تمويل بناء الهرم كان محورا لإحدى خرافات هيرودوت
تمويل بناء الهرم كان محورا لإحدى خرافات هيرودوت


أبو التاريخ سبق أكاذيب «السوشيال ميديا» وهوس «التريند»!

حكاوي الحضري| حكايات هيرودوت المُريبة عن خوفو والهرم الأكبر

إيهاب الحضري

السبت، 28 أغسطس 2021 - 09:14 م

 

ذكر هيرودوت وقائع غريبة تمس عددًا من ملوك مصر القديمة، وزعم أن الملك خوفو مر بضائقة مالية هدّدت باستكمال بناء الهرم الأكبر، ولجأ لأسلوب مُبتكر لتدبير التمويل اللازم، حيث طلب من ابنته احتراف الدعارة في «ماخور»!! ينسب المؤرخ الادعاء السابق لمجهولين، ويضيف أن الملك أمر ابنته بتحصيل مبلغ معين، لم يذكر له رواة القصة مقداره، ولم يُفكر هو ولو قليلاً فيما يُمكن أن تجلبه هذه الوسيلة العجيبة من أموال، وبفرض أن الابنة المطيعة بذلت جهدًا استثنائيًا فى عملها، فلا يُمكن أن تكون لحصيلة إيراداتها قيمة تُذكر، مقارنة بتكلفة إنشاء الهرم الضخم.

الغريب أن ابنة خوفو لم تكتف بتحصيل الأموال من أجل مشروع والدها، بل طمعت فى ترك أثر خاص بها، لهذا فرضت رسومًا إضافية، وطلبت من كل رجل يطرق بابها إهداءها حجرًا ! ويواصل هيرودوت: «ومن هذه الأحجار فيما يُقال، بُنى الهرم الذى يقع بين الثلاثة، وهو أمام الهرم الأكبر»!!

ونقل هيرودوت عن مصادره السرية أن خوفو بلغ أحط درجات الرذيلة، وأنه حكم لمدة خمسين عامًا، عاش المصريون خلالها بؤسًا غير معهود، وأغلق المعابد ومنع التضحية، وأجبر المواطنين على قطع الأحجار ونقلها لبناء هرمه، الذى ذكر المؤرخ عنه تفاصيل غير دقيقة، امتدت لوقائع أخرى فى تاريخنا.

يتحدث المؤرخ الكبير بعدها عن منكاورع، ويؤكد أنه كان من أكثر الملوك عدلًا، وسمح بإعادة الشرائع، وأنصف من تعرضوا لأضرار مادية من ماله الخاص، غير أنه أصيب بحزن شديد لوفاة ابنته الطفلة، ورغم ذلك لم ينج الملك العادل من خرافات المؤرخ، ففى سياق حديثه عن مقبرة الابنة، أوضح أنه شاهد فيها نحو عشرين تمثالًا لنساء عاريات مقطوعات الأيدي، وبرر له البعض سبب الأيدى المقطوعة بحكاية بالغة الغرابة، فزعموا أن الملك هام حباً بابنته واعتدى عليها، فقامت بشنق نفسها! ثم أمرت أمها بقطع أيدى الوصيفات اللاتى قدمن الابنة لوالدها، وهكذا نُحتت التماثيل لتُوثّق هذه الواقعة.

وفى إحدى المرات النادرة يُعلق مُنتقدا القصة، ويقول: «لكنى أعتقد أن ما رووه محض هراء»، وبدلًا من أن يُركز على مناطق الخلل الدرامى الواضحة فى هذه الأكذوبة ينصب حديثه على التماثيل، ويوضح ما يقصده بالهراء: «خاصة ما يتعلق بأيدى التماثيل، لأننا قد شاهدنا بأنفسنا أن التماثيل فقدت أيديها بفعل الأيام».

طبيعى ألا يعترف المتخصصون فى الآثار بحواديت المؤرخ الإغريقي، تمامًا مثلما يرون أن ما أورده مؤرخون آخرون مجرّد خرافات، وعادة ما نلتمس العذر لهؤلاء القدماء، لأن عدم توافر المعلومات عن حضارتنا جعلهم يلجأون للخرافات، لكن ما لا يُمكن التسامح فيه هو الاعتماد على حكايات تتعارض مع المنطق، ويُمكن نسف مضمونها لو بذل كل مؤرخ أقل قدر من التفكير.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة