كارين جينينجز
كارين جينينجز


بعد وصول «جزيرة» لقائمة البوكر الطويلة:

كارين جينينجز: لم أخطط لكتابة أسطورة وبطلى شخص عادى

أخبار الأدب

الأحد، 05 سبتمبر 2021 - 03:30 م

حوار: جوان هيتشنز
ترجمة: بسمة ناجى

لا تزال المفاجأة تسيطر على كارين جينينجز منذ الإعلان عن إدراج روايتها “جزيرة” ضمن القائمة الطويلة لجائزة بوكر 2021، بل تبدو الكاتبة الجنوب إفريقية البالغة 38 عامًا كأنها مصدومة. بالنظر إلى صعوبات النشر التى واجهتها، يمكننا تفهم الأمر. بعد العديد من خطابات الرفض، نشرت رواية “جزيرة” فى طبعة محدودة من 500 نسخة فقط فى دار نشر مستقلة صغيرة، بسبب ظروف الوباء.


تقول إن من بين أسباب رفضها أنها رواية قصيرة جدًا، وتجريبية جدًا، وإفريقية جدًا، وليست إفريقية بما يكفي. لكن كارين تُرجع الأمر فى النهاية إلى الاقتصاد. وتقول «الرد المحدد الوحيد الذى وصلنى أنها لن تدِر أرباحًا» ، مشيرة إلى أنه بغض النظر عن مدى حب المحرر للكتاب، فهذه القرارات غالبًا ما تتخذها الإدارة المالية. «لأننى كاتبة أدبية، فهذا أمر محفوف بالمخاطر. لا يشترى الناس أو يقرأون الأدب بكثرة. كما أننى لا أكتب قصصًا تبعث على الارتياح. روايتى ليست من النوع الذى يرغب الناس فى قضاء إجازة معه». 


     بطل الرواية، صموئيل، رجل مسن يعيش بمفرده على جزيرة صغيرة قبالة ساحل جنوب إفريقيا بصفته حارس فنار. يعيش حياة هادئة ومنعزلة إلى أن ينجرف شاب، على الأرجح لاجئًا من بلد مجاور، إلى الشاطئ. استقبله صموئيل على مضض، بينما كان يراه كمتطفل. من خلال التواصل بينهما، يواجه صموئيل جوانب من ماضيه وما أوصله إلى الجزيرة وجعله الرجل الذى هو عليه اليوم.

«جزيرة» ، رواية قاتمة تشبه البيئة الصخرية التى تقع فيها أحداثها، إنها رواية رهيبة. قرأتها فى جلسة واحدة، أخذتنى بكثافتها. هل تسمينها أسطورة مكتوبة لعصرنا؟
لم أخطط لكتابة أسطورة، أو بالأحرى لم أفكر فيها تحت هذا التصنيف صراحةً. مع ذلك أعتقد أنه وصف مناسب. أردت استكشاف بعض التعقيدات المتعلقة بتاريخ القارة الإفريقية وكيف يستمر تأثير هذا التاريخ على حياة الأفراد حتى يومنا هذا. هذا التاريخ هو تاريخ متعدد الأوجه تتقاسمه عدة بلدان إفريقية، بدرجات متفاوتة. أردت قصر السرد على موقع محدود، مع عدد قليل من الشخصيات، وهكذا أبرزتُ الهموم الرئيسية. أحد هذه الهموم هو دراسة حياة الإنسان العادي. ما من شيء مميز فى صموئيل، إنه ليس بطلًا نبيلًا أو ذكيًا أو ماهرًا أو ثريًا. إنه رجلٌ عادى عانى من مظاهر الاستعمار، والتهجير من منزله، والفقر، والنضال من أجل الاستقلال، والتعذيب والسجن فى ظل الديكتاتورية، ومحاولة إيجاد مكان فى كل هذه الفوضى والرعب. ماذا يمتلك رجل كصموئيل؟ بماذا يشعر؟ ماذا سيفعل من أجل حماية بيته؟
هل صموئيل، وهو الآن فى السبعينيات من عمره، واحد ممن تُسخِّرهم السياسة بقسوة؟
مُطلقًا، لا سياسة على الجزيرة. إنه الحاكم هناك، وهو خائف من فقدان هذه السلطة. صموئيل يحمل حقدًا وخوفًا شديدَين.
بداية الرواية مثيرة. تصدمنا سريعًا بأن الحياة أصبحت بلا قيمة لدرجة أن الجثث المجهولة تطفو فى البحر، ولا يمكن التقاطها أو التعرف عليها بشكل كافٍ، وقد لجأ صموئيل إلى دفن ما لا يقل عن 32 جثة فى الأسوار التى تحصن الجزيرة. هل فعل ذلك لتحصين جزيرته؟ أم لتكريم الجثث؟
يريد صموئيل الحفاظ على سلامته وسلامة بيته، ولكن بالإضافة إلى ذلك، يريد إبقاء الآخرين بعيدًا. لا تكريم للموتى فى جعلهم جزء من التحصينات. ربما يحمل صنيعه هذا عنصرًا روحيًا أو صوفيًا. باستخدام الجثث على الأسوار المحيطة بالجزيرة، فإنه يحذر الغرباء ليبقوا بعيدًا. هم غير مرحب بهم. ومع ذلك، تستمر الجثث فى القدوم، وفى الواقع، من خلال إضافتها للتحصينات، يوفر لها صموئيل مساحة على الجزيرة، ما يجعل الجثث جزءًا منها.
حين يصل اللاجئ الشاب إلى شاطئ الجزيرة، يُفترض فى البداية أنه ميت، ثم تعود له الحياة ويعيش، يشك صموئيل فى البداية، ثم يقبل، خاصة وأن اللاجئ يساعده فى شؤونه. مع ذلك، فالارتياب من كون هذا الرجل يمثل تهديدًا يظل مستمرًا. خلال الأيام الأربعة التالية، يتذكر صموئيل حياته، ما الذى قاده إلى هذه النقطة الزمنية. يظهر العنف بقوة كتيمة، الكلمة نفسها تستخدم لإبراز أثرها المخيف، حين نرى كيف صار صموئيل متبلدًا. الإخضاع تيمة بارزة أيضًا.

هل يسير العنف والإخضاع يدا بيد؟ أيهما يأتى أولاً؟
العنف يولد العنف. تعرض له صموئيل منذ صغره فى مختلف المراحل السياسية التى مرت بها بلاده، ومن خلال آثار تلك التغييرات عليه وعلى من حوله. كانت تجربته الأولى مع العنف عندما طارد المستعمرون عائلته والعديد من جيرانهم وأجْلُوهم بعيدًا عن الوادى حيث كانوا يعيشون، وقتلوا الذين لم يهربوا بالسرعة الكافية. هذا ما تركه المستعمر حين غادر البلاد فى نهاية المطاف: إرث من الدماء والاستغلال والتعذيب والقتل. من الصعب تجاوز ذلك. بالإضافة، فإن العنف وسيلة لإذلال وإخضاع الآخرين. عندما انتفض والد صموئيل للنضال من أجل استقلال أمته، أصيب بالشلل أثناء الاحتجاج. ما يثير اشمئزاز صموئيل هو أن والده يعتقد أنه كان جزءًا من شيء عظيم، ومع ذلك فإن غالبية الذين انتفضوا واصلوا العيش فى القذارة وظروف الفقر، والتسول، والنهب، بينما انشغل القادة المستقلون الجدد بخزائنهم، ونسوا المواطنين العاديين الذين وضعوهم فى السلطة، بعدما وعدوهم بتقديم العالم لهم فى المقابل. الإذلال مرة أخرى. إنها دورة لا تستكين.


تقدِم الرواية أيضًا فقدان القيم والحماقة المتصاعدة وانعدام أخلاق القادة، و‘الشعوب’ أنفسها أيضًا، فى الواقع. هل يعكس كل هذا الوضع الحالي؟
نعم ولا. لقد رأينا الكثير من القادة الفاسدين فى الدول الإفريقية مؤخرًا، بالتأكيد. لكن هذا ليس جديدًا. لا يمكن إلقاء مسئولية هذا الفساد واللا أخلاقية على القادة الأفارقة وحدهم. عندما كنا مستعمرات، حكمتنا مؤسسات فاسدة وغير أخلاقية. هذا جزء من هذا الإرث، وجزء من الكابوس الذى تحتاج أفريقيا إلى الصحو منه. وبالطبع، يمكن رؤية نفس الشيء فى جميع أنحاء العالم. هذا، للأسف، أحد أعظم إخفاقات الديمقراطية وأحد القوى الدافعة وراء الدعم المتزايد لسياسات اليمين.


تستخدم الرواية كلمة أخرى: الإعدام. كلمة مرعبة، تستحضر عمليات التطهير المعادية للأجانب التى رأيناها فى جنوب أفريقيا. بصفتك كاتبة من هذه المنطقة، هل تتحدثين بشكل خاص عن تاريخها تحديدًا فى كراهية الأجانب؟ أم أن هذه مجموعة من الدورات التى رأيناها عمومًا فى أفريقيا  المستعمرة، والاستقلال، والديكتاتورية، والفوضى الناتجة، وهى أيضًا إعادة تدوير للفاسدين الذين يستعبدون الفقراء؟
بالتأكيد تأثرت جزئيًا بهجمات كراهية الأجانب التى حدثت فى جنوب أفريقيا. أردت فهم ما الذى قد يدفع الناس للمشاركة فى هجمات كهذه. أى نوع من الكراهية والاستياء واليأس والغضب وفشل الحكومة أو التحريض من قبل القادة يمكن أن يؤدى إلى هجوم جماعى على الجيران والأصدقاء.
نرى ومضات فى شخصية صموئيل لما يراه على أنه ضعف، لكن بالنسبة لي، كقارئ، إنها فى الحقيقة دليل على إنسانيته التى لا يسمح لها بالظهور، وعدم قدرته على القتل. تردده فى القتل. هل هذا ما قصدته؟


نعم، لا أعتقد أن أحدًا يولد قاتلاً. رغبتُ فى استكشاف ما قد يدفع الإنسان العادى إلى ارتكاب أعمال عنف، كالقتل. رأى صموئيل طوال حياته إنسانيته على أنها نقطة ضعف كما ذكرتِ، بسبب التأثيرات الخارجية. لكن بالنسبة للقارئ، نحن نتمسك بهذا الجانب منه، على أمل أن يفضل “الضعف” على “القوة”، وأن يرى فى هذا الاختيار خلاصَه فى النهاية.


الرجل -اللاجئ- يبقى كشخصية فى الظل، ولا أسال لأننى كنت أتوقع أن يشغل مساحة أكبر، بل لأنى مهتمة بمعرفة لماذا لم تعطِه صوتًا أكبر؟
كان هذا اختيارًا واعيًا من جانبى منذ اللحظة التى خطر لى فكرة الرواية. أولاً، تم سرد العديد من الروايات الناجحة من وجهة نظر اللاجئين. إنها قصص مهمة ويجب الاستمرار فى كتابتها. ومع ذلك، كنت مهتمة أكثر بالنظر إلى الجانب الآخر - الجانب المعادى للأجانب. ما الذى يجعل الناس يتبنون هذا التعصب؟ كما أننى شعرتُ بأهمية تسليط الضوء على الصعوبة التى تنشأ من ضعف التواصل، وعندما لا يُنظر إلى الأفراد على أنهم أكثر من مجرد أشياء. لأن صموئيل لا يعرف شيئًا عن الرجل -لا من أين أتى ولا ما قصته – فمن الأسهل أن يكرهه. أعتقد أن هذا جزء مما يدفع إلى كراهية الأجانب. ترى فيهم “الآخر”، ليسوا أكثر من ذلك، وبالتأكيد ليسوا مثلك.


طوال هذا الفيضان من الذكريات، متداخلاً مع الأيام الأربعة الموصوفة فى الجزيرة، تَوَلد لدينا الإحساس بالخطر، أن شيئًا ما سيحدث. هل تعمدتِ خلق هذه الحالة؟
أجل. منذ وصوله، يعمل صموئيل بجِد للتخلص من الأعشاب الضارة التى وجدها تغطى الجزيرة. ومع ذلك، تعود الحشائش لتغزو مساحته المنسقة بشكل مثالي. لا يسعنى سوى قول أنى أردتُ أن يصلَ القارئ شعور بالقسوة، حتى يشعر أنه محاصر، ويريد الهرب، لكن لا يستطيع مقاومة الرغبة فى مواصلة القراءة حتى النهاية. أعتقد أن كون الرواية قصيرة قد ساعد فى هذا أيضًا. يمكن قراءتها فى جلسة واحدة.
تحمل الرواية شيئًا من اليأس، رغم بعض الومضات الإنسانية التى تأتى فى شظايا مختلفة من ذاكرة صموئيل وأفعاله الحقيقية. هل هناك أمل ما لنتمسك به؟
أود وصف كتاباتى بأنها نوع من الواقعية الاجتماعية. لا أريد نهايات سعيدة مزيفة. هذا لا يعنى عدم وجود لحظات سعيدة فى العالم الحقيقي، ولكن فى هذه الحالة، حيث يمثل صموئيل آثار التاريخ السياسى العام لقارة بأكملها، قارة تم استغلالها لأجيال، يصبح من المستحيل على أن أكتب نهاية سعيدة. وظيفتى ككاتبة هى وضع مرآة أمام هذه الحقائق، لكن ربما أعجز عن طرح الحلول.


بشكل عام، هل هذه هى القصص التى تجذبك كتابتها؟ أنا أفكر فى رواياتك الأخرى، والتى تركز أيضًا بشكل مكثف على كشف الضعف البشري.
أنا أنجذبُ إلى كتابة قصص الناس العاديين، ناس يحاولون الإبحار فى عالمٍ قاسٍ وظالم. ما الذى يشكل أيامهم وعلاقاتهم وأفكارهم ومشاعرهم؟ ونقاط ضعفهم أيضًا. فى روايتى الأولى، اكتشاف سوتبيك، استكشفتُ التحديات التى يواجهها الأفراد فى قرية صيد فقيرة على الساحل الغربى لجنوب إفريقيا. درستُ الظروف القاسية فى مدينة سبرينجبوكفونتين أثناء تعدين النحاس فى عام 1886، وعلقت أيضًا على تاريخ التعدين التجارى فى جنوب إفريقيا والاستغلال الذى يستمر حتى يومنا هذا.


بالطبع، نريد أن نعرف ما هو التالى من أعمال.
 لدى مخطوطة أكملتها فى نهاية عام 2019، لكن ليس لدى فكرة عما إذا كان كنت سأنشرها أو متى سأنشرها. كان الوباء ضربة قاصمة لصناعة النشر. بخلاف ذلك، ليس لدى أى خطط عاجلة. لدى مخطوطة غير مكتملة. بدأت فى الدراسة للحصول على درجة الدكتوراه فى التاريخ هذا العام. أعتقد أن هذه ستكون كتابتى الوحيدة لفترة من الوقت. لنرى كيف سيمضى هذا العام.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة