم عودته مرة أخرى، ورغم ما تعرض له من انتقادات وما رُفِع على القناة المنتجة من قضايا تطالب بمنع عرضه، فإنه تجاوز كل ذلك وانتصر لحرية الإعلام أولًا، وتقدير الفن التراثي البديع ثانيًا، وعُرِض البرنامج الذي توقعتُ أن يكون شرارة البدء لبرامج أخرى نتلافى فيها الأخطاء والتقصير ومحدودية الإنتاج، ويكون للجنة التحكيم تعدد وتنوع، وألا تقتصر على نجمة بعينها مهما بلغت نجوميتها في الرقص الشرقي. توقعت وانتظرت برنامجًا عالميًّا.. وإلى الآن أنا منتظرة!


الفرق بين الراقصة المصرية والأجنبية


لا شك أن الرقص الشرقي إبداع وبدعة مصرية في الأساس، ولو مررنا سريعًا على حضارتنا المصرية القديمة لوجدنا الرقص ركنًا أساسيًّا وشعيرة في كل الطقوس والمناسبات، حتى الجنائزي منها.


لدينا في الزمن القديم راقصات شهيرات مثل بمبه كشّر، وشفيقة القبطية، وبديعة مصابني، المدرسة التي تخرّجت فيها تحية كاريوكا، وسامية جمال، وغيرهما.كان لنا في الزمن الجميل نعيمة عاكف، وسهير زكي، ونجوى فؤاد، ونعمة مختار، وكثيرات من نجمات الرقص الشرقي، لا مجال الآن لحصرهن والحديث عن مشوارهن الفني الثري والباهر.


فماذا لدينا اليوم؟! راقصات مصريات ببساطة يمكن عدُّهنّ على أصابع اليد الواحدة، وراقصات أجنبيات أو مصريات غير مؤهلات، لا حصر لهنّ!
قد يجد البعض في الراقصات الأجنبيات ملاحة ورشاقة تختلف عن الراقصة المصرية، لكن يجد الكُلُّ أن إحساس الراقصة المصرية بالنغم والإيقاع ينفث الروح في رقصها ويدبّ فيه الحياة، على العكس من مثيلتها الأجنبية التي تتبع الإيقاع ولا تحسّه إلا في حالات نادرة، لكن تعايُش الراقصة الأجنبية في المجتمع المصري واختلاطها وانخراطها بكل تفاصيله قد يجعلها ترتقي إلى صفوف نجمات الرقص الشرقي المصري، والراقصة صوفينار، الشهيرة بصافيناز، في رأيي أقرب مثال على ذلك.


الرقص الشرقي في السينما المصرية والأجنبية


أغلب أفلامنا، القديم منها والحديث، لا يخلو من مشهد للرقص الشرقي، تقوم به إما نجمة العمل وتكون في نفس الوقت راقصة محترفة، وإما بطلة العمل وتكون الرقصة ضمن مشاهد الدور الذي تلعبه.
ولكن هناك بعض الأفلام التي كان للرقص الشرقي نصيب الأسد فيها، أو قد تقوم قصة الفيلم كله عليه، كالأفلام التي تناولت السيَر الذاتية للراقصات الشرقيات، أو الأفلام التي تناولت الرقص الشرقي كمهنة مضطهَدة داخل المجتمع، وعلى رأسها فيلم «خلي بالك من زوزو»، مع العملاقة تحية كاريوكا والسيندريلا سعاد حسني، وحوار على لسان زوزو يلخّص هذه القضية: «لا يا بيسة، باتعة كان لازم تعمل حساب ده من أول يوم، وتعرف ان كان لازم ده هيحصل، لسه الدنيا ما اتعلّمتش تقبلنا بسهولة، لسه برضُه همّا ناس واحنا ناس».
لكن على الجانب الآخر نجد فيلمًا أمريكيًّا حديثًا لمخرج من أصل مغربي يتناول نفس القضية ولكن بشيء من الاختلاف، إذ ينتهي الفيلم بتحقيق الفتاة الأمريكية أمنيتها وحُلمها بأن تصبح راقصة شرقية. ولا مجال هنا لنقد الفيلم بعين المتخصص، لكن بعين المشاهد أرى أنه كان يمكن أن يكون أفضل من ذلك وأكثر متعة لو اعتمد على ممثلين مصريين، فالطابع المغربي طاغٍ على الفيلم بشكل مستفز، كونه يتحدث عن حكايةٍ أحداثُها في مصر، وقضية وتراث مصري بامتياز.
فيلم «الراقصة والسياسي» تناول نفس القضية، وكان في رأيي من أجمل أدوار النجمة نبيلة عبيد في التمثيل، لا في الرقص الشرقي.
رغم أن النجمة فيفي عبده، وهي راقصة محترفة وفي نفس الوقت أجادت فن التمثيل إلي حدٍّ ما، فإنّ رصيدها من الأفلام المعتمدة على استعراض الرقص الشرقي لا يُذكَر، اللهم فيلم «نور العيون» الذي لم يحقق النجاح المأمول، بل وتعرّض لنقد وغضب كبير من الأديب نجيب محفوظ، فالفيلم مأخوذ عن إحدى رواياته، أو هكذا ادّعى صنّاع الفيلم.


الرقص الشرقي وأنغامه اللي بتسحرنا


كانت ألحان النجم فريد الأطرش، حتى مع كلمات الأغنيات الحزينة، مناسبة جدًّا للرقص الشرقي، ورقصت عليها النجمة سامية جمال في أشهر الأفلام القديمة. النجمة نجوى فؤاد كان «ربنا راضي عليها ساعتها» -على حد قولها- حين قرر موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب تلحين لحن «قمر ١٤» لترقص عليه في حفلاتها. أما النجمة سهير زكي فهي أول من رقصت على ألحان أغنيات أم كلثوم بكل براعة وثقة!
اختلفت الألحان الآن وأصبحت أكثر صخبًا وشعبية، لكن ما زال الرقص الشرقي يواكب العصر ويتمايل مع رياح الموسيقى والأغنيات كيف كانت وأينما كانت.


لو كان الأمر بيدي!


أوحت إليّ مسرحية النجم يحيى الفخراني والنجمة سماح أنور «راقصة قطاع عام» بمقترح أتمنى أن يجد صدى من المسؤولين: لماذا لا يكون لدينا أماكن للترفيه تابعة للدولة، كالسفن النيلية وغيرها، يُدرَج الرقص الشرقي في برنامجها اليومي بشكل أساسي؟ ولماذا لا ترعى الدولة برنامجًا فضائيًّا لاختيار الأفضل في فن الرقص الشرقي التراثي البلدي الجميل، وعمل اكتفاء ذاتيّ وسدّ الطريق على المستورَد؟ ولماذا لا ترعى الدولة قناة فضائية متخصصة في الفنون الاستعراضية، وعلى رأسها الرقص الشرقي، وتستفيد من عائدات هذا المنتج وجماهيريته العريضة في الداخل وفي الخارج؟ بل لماذا لا ترعى الدولة مدارس للفنون الشعبية والتراثية ويكون من أقسامها قسم للرقص الشرقي باعتباره أحدها، بل أشهرها وأهمّها؟
لكن للأسف، يبقى كل هذا في إطار الأمنيات، ولو كان الأمر بيدي لجعلتها حقيقة وواقعًا مشهودًا ومنشودًا.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة