صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


إيجا بتروفوكا.. أخطر عميلة تجسس ألمانية في شوارع القاهرة

محمد رمضان

السبت، 04 سبتمبر 2021 - 05:21 م

هل سمعت عن اسم إيجا بارنيت بتروفوكا؟.. جاسوسة ألمانية «دوخت» المخابرات البريطانية في القاهرة، بعد أن عاشت قصة «غير أخلاقية» مع توأم مصريين هما أحمد وعبدالله، وحولت شقتيهما إلى مركز لاتصالها بثعلب الصحراء النازي «رومل».

 

وبعد قصة طويلة تبين أن والد التوأم المصري هو موظف رسمي كبير في الدولة وعلى علاقة طيبة مع الحلفاء؛ إذ نجحت الفتاة العاشقة لهتلر في استخدام صندوق سيفون «الحمام البورسلان» في شقتيهما وجعلته مكانا مناسبا لإخفاء جهاز الإذاعة بداخله دون أن يعلما.

 

أما أرفين رومل (1891 – 1944) فهو مارشال ألماني قاد الحملة النازية على إفريقيا، وفشل في معركة العلمين، قبل أن يرتاب هتلر في إخلاصه فيأمره بالانتحار.

 

والجاسوسة إيفا مولودة في تشيكوسلوفاكيا وتزوجت من رجل إنجليزي، وعندما زوجها تبناها رجل أعمال إنجليزي أيضًا، ولكنه كان متقدمًا في السن، ومكاتب إدارة أعماله في مدينة براج، وعندما اندلعت الحرب اعتقل هذا الرجل، لكن المفاجأة أن هذه «قصة مزيفة» رددتها مئات المرات.

 

 

وكفتاة غيورة على وطنها، لم تتردد بإعطاء «رايخ هتلر» المكافح ما طلبه منها بعدما جرى انتخابها في عام 1938 من بين مئات زميلاتها في المدرسة لتتلقى تدريبا في الجاسوسية لدى «الأبوير» فلم تمانع ذلك؛ حيث كانت على استعداد لمنح حياتها فداء لألمانيا، بحسب موسوعة أشهر جواسيس العالم.

 

وبالفعل وبعد مرورها باختبارات مضنية، تم إرسال إيفا إلى مدرسة «أدميرال كناريس» للجاسوسية في برلين؛ حيث تخصصت في نقل الرسائل بالراديو، واستعمال الشفرة وحلها والنواحي الفنية في صنع الراديو وكيفية صناعة جهاز إرسال يكون حجمه صغيرًا؛ إذ كان التلاميذ يزودون بطبعة التصميم الزرقاء مصورة بالميكروفيلم ويكون هذا الفيلم متناهيا بالصغر وبالإمكان لصقه في ساعة اليد، وبجانب كل ذلك تعلمت اللغة الإنجليزية والتشيكوسلوفاكية وأجادتهما.

 

اقرأ أيضًا| مفيدة عبدالرحمن.. أول سيدة تعمل بمهنة المحاماة في مصر 

 

ولنجاح تنفيذ مهمتها، ألمت إيفا بالتقاليد العسكرية البريطانية ومعرفة الوحدات والتشكيلات وعندما بدأت حملة غزو شمال إفريقيا حفظت عن ظهر قلب صورة وجوه مئات الضباط البريطانيين الكبار وأحوالهم، والذين كانوا من المرجح تسلمهم قيادة جيوش الحلفاء في الصحراء، ودرست أيضًا تاريخ شمال إفريقيا ونيوزيلندا وطبيعتها وأشكال البدلات الرسمية وأوسمة الضباط ورتبهم.

 

وفي 1940 تم تكليفها رسميًا بـ«مهمة القاهرة»؛ حيث كانت العاصمة المصرية في قبضة الإنجليز ويسعى القائد الألماني رومل للاستيلاء عليها قبل نهاية الصيف، على أن تكون هي جزء من مجموعة جواسيس واسعة تشمل الجنسين.

 

مهمة القاهرة 

 

كانت المهمة الأولى لـ«إيفا» هي تزويد رومل وفيلقه الإفريقي بالمعلومات عن قوة الجيش البريطاني ومواقع الخطوط الدفاعية وعدد الوطنين الأحرار داخل الجيش المصري، وكان الهدف إحداث ثورة لتهب لنجدة القائد الألمانية على أن يتم بدء المعركة في الدلتا.

وفي برلين تلقت إيفا تمارين على كيفية أن تكون «امرأة فاتنة»، وارتداء الثياب والتحدث، باختصار أبسط وأسرع الطرق لإغراء الرجال والفوز بحبهن لكسب ثقتهم، وساعدها في ذلك قوامها الرائع، وتلقنت دروسا في كيفية ارتداء العباءات الباريسية ووضع الماكياج بأساليب فنية تزيد من جمالها وفتنتها الطبيعية وكيف تتأرجح بإغراء عندما تمشي عبر الغرف.

 

وبعد نجاحها في جميع الاختبارات، تسلمت إيفا وثائق رسمية تثبت أنها كانت يوما مواطنة تشيكية قبل أن تصبح من رعايا بريطانيا، فضلا عن مغادرتها إلى بودابست لترسل إلى السفير البريطاني في تركيا تطلب منه فيزا بوصفها لاجئة بريطانية، لكن عليها أن تطلب من القنصل البريطاني أن يخصص لها منحة شهرية قدرها (150 دولار)؛ إذ أن هذا الرجل كان يرتاب بالناس الذين ليسوا بحاجة لنقود.

 

حلت إيفا ضيفة على القاهرة، واستأجرت شقة متوسطة في الطابق الثاني عشر من عمارة الملكة فريدة، خاصة أنه في الطابق الموجود تحتها مباشرة كان يقيم 150 ضابطا من الجيوش الأسترالية والنيوزيلندية، وقضت أيامها الأولى ترتاد المتاجر والمحلات لشراء الملابس الفاخرة وخزانة للثياب الأنيقة.

 

سرعان ما أصبح جرس إيفا في شقتها بالقاهرة لا ينقطع عن الرنين، وتلقت في ليلتها الرابعة بالقاهرة 4 دعوات للخروج، وطلب ضابطان برتبة ليوتانت منحهما شرف تقديم الكوكتيل لها على حسابهما، وأول موعد كبير ضربته كان مع ملازم أول من خارج سكان بناية الملكة فريدة.

 

صحبها هذا الملازم أول عشاء في فندق شيبرد الشهير وكان يعج بضباط الحلفاء القادمين من حرب الصحراء لقضاء إجازاتهم القصيرة، ولم تكن شقتها في فندق الملكة فريدة مناسبا لزرع جهازها فقررت هنا البحث عن شقة لكن في نهاية شهرها الأول في القاهرة كادت تنكشف حين حاول أحد رجال المخابرات الإنجليزية «جس نبضها» لمعرفة خلفيتها لكنها تجاوزت وطلبت منه الابتعاد عنها.

 

بعدها بأيام التقت إيفا بالتوأم المصري، وفي غضون 24 ساعة كانت قد أقامت جهازها السري في شقتها وأصبحت على استعداد للاتصال بمحطة رومل في الصحراء حسب التعليمات التي تحملها، وكان ما بقي عليها هو جمع المعلومات الثمينة خلاف المعلومات الروتينية التي حصلت عليها من ضباط الحلفاء الذين عاشرتهم وشاركتهم الفراش.

 

صيد ثمين 

 

فجأة ظهر أمامها ضابط بريطانية برتبة ميجور يدعى «بويس بورتر» كان متيما بحبها بشكل قوي، وظل طوال أسابيع يتملقها ويهديها الزهور والهدايا، وقد ذهب بها الغرام إلى التحدث عن الزواج بعد انتهاء الحرب.

 

«بورتر» كان بمثابة كنز معلومات؛ حيث كان مزودا بأسرار حربية ثمينة، وفي صباح يوم 12 يوليو 1941، طرق الميجور بويس بورتر شقة إيفا، وكان يرتدي لباس المعركة ويحمل حقيبة جلدية تحت إبطه وتقلته مجيبة: ألا تود الدخول يا هاري، فقال بويس: لن أستطيع المكوث أكثر من دقائق يا عزيزتي.

 

هنا همست إيفا في أذنه، وأكل بورتر بالفعل الطعم وشرب كأسا ثم مضى معها إلى الفراش، وبينما كان مستغرقًا في النوم من أثر المخدر الذي وضعته له في شرابه، فتحت حقيبة الرسائل واطلعت على محتوياتها، فقد كانت تحمل كلمة «سري جدا»، وتشير إلى اسم وتصنيف لواء حربي جديد في طريقه إلى الجبهة لمساند القوات البريطانية، ويذكر بإسهاب المعدات والذخائر والمدافع التي يحملها.

 

 

 

وأقيمت بعد 3 ليال حفلة في شقة التوأم المصري رقصت فيها رقصة مصرية بين أهازيج الحاضرين واستحسانهم وعند الساعة الحادية عشر أعلنت إيفا أن الطقس حار وستدخل الحمام لـ«أخذ دوش» وأغلقت الباب خلفها بإحكام وأخرجت جهاز اللاسلكي الموضوع صندوق مانع تسرب الماء وأسرعت تدق إشارة المناداة، وانتظرت لكنها لم تتلق جوابا، وأرسلت مناداتها للمرة الثالثة ولا من جواب والرابعة والخامسة.

 

لكنها لم تعرف الجواب إلى قبل ساعة من موعد اتصالها بمركز الإصغاء المقام على سيارة متحركة، لقدت التقت به دورية حليفة وفتحت عليه نيران رشاشاتها واستطاع معظم الألمان الذين كانوا بداخل السيارة الهرب تحت جنح الظلام ولكنهم تركوا ورائهم معداتهم، ومن سوء حظ رومل أنه لم يتسلم تلك المعلومات القيمة.

 

وفي غضون أيام قلائل احتل البريطانيون سيدي رزق المنطقة الحيوية التي تقع جنوب شرقي طبرق، وأصيب البريطانيون بخسائر كان من ضمنها الميجور بويس بورتر.

 

وبعد أزمة مع صحفي نرويجي حاول التقرب منها، سارعت بالذهاب إلى شقة التوأم المصري وحطمت جهاز الإرسال وألقت بكل عزمها به فوق رؤوس الأسطح واتبعته بالصندوق الواقي من الماء، ولحسن حظها أنه بعد ذلك بأسبوع داهم رجال البوليس شقة التوأم ومع أنهما فتشا المكان جيدا بما فيه غرفة الحمام وتركيباتها إلا أنهم لم يعثروا على شيء.


وفي الليلة نفسها، قرع باب شقة إيفا ولما فتحت الباب دخل الميجور سانسوم رئيس المخابرات البريطانية في القاهرة يتبعه ممرضته وبوليس حربي وخاطبها بلهجة مؤدبة: «أيتها الآنسة بارنيت بتروفوكا.. يؤسفني أن أثقل عليك في مثل هذا الوقت ولكن يجب أن تجري تفتيشا دقيقا لمسكنك ولمتاعك، ولم تترك ممرضته جزءًا من جسدها إلا جسته قبل أن يتم نقلها إلى مركز الاستجواب في المعادي، لكنها قبل نقلها تمكنت من التخلص من الميكروفيلم وتذكرة الهوية الموجودة في ساعتها».

 

عقب ذلك تم إرسال إيفا إلى مدينة حيفا بفلسطين وأدخلت السجن؛ حيث بقيت هناك حتى نهاية الحرب وعندما أطلق سراحها عام 1945 انتقلت إلى بيروت وحصلت على وظيفة سكرتيرة، لتلتقي برجل أسترالي الأصل يدعى جون هولند يعمل في الاستخبارات برتبة كابتن، وفي سنة 1946 اصطحب هولند خطيبته إلى برزيان في أستراليا وتزوجا.

 

مضى زمن طويل على اعتراف إيفا لزوجها بحقائق حياتها كجاسوسة نازية، وأصبح جون بعد ذلك وكيلا لرئيس المخابرات الأسترالية وفي عام 1952، كشف عن حلقة الجاسوسية الروسية العاملة في كاينبرا، ويعترف جون بأنه يدين بفضل ترقيته في مضمار الجاسوسية إلى زوجته إيفا التي علمته الكثير؛ حيث يقول: «علمتني إيفا كيف ألقي القبض على جواسيس يتمتعون بمناعة تجعل القبض عليهم مستحيلا».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة