صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


بعد سقوط كابول فى أيدى طالبان| صراع القوى العظمى يدمر أفغانستان

آخر ساعة

الأحد، 29 أغسطس 2021 - 01:53 م

سقطت أفغانستان، هكذا يبدو الوضع، تحولت البلاد إلى أرض الخوف والفزع، كابوس يؤرق الجميع.. حالة من الارتباك تشهدها هذه المنطقة الجغرافية الاستراتيجية الهامة، مع دخول حركة طالبان العاصمة الأفغانية «كابول» سريعًا بشكل يبدو صادما، فى غضون أيام ودون مقاومة استولى مقاتلو الحركة على القصر الرئاسى وفر الرئيس الأفغانى «أشرف غني» من البلاد وسقطت الحكومة وسيطرت طالبان على الحكم.. وعلى الرغم من الإعلان المسبق للولايات المتحدة وقوات الناتو عن الانسحاب الكامل بحلول الشهر القادم إلا أنه أوجد حالة من الاستنفار العالمى ومخاوف من خلل فى ميزان القوى وكأنه أمر فاجأ الجميع، لتبدأ القوى المتصارعة فى إيجاد طريقة للدفاع عن مصالحها لكلٍ منها.

إن إلقاء نظرة على ما حدث يجعل هذا التحول المذهل للأحداث أقل إثارة للدهشة، ولكن تبقى تساؤلات هامة: لماذا وافقت الولايات المتحدة على المغادرة بعد عقدين من القتال؟ وهل فازت حقًا طالبان؟ ومن هم اللاعبون الدوليون والإقليميون الذين سيملأون الفراغ الذى سيتشكل مع انسحاب القوات الأمريكية وحلفائها؟ إن رحيل الولايات المتحدة من أفغانستان هو «خروج» مخطط له - كما كانت سوريا - وليس فى الحقيقة خروجًا كاملاً، ما تعنيه هذه المغادرات عادة هو خلق الفوضى عمدًا فى بلد ما.

 

نرى هذا فى العراق وسوريا وفى كل مكان كان للولايات المتحدة، إما قوات متمركزة وتجرى حربًا، أو بشكل غير مباشر، فإنها تترك فوضى مستمرة خلفها، ما يؤدى إلى عدم الاستقرار ويجعل البلد ضعيفًا، ويمكن التلاعب به من الخارج، دون وجود قوات على الأرض، وفقًا للاقتصادى والمحلل الجيوسياسى «بيتر كونيج»، ويستكمل كونيج: ومن المتوقع أن يحدث الشيء نفسه فى أفغانستان، بعد أن تم التخطيط له مسبقًا، لأن واشنطن تعلم أن أفغانستان توفر عبورا مثاليا لطريق الحرير الصيني، الذى ترفضه الولايات المتحدة، ولهذا فإن «الرحيل» من أفغانستان لا ينبغى بأى حال من الأحوال اعتباره انسحابًا أمريكيًا من الشرق الأوسط. لقد اعتادت الولايات المتحدة على إنشاء وتمويل معارضة فى بلد ما ثم التحكم عن بُعد فيها، وهذا ما أوردته وكالة «أسوشيتد برس» فى تقريرها 25 يونيو الماضي، الذى يتوقع بقاء ما يقرب من 650 جنديًا أمريكيًا فى أفغانستان لتوفير الأمن للدبلوماسيين بعد أن تكمل القوة العسكرية الأمريكية الرئيسية انسحابها. بالإضافة إلى ذلك، ستبقى بعض من القوات الأمريكية الإضافية فى مطار كابول، حتى سبتمبر المقبل، لمساعدة القوات التركية على توفير الأمن، كنوع من ممارسة الحرب الأبدية المعتادة للبنتاجون والناتو.


ومنذ إعلان الولايات المتحدة فى أبريل الماضى الانسحاب من أفغانستان، كان متوقعا ما حدث، وأمر لا يبدو غريباً سقوط البلاد فى يد طالبان. حيث كان هناك صفقة عقدت فى الدوحة منذ 2018، منها ما كان معلنا وبنود أخرى تمت خلف الأبواب المغلقة.. كما كان هناك تمهيد لما سيحدث، حينما اقترح وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن» وآخرون من إدارة بايدن أن تعترف واشنطن رسميًا بحركة طالبان وتمولها، وبذلك قد يحكمون بصورة أقل قسوة مما يُخشى منه بعد توليهم السلطة الجزئية أو الكاملة، من أجل الفوز بالاعتراف والدعم المالى من القوى العالمية. 


وبالعودة إلى الدوحة والاتفاق الذى شمل الولايات المتحدة وطالبان فقط، وافقت واشنطن على سحب قواتها، وقالت طالبان إنها لن تسمح للقاعدة أو أى جماعة متطرفة أخرى بالعمل فى المناطق التى تسيطر عليها. كما ستضغط واشنطن من أجل إطلاق سراح جميع سجناء طالبان، البالغ عددهم 5 آلاف سجين، الذين مازالوا تحت قبضة الحكومة الأفغانية ورفع عقوبات الأمم المتحدة ضد الحركة؛ وهما هدفان تم تحديدهما فى الاتفاق الأصلي. وإذ كانت الخطة هى أن تتفاوض طالبان مع الحكومة الأفغانية بعد ذلك لتحديد كيف ومن سيحكم البلاد فى المستقبل.


ويرى محرر موقع «أوف جارديان» كيت نايتلي، أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، ليس بالمعنى الحقيقى للعبارة، فهى لاتزال محتفظه بإمكانية القصف مع وجود متعاقدين من القطاع الخاص فى البلاد، والبنتاجون قادر على حجز تذاكر العودة. كما أن طالبان لم تواجه أى مقاومة عند دخولها، بل تلقوا مساعدة مباشرة؛ عندما تخلت الولايات المتحدة عن قاعدة باجرام الجوية، تركت مئات المدرعات والأسلحة وأكثر من 5 آلاف سجين تابعين لحركة طالبان، حتى أن الجيش الأفغاني، تحت قيادة الرئيس الأفغانى الموالى للولايات المتحدة، ترك البلاد ورحل دون إطلاق رصاصة واحدة، قوات الأمن الأفغانية، المدربة بتكلفة 88٫32 مليار دولار من الولايات المتحدة وعددها أكثر من 300 ألف جندى تقريبًا، لم يفعلوا شيئًا لوقف تقدم طالبان، وأبسط تفسير هنا هو أن قوات الأمن الأفغانية أُمرت بالتنحى كجزء من صفقة مع الحركة. ووفقًا لـ«نايتلي» فإن أحد التفسيرات هو أن الانسحاب سار كما كان مخططا له فى الصفقة التى وقّعها ترامب، وأن الميلودراما والفوضى الناتجة عن الانسحاب كانت إما جزءًا من الصفقة، أو إضافة لاحقة بغرض تشتيت الانتباه أو حفظ ماء الوجه. 


وكل هذا خدم غرضًا واحدًا، وهو المساعدة فى بناء السرد؛ مثل ما ذكرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، أن المليارات التى أنفقها البنتاجون على تدريب قوات الأمن الأفغانية كأنها أفادت حركة طالبان «بطريق الخطأ». وفى هذه الحالة، تتم مناقشة أفكار «أخطاء» الولايات المتحدة و»عدم الكفاءة»، دون التطرق إلى الكذب الحقيقى فى قلب الغزو الأفغاني. يتحدث الكثيرون عن «نشر الديمقراطية» و»مكافحة الإرهاب» كما لو كانت الأهداف الحقيقية للحرب الأفغانية، كأكاذيب فقدت مصداقيتها منذ فترة طويلة. إن تسويق أفغانستان على أنها «هزيمة» للولايات المتحدة يخفى حقيقة الأمر، كانت الحرب مشروعًا تجاريًا مربحًا. وبطبيعة الحال، يعمل كل هذا على تعزيز الرواية الهشة لأحداث 11 سبتمبر، وهى حجر الزاوية فى بناء «واقع أمريكا» الجغرافى السياسي.


الآن، سيمر شريان الحياة لأفغانستان إلى العالم الخارجى عبر الصين وروسيا وإيران وباكستان وعدد قليل من الدول المجاورة، لطالما كان يُفترض أن هذه القوى ستفضل مغادرة الولايات المتحدة أفغانستان، إلا أن القلق بشأن الوجود العسكرى الأمريكى تلاشى منذ فترة طويلة بالنسبة لجيران أفغانستان، كانت موسكو وبكين راضيتين تمامًا عن مشاهدة طالبان وهى تحقق مكاسب تدريجية فى حين أن واشنطن تنزف الموارد لتكون بمثابة حل مؤقت لانهيار الدولة، الوضع الراهن يناسبهم على ما يرام، وفقًا لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، لا تشعر الصين وروسيا ودول إقليمية أخرى بالإثارة بشأن الفرص المفترضة التى يوفرها الانسحاب الأمريكي، فيما يرى المحللون الصينيون أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تشترك فى بعض المصالح المشتركة مع الصين وروسيا فى الوقت الحالى لضمان الاستقرار فى أفغانستان، على المدى الطويل، إلا أن بعض صانعى القرار الأمريكيين يرغبون فى رؤية البلاد تعود إلى حالة الفوضى، لإزعاج بكين وموسكو.


ويرى مراسل صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية «جيمس كينج»، أن استيلاء طالبان على السلطة فى أفغانستان يعيد رسم خريطة آسيا الجيوسياسية ويمنح الصين وروسيا، وهما من أقوى المنافسين الاستراتيجيين لأمريكا، فرصة لإبراز قوتهما فى أعقاب الانسحاب الفوضوى لواشنطن. ويوضح كينج أن تكلفة «أطول حرب أمريكية» تعطى شعوراً بالمهمة المقبلة؛ قُتل أكثر من 3 آلاف أمريكى وأرواح أخرى من الناتو بينما قُتل 47 ألف مدنى أفغانى وما لا يقل عن 66 ألف جندى وشرطى أفغاني، بالإضافة إلى  تريليونات الدولارات على الدين القومى للولايات المتحدة.


وتشير الدلائل الأولية إلى أن الصين، التى يحتمل أن تكون مدعومة من قبل روسيا وباكستان وبعض الحكومات الأخرى، ستتبنى نهجًا مختلفًا تمامًا، بعيدًا عن نشرها قوة عسكرية، وتسعى بدلاً من ذلك إلى استخدام الإغراءات الدبلوماسية والاقتصادية لإقناع طالبان بالسير على طريق إعادة الإعمار السلمي، ومنها صفقة تقدر بنحو 30 مليار دولار. ووفقًا لكينج ستكون بكين على استعداد لتقديم اعتراف رسمى بحركة طالبان كحكومة شرعية لأفغانستان. بالإضافة إلى ذلك، ستسعى فى الأمم المتحدة لوضع حد لتصنيف طالبان كمنظمة «إرهابية»، على الرغم من أن تحقيق ذلك يتطلب تعاونًا أمريكيًا، وبالتالى يعتبر هدفًا طويل المدى. وفى اجتماع فى الصين فى يوليو جمع بين وزير الخارجية الصينى «وانج يي»، ورئيس اللجنة السياسية لحركة طالبان الأفغانية، «عبد الغنى بارادار»، أعلن الأخير أن الحركة تتماشى مع مطالب الصين.


وستظل مصالح بكين فى أفغانستان تعتمد على الحفاظ على الاستقرار الإقليمى ومنع الأويجور من استخدام البلاد كقاعدة للعمليات، وضمان عدم تحولها إلى مرتع للقوات الإرهابية التى تهدد الصين، بحسب ما يراه الباحث فى شئون الشرق الأوسط فى جامعة شنغهاى للدراسات الدولية «فان هونجدا»، وكان من بين هذه المخاوف مجموعات مثل حركة استقلال تركستان الشرقية (ETIM)، التى تتكون من الأويجور الذين يعارضون القمع الصينى فى حدود «شينجيانج» الشمالية الغربية، حيث احتجزت بكين ما يقدر بمليون من الأويجور وغيرهم من الأقليات المسلمة فى معسكرات الاعتقال. وأعرب مفكرو الأمن القومى الصينى عن شكوكهم حول قدرة طالبان على السيطرة على أفغانستان، لذا ستجد الصين أن تهديداتها الأمنية الحقيقية فى المنطقة لا تنبع من الأويجور ولكن من الاضطرابات المتزايدة داخل باكستان؛ فى أبريل، فجرت حركة طالبان باكستان (TTP) سيارة مفخخة بالقرب من مقر إقامة السفير الصيني، وفى يوليو، أدى انفجار حافلة إلى مقتل أربعة عمال صينيين مشاركين فى مشاريع مبادرة الحزام والطريق فى مقاطعة «خيبر بختونخوا» الباكستانية، يتزايد العنف الذى يرتكبه الانفصاليون البلوش وحركة طالبان باكستانالذى يهدد التقدم فى الممر الاقتصادى بين الصين وباكستان، والذى يشار إليه على أنه «مشروع تجريبي» للمبادرة الصينية. 


ومن جانبها، تأمل الصين أن التعامل مع طالبان الأفغانية لن يضر بالممر الاقتصادى الصينى الباكستانى (CPEC)، بل ستستطيع أن تمد مبادرة الحزام والطريق إلى أفغانستان من خلاله، ومثل الصين، تنظر روسيا إلى أفغانستان على أنها خطر يجب إدارتها وليس فرصة، اعتبرت روسيا أن طالبان تشكل خطرًا إرهابيًا وتهديدًا للاستقرار فى آسيا الوسطى طوال العقد الأول من الحرب التى قادتها الولايات المتحدة، وبمرور الوقت، بدأت تنظر إلى طالبان على أنها وسيط قوى تحتاج إلى العمل معه، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية فى خراسان بأفغانستان عزز هذه الحسابات، من الناحية النظرية، تحتاج كلٌ من روسيا والصين لسد «العجز الأمني» فى غرب ووسط آسيا، ومصالح البلدين بشأن القضايا الأمنية متسقة إلى حد ما، لكن روسيا لديها نفوذ أكبر فى آسيا الوسطى، والدول التى كانت جمهوريات سوفيتية سابقة تميل أكثر إلى التعاون عسكريًا مع روسيا. وعلاوة على ذلك، فيما يتعلق بالتدخل العسكرى فى آسيا الوسطى، لا يريد الكرملين أن تصبح الصين أكثر نشاطًا من روسيا؛ تفخر موسكو بأنها الحامى العسكرى لآسيا الوسطى. لذلك، من غير المرجح أن تعمل الصين وروسيا معًا بشكل وثيق جدًا لحل المشكلة الأفغانية.


ومن المرجح من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية أن تنضم أفغانستان إلى الاتحادات الإقليمية، مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعى (CSTO)، وكذلك منظمة شنغهاى للتعاون (SCO) وهو تحالف سياسى واقتصادى وأمنى أوروآسيوى قوي، تم إنشاؤه فى شنغهاي، الصين، فى يونيو 2001، العضوية الحالية فى منظمة شنغهاى للتعاون مثيرة للإعجاب، بما فى ذلك الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، ومؤخراً الهند وباكستان، وهما دولتان متجاورتان. مع إيران وماليزيا ومنغوليا فى وضع خاص لمنظمة شنغهاى للتعاون. كما تضم المنظمة الصينية ما يقرب من50% من سكان العالم وتتحكم فى حوالى30% من الناتج المحلى الإجمالى العالمي. ستعمل أفغانستان بشكل جيد إذا كانت تطمح إلى أن تصبح عضوًا فى هذه المنظمة القوية وأن تتبناها. 


ووفقًا لمجلة «ذا دبلومات» الأمريكية، أن الهند التى أدانت سابقًا حركة طالبان، دعمت بوضوح الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة. لهذا السبب، على الرغم من أن نيودلهى فى يونيو غيرت موقفها السابق المتمثل فى عدم وجود أى شكل من أشكال الاتصال مع طالبان، لم تتم دعوة الهند لحضور المحادثات التى تقودها روسيا بشأن أفغانستان التى عقدت فى قطر فى 11 أغسطس الحالي، بينما حضرت الصين والولايات المتحدة وحتى باكستان الاجتماع.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لاتزال تجر الهند إلى المناقشات حول القضايا الأفغانية، فمن الواضح أن الهند يتم تهميشها فى شئون طالبان من قبل جيران أفغانستان والقوى الكبرى الأخرى، الصين وروسيا. لن تخفف نيودلهى من يقظتها ضد تعاون أفغانستان مع باكستان والصين لتطويق الهند من الناحية الجيوسياسية، سيكون لرحيل أمريكا من أفغانستان تأثيرات متباينة على المنافسة المتزايدة لواشنطن مع بكين وموسكو والرغبة الدائمة فى احتواء لاعبين إقليميين آخرين. كما أن دولا مثل باكستان وإيران لديها مصالح حيوية فى البلاد، تعد قصة أفغانستان، كما وصفتها من قبل الصحافة العالمية، هى كرة ملتوية غير منطقية، تهدف إلى توفير وقود لروايات السيطرة المستقبلية.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة