احد مقاتلي الحركات المتطرفة
احد مقاتلي الحركات المتطرفة


تقرير| «داعش وطالبان».. تاريخ صراع الدم بين أكثر الإرهابيين تطرفًا

سامح فواز

الخميس، 02 سبتمبر 2021 - 09:53 م

داعش .. اسم كان قد بدأ الدخول في طي النسيان بعد ان تسبب في بحور من الدماء والكثير من الرعب، ليس علي مستوى الشرق الأوسط فقط، بل علي المستوي العالمي أيضًا، بسبب المواقف المرعبة والمشاهد المروعة التي جعلت القلوب تبكي قبل العيون.


إلا انه وبعد التفجيرات الدموية في العاصمة الأفغانية كابول، عاد هذا الاسم بقوة على الساحة العالمية، حيث لم يتوان تنظيم "داعش خراسان" عن تبني التفجيرين الذين ضربا محيط مطار كابول بأفغانستان، ليخلف العشرات من القتلى والجرحى في صفوف الأمريكيين.

وتبع بيان التبني نشر صورة الانتحاري والتعريف بهويته متفاخرين، فيما لا يبدو ان هذا التفاخر يعد بداية لعهد أكثر ضبابية وسوادا ينتظر أفغانستان التي لم تتضح بعد فيها الصورة الكبرى.

وأثار هذا العمل الإرهابي الاستعراضي العديد من التساؤلات العالمية حول كيفية تصدّر داعش بشكل مفاجئ المشهد في أفغانستان؟، وهل سيتمدد التنظيم في البلاد ويحاول مزاحمة الحركة في حكمها، والطريقة التي ستتبعها حركة طالبان في ظل الوعود العديدة التي قطعها للمجتمع الدولي، وأخيرا مستقبل افغانستان وقدرة داعش خراسان علي تأزيم الوضع أكثر مما هو عليه حاليا من عدمه.

ذكرت التقارير الأمنية أن تصدر حركة داعش خراسان للمشهد لم يكن بين ليلة وضحاها، بل اكدت التقارير وجود بحور من الدماء بين الاخيرة وحركة طالبان دامت لمدة أكثر من 5 اعوام، كان المحرك الرئيسي فيه لطالبان هو تراجع قدرة التنظيم الارهابي الدولي، و تكبده العديد من الخسائر الكبري سواء اقليميا بعد استهداف زعيمه ابو بكر البغدادي، او محليا بعد فقدان التنظيم لبعض المناطق الرئيسية التي كان يسيطر عليها. 

كان التمهيد لعودة داعش مبكرا جدا بعد استهداف قصر الرئاسة في كابول أثناء صلاة عيد الأضحى الماضي، والذي اعتبر إنذاراً مبكراً لطالبان وبدايةً لعودة مختلفة وجديدة تعلن بها عن تواجدها علي الاراضي الافغانية.

لتاكد بعد ذالك داعش خراسان علي تواجدها وبداية هيمنتها علي المشهد الافغاني ومزاحمة حركة طالبان، عن طريق في تفجيرات مطار كابل، التي قد تأسس لمرحلة جديدة ربما يخطط فيها داعش لتحويل أفغانستان مقراً له، خاصةً مع انتهاء الانسحاب الأمريكي وسط تأكيدات من واشنطن بأن أفغانستان ستشهد صراعاً عنيفاً بين التنظيم وبين حركة طالبان.

داعش وطالبان صراع الدم

بدأت جذور صراع الدم بين داعش خرسان و حركة طالبان منذ عام 2017 بعد معارك دامية بين الطرفين علي اثر ضبط الاولي  لـ3 تجار مخدرات يبيعون الأفيون لجمع الاموال لصالح الثانية.

إلا أنه وبعد استيلاء حركة "طالبان"على مفاصل الحكم في البلاد، أعلن المتحدث باسم الحركة "ذبيح الله مجاهد" ان الاخيرة لن تمانع نشاط تنظيم داعش في أفغانستان، لكن ذلك لم يمنع الأخير من توجيه انتقادات للحركة بعد استلامها مقالد الحكم.


وبحسب تقارير الباحثين في شؤون الجماعات المتطرفة، فأن المشهد الافغاني خلال الفترة القادمة ضبابي وتفوح منه رائحة الدماء، لان تصريحات القيادي بحركة طالبان، شهاب الدين ديلاوار، اشارت الي عدم سماح الحركة بتواجد داعش على الأراضي الأفغانية، وأنها سوف تتخذ جميع الإجراءات لضمان عدم تواجد هذا التظيم على أراضي أفغانستان.

وهو الشئ الذي لايتماشي مع الطبيعة الجغرافية و الامر الواقع، فالتنظيم يتواجد بشكلٍ ملحوظ في شمال غرب أفغانستان، وهي المنطقة التي تسمي بأقليم خرسان الاسلامي، بالاضافة الي ولايتي قندهار وهلمند، على الرغم من المقاومة الشديدة التي واجهها هناك من حركة طالبان، إلا أنّه لازال موجوداً ولا زال أفراده قادرين على إيجاد موطئ قدمٍ لهم في أجزاء من ولاية ننجارهار بعد عقد تحالفات مع أعضاء وعناصر ساخطة على حركة طالبان.

الا انه و بالرغم من الانتكاسات التي لحقت بداعش خرسان في عام 2016 وفقده السيطرة على بعض الأراضي ومقتل زعيمه ، حافظ سعيد خان، في غارة أمريكية شرق أفغانستان في 25 يوليو من ذات العام، مازال التنظيم يعقد تحالفات قبلية ويضمّ مزيداً من العناصر، ينشط في الجنوب ،ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد في ولاية هلمند وبعض الولايات الجنوبية، ويرفع عناصره بشكلٍ مستمر أعلام التنظيم السوداء، في حين يسقطون أعلام طالبان البيضاء، بالاضافة الي توفير ملاذات آمنة لعناصره الفارين من سوريا والعراق.

اوضحت التقارير الاستخباراتية ان مولد تنظيم داعش في افغانستان بخراسان، يعود إلى عام 2014، عندما أعلن التنظيم في سوريا والعراق إقامة الخلافة المكانية ومبايعة "أبو بكر البغدادي"كخليفة للتنظيم.


منذ تلك اللحظة الفارقة تم فتح قنوات تصال بين تنظيم "القاعدة"وكذلك عناصر تابعين لطالبان مع تنظيم "داعش”، من اجل انشاء علاقات معه وتأسيس ولاية مكانية جديدة تابعة للتنظيم.

وهو ما اكتمل بالفعل عام 2015 عندما أعلن المتحدث السابق باسم داعش "أبو محمد العدناني"إقامة ما أطلق عليه "ولاية خراسان"حيث تولّى "حافظ سعيد خان"إمارة التنظيم حينها.

حافظ سعيد خان

في اشارة الي ان النواة المشكلة لداعش خرسان كانت في الاصل منشقة عن حركتي "طالبان" الأفغانية و"طالبان باكستان".
فقد نجح التنظيم في بادئ الامر بجذب مجموعات من حركة "لاشكر طيبة" الباكستانية ومجموعة أخرى من الفصائل الباكستانية المسلحة.

ايضا حقق التنظيم نجاح كبير عندما قام بجذب عناصر من شبكة "حقاني"، وهي الفصيل الأكثر تشدداً ضمن "حركة طالبان".
كل ما سبق مهد الطريق لداعش في اثبات نفوذه بولايتي كونر وننجارهار القريبة نسبياً من العاصمة كابل والتي تعد مركز انطلاق عمليات التنظيم الرئيسي لشن هجمات تجاه العاصمة.

طالبان وداعش.. ما الفارق بينهم ؟

وبحسب مصطفى زهران ، الباحث في شؤون الحركات الاسلامية، فانه بالرغم من التحالف الذي تم خلال فترة زمنية معينة بين كل من طالبان والقاعدة إلا أن هذا لا يعني ان طالبان حركة منشقة عن القاعدة أو أحد أفرعها، لان حركة طالبان، تعد حركة دينية قومية هدفها بالنهاية حكم أفغانستان وليس لديها نزعة ما يسمّى بـ "الجهاد العالمي" أو حركة جهادية عابرة للحدود الوطنية، أما تنظيم القاعدة فقد تصدر حركة الجهاد العالمي، لفترة طويلة جداً إلى أن اختلف مع تنظيم داعش على صدارة هذه الحركة الذي بات يتصدرها بالفعل "تنظيم داعش" بعد أن اندثرت القاعدة بفعل عوامل عديدة خلال السنوات الماضية.

وبالتالي فأن الفارق بين حركة طالبان وداعش تكمن في ان حركة طالبان هي حركة دينية قومية محصورة بحدود أفغانستان وليس لها امتدادات عالمية، بينما داعش فهو تنظيم عابر للحدود هدفه إقامة نظام يسميه بـ "الخلافة المكانية" على مستوى العالم ولا يؤمن بمسألة الحدود بل يكفر حركة طالبان ويعتبرها مرتدة وقد حدث بينهما قتال شرس في أكثر من واقعة في ننغارهار وكونر وغيرها.

وقدا اكدت التقارير الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة وتحديداً عن لجنة "الجزاءات المعنية بمتابعة ملفي القاعدة وداعش في مجلس الأمن الدولي، ان داعش خرسان تعد بمسابة رأس التنظيم الاقليمي في جنوب أسيا، وهي المسؤولة عن 4 اذرع محلية في كل من افغانستان، باكستان، الهند، إيران، بسبب قدرة التنظيم علي نقل العديد من قياداته البارزة خلال السنوات الماضية، و بالاخص العارقيين منهم إلى افغانستان لكي تحكم السيطرة على الفرع الأفغاني، بالإضافة الي عزل مجموعة من القيادات المحلية، منهم "مولوي ضياء الحق" الذي كان أمير التنظيم في خراسان، بسبب اختلاف الرؤى وبين القيادة المركزية للتنظيم في سوريا والعراق.

اما بخصوص مستقبل العلاقة والتعامل علي الارض بين الكيانين الارهابيي بالاخص بعد انسحاب القوات الامريكية التي كانت بمسابة "بعبع" لكلا الطرفين، وبالتاكيد الخاسر الوحيد هو الشعب الافغاني، فأن حركة طالبان لن تقبل بتواجد داعش علي ذات الرقعة الارضية وبالتأكيد لن تقبل بأن تزاحمها.

صراع على السيطرة

فقد نشأت حركة طالبان من عرقية "البشتون" التي تحكمها الروابط القبلية بشكل أساسي، إذ أنها تنظر لمحاولات الانشقاق أو تشكيل كيان بديل عنها بريبة وتوجس يدفعانها لقتال كل من ينشق عنها، مما يرجح استمرار الاقتتال بينها وبين التنظيم بالفترة المقبلة.

يشار الي ان طالبان لم تقبل بإعلان تنظيم القاعدة عن وجوده داخل أفغانستان، على الرغم من وجود عناصر من بينهم مقاتلين أجانب له في البلاد، فقيادات الحركة طلبت بشكل واضح من القاعدة بخراسان الا تصدر أي بيانات إعلامية ولا تتحدث عن أي وجود لها في أفغانستان حتى لا يتم اتخاذ ذلك كذريعة للضغط على الحركة من قبل القوى الدولية.

و من الطبيعي الا تقبل طالبان بوجود اي من التنظيمات الارهابية الاخري التي بمقدورها ان تزاحمها علي الساحة الدولية وتفسد صورتها التي تحاول تصديرها للمجتمع الدولي بعد توليها ذمام الامور بافغانستان، بالاضافة الي برهنتها علي قدرتها على ضبط الأمن في، لذلك لن يكون من مصلحتها، صعود داعش علي الواجهة لضرب مصداقية الحركة وكسب زخم معنوي ودعائي وتحريض مقاتليها على الانشقاق والانضمام للتنظيم الدولي باعتباره يهدف لإقامة خلافة عالمية وهي فكرة تلقى رواجاً لدى بعض مقاتلي الحركة لأنها لا تتكون من جسد واحد بل من عدة تيارات مختلفة الرؤى والافكار.

و تشير التقارير الاستخباراتية الي ان حركة طالبان تدار عن طريق مجلسين، و هما "مجلس شورى كويتا" الذي يقود الحركة حالياً، وهي تسمية اصطلاحية تدل على مجموعة قياداتها التي أوت إلى "كويتا الباكستانية" بعد الغزو الأمريكي، وهناك "مجلس شورى بيشاور" والمجلسين قريبين في رؤيتهما، إنما "شبكة حقّاني" فهي تمثّل تياراً رافضاً للتفاوض والعملية السياسيّة وهو الأكثر تشددا.

مما يمنح حركة داعش خراسان افضلية ، فهو يدرك مدي الفوارق و اتساع الرؤي بين الفرق المختلفة داخل الحركة الواحدة، لذا فهو يسعى لاستغلالها عبر اجتذاب مقاتليها إلى صفه.

ويشير الباحيثين الامنيين الي ان القائد الحالي لتنظيم داعش خراسان هو "أسد الله أوركازي"، الذي كان مسؤولاً عن استخبارات داعش في خراسان ولديه خبرة طويلة بحروب العصابات، ويشتهر بشدته التي انعكست بشكل واضح منذ توليه الإمارة العام الماضي على العمليات الارهابية.

و توقع بعضم ان تلجأ داعش الي استهداف حركة طالبان وتحديداً مجموعات معينة داخلها مثل "المكونات الشيعية" من اجل إثارة الفتن القبلية وإشعال الحرب الطائفية، وقد يلجأ إلى تنفيذ ضربات في دول الجوار الأفغاني مثل الهند وباكستان وقد يستهدف روسيا وإيران من آن لآخر تطبيقاً لإيمانه بمبدأ القتال للنهاية، بحسب تصريحات القيادي السابق للتنظيم "أبو محمد العدناني" الذي قال ان التنظيم مأمور بالقتال في العالم بلا استثناء.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة