قبلة بين ناصر ونجيب انقلبت لمأساة
قبلة بين ناصر ونجيب انقلبت لمأساة


كنوز | في ذكراه الـ37.. السنوات الصعبة التي عاشها الرئيس نجيب

عاطف النمر

الأربعاء، 01 سبتمبر 2021 - 05:27 م

في الثامن والعشرين من شهر أغسطس عام 1984 فاضت روح اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية بعد دخوله في غيبوبة بمستشفى المعادي العسكري، إثر مضاعفات في تليف الكبد، واليوم نحيي الذكرى الـ37 لرحيل الرجل الطيب الذي عاش معذبا لأكثر من 17 عامًا تحددت خلالها إقامته في بيت زينب الوكيل بالمرج الذي استقبله وهو خال من كل الأثاث والمقتنيات التي تحتويه وكتب عليه أن ينقطع عن العالم يعيش مجموعة من الكلاب والقطط والحراسة حتى أطلق سراحه الرئيس السادات عام 1971!


هناك أحداث تميت الإنسان فور حدوثها حتى ولو عاش بعدها لسنوات، وفي رأيي الشخصي، أن اللواء محمد نجيب مات معنويا ونفسيا في اللحظة التي علم فيها بإعفائه من رئاسة الجمهورية، وربما يكون قد مات أكثر لحظة إلقاء القبض عليه وترحيله لبيت زينب الوكيل بالمرج، وربما يكون قد مات أكثر وأكثر عندما وجد معاملة قاسية جدا لا تليق برتبته ومنصبه ودوره الذي قام به في ثورة 23 يوليو، معلوم أن الصراع اشتد بين الرئيس محمد نجيب وبعض ضباط مجلس قيادة الثورة، وارتفعت حرارة هذا الصراع فى عام 1954، واتضح من سياق الأحداث السريعة أن الرئيس نجيب خسر معركة مارس 1954، ولسنا هنا بصدد سرد التفاصيل ودعونا نقفز إلى النتائج فقد نشرت الصحف فى 14 نوفمبر قرار إعفائه من رئاسة الجمهورية وإبقاء منصب الرئيس شاغرا وإبلاغ القرار للدول الأجنبية مع تحديد إقامته فى منزل زينب الوكيل بالمرج. 


يسبق قرار إعفائه من منصب رئيس الجمهورية مشهد من المشاهد الدراماتيكية الصعبة عندما توجه من بيته بشارع سعيد بحلمية الزيتون إلى مكتبه بقصر عابدين صباحا ولاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربى التحية العسكرية له، وعندما نزل من سيارته ودخل القصر فوجئ بالصاغ حسين عرفة من البوليس الحربى وكان برفقته ضابطان و10 جنود يحملون الرشاشات وهم يحيطون به.

 

فصرخ فى وجه الصاغ حسين طالبا الابتعاد حتى لا يتعرض جنوده للقتال مع جنود الحرس الجمهورى، ولاحظ الرئيس نجيب وجود ضابطين من البوليس الحربى يتبعانه أثناء صعوده إلى مكتبه فنهرهما لكنهما قالا له إن لديهما أوامر بالدخول معه من كبير الياوران الأميرالاى حسن كمال، فاتصل هاتفيا بجمال عبد الناصر ليفسر له ما يحدث، فأجابه ناصر بأن عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة سيعالج الموقف بطريقته، وجاءه عبد الحكيم وقال له فى خجل: «لقد قرر مجلس قيادة الثورة إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية» فرد عليه الرئيس نجيب: «أنا لا أستقيل الآن لأنى بذلك سأصبح مسئولا عن ضياع السودان أما إذا كان الأمر إقالة فمرحبا».

وأقسم له عبد الحكيم عامر أن إقامته فى فيلا زينب الوكيل بالمرج لن تزيد على بضعة أيام يعود بعدها إلى بيته، وخرج محمد نجيب من مكتبه فى هدوء مع حسن إبراهيم فى سيارة إلى معتقل المرج، حزينا على الطريقة التى خرج بها فلم تؤد له التحية العسكرية ولم يطلق البروجى لتحيته، وقارن بين وداعه للملك فاروق الذى أطلق له 21 طلقة وبين طريقة اعتقاله كما وصف أحاسيسه فى مذكراته التى قال فيها إنه فور وصوله لمقر تحديد اقامته.

سارعت قوة الحراسة بمصادرة أثاث الفيلا، ومصادرة أوراقه وتحفه ونياشينه التى كانت فى بيته، وأقيمت حراسة مشددة حول الفيلا، وكانت غرفته بالفيلا مهملة بها سرير متواضع يكاد يختفى من كثرة الكتب الموضوعة عليه، وكان يقضى معظم أوقاته فى هذه الحجرة يداوم على القراءة، ويقول اللواء نجيب: «هذا ما تبقى لي، فخلال الثلاثين سنة الماضية لم يكن أمامى إلا أن أصلى أو أقرأ القرآن أو أتصفح الكتب المختلفة».

وفى عام 1971 أمر الرئيس السادات بتخفيف القيود عنه، ويقول عن ذلك فى مذكراته: «قال لى السادات»: «أنت حر طليق ، ولم أصدق نفسى هل أستطيع أن أخرج وأدخل بلا حراسة؟ هل أستطيع أن أتكلم فى الهاتف بلا تنصت؟ هل أستطيع أن أستقبل الناس بلا رقيب؟ لم أصدق ذلك بسهولة، فالسجين فى حاجة لبعض الوقت ليعود إلى حريته، وأنا لم أكن سجينا عاديا كنت سجينا يحصون أنفاسه، كنت أتحاشى زيارة الأهل والأصدقاء حتى لا يتعكر صفو حياتهم، وبالتدريج عدت إلى حريتى وعدت إلى الحياة العامة .

 

ويا ليتنى ما عدت. فالناس جميعا كانت فى حلوقهم مرارة من الهزيمة» ، ويقول اللواء محمد نجيب إنه كان يسلى نفسه فى سنوات الإقامة الجبرية بفيلا المرج بتربية القطط والكلاب التى اعتبرها أكثر وفاء من البشر، وحينما توفى أحد كلابه دفنه فى الحديقة وكتب على شاهد القبر «هنا يرقد أعز أصدقائى»، وفى 21 ابريل عام 1983أمر الرئيس مبارك بتخصيص سكن له فى محيط قصر القبة، عندما أصبح مهددا بالطرد من فيلا زينب الوكيل بعد صدور حكم للورثة باستردادها.


من كتاب «كنت رئيسا لمصر»


وقد توفاه الله فى 28 أغسطس 1984 وشيع جثمانه فى جنازة تقدمها الرئيس مبارك وبعض من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين كانوا وقتها على قيد الحياة، وقد تفضل الرئيس عبد الفتاح السيسى بتكريمه عندما أطلق اسمه على قاعدة عسكرية افتتحها فى 27 يوليو 2017. 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة