طاهر قابيل
طاهر قابيل


يوميات الأخبار

سنغافورة ومهام صحفية إنسانية

طاهر قابيل

الإثنين، 06 سبتمبر 2021 - 07:45 م

 

«فى عام 2003 ضرب مدينة «بم» الإيرانية فى شرق محافظة «كرمان» زلزال ضخم بقوة 6.6 ريختر.. وحسب الإحصائيات الرسمية سقط نحو 42 ألف قتيل»

فى النصف الثانى من الأعوام العشرة الأولى من الألفية الثالثة جاءنى أستاذى وصديقى الكاتب الصحفى مصطفى بلال مدير تحرير «الأخبار» التنفيذى - رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته - ليخبرنى أن رئيس التحرير سوف يطلبنى.. اعتبرت ما قاله الأستاذ مصطفى بلال أمرا عاديا فدائما ما يطلبنى والزملاء فى «الدسك المركزى» للاستفسار عن خبر ما أو معلومات وصلت إلينا أو توجيهات إلى ما يريد.. حاولت أن أعرف من الأستاذ «بلال» عن السبب فتهرب منى وعرفت السبب بعد ذلك.. لم تمر ثوانٍ إلا وطلبنى الكاتب الصحفى الأستاذ «محمد بركات» رئيس التحرير إلى مكتبه.. وبدون مقدمات أو تردد أخبرنى بالاستعداد للسفر إلى «سنغافورة» مؤكدا أن المطلوب لمهمة العمل رئيس أو مدير للتحرير وأنه عرض الأمر على الأستاذ «بلال» ففضلنى على نفسه واختارنى.. صمت لأنى فى هذا التوقيت كنت مساعدا لنائب رئيس التحرير فابتسم قائلا: تم اختيارك لجهدك وتميزك.. وسوف نرسل خطابا إلى السفارة بالموافقة وأنك مدير للتحرير.. أنهيت أوراقى بالسفارة الموجودة بأحد شوارع منطقة الدقى بعد أن فهمت أنها «دعوة» من القيادة السياسية المتمثلة فى رئيس الوزراء والخارجية السنغافورية بعد الاتفاق مع الرئيس المصرى على عقد «موائد مستديرة» لتقريب المعلومات والحصول على «الأخبار الصحفية الصحيحة» من مصادرها بين الآسيان والشرق الأوسط دون الاعتماد على وكالات الأنباء.. سافرت فى رحلة طيران استغرقت أكثر من 12 ساعة قطعها «ترانزيت» فى مطار دبى وكان برفقتى زميل صحفى هو «شارل المصرى» مدير تحرير صحيفة «المصرى اليوم».. كانت 8 أيام ممتعة قضيتها، شاهدت خلالها تقدم الدولة القابعة فى أقصى «شرق آسيا» والقريبة من «أسترليا».. وهناك تعرفت على شركائى من الصحفيين العرب من لبنان والكويت والأردن والسعودية جمعتنا المهمة وخرجنا بعدها أصدقاء.

صدمة حضارية
كانت أولى الصدمات الحضارية لى هو رؤيتى للمطار الذى يعد من أفضل وأحدث مطارات العالم فبه جيم وحمام سباحة وأجهزة كومبيوتر مرتبطة بالإنترنت ودار للسينما لخدمة الركاب المنتظرين للرحلات الجوية.. حتى المدخنون رغم القواعد الصارمة فى منعهم من التدخين بالفنادق والمواصلات العامة والسيارات الخاصة وتحديد أماكن بالشوارع مخصصة لذلك بها طفايات للسجائر فقد خصصوا غرفا مغلقة تحمل شعار إحدى الشركات المنتجة وأماكن مفتوحة بها شجيرات وزهور ورشاشات مياه على سطح أحد المبانى «للمدخنين».. أكلت بمطاعم عامة ودعيت إلى «عزومات» على طعام «مصرى وعربى» وزرت محطة لإعادة تدوير وعلاج مياه الصرف وتحويلها تكنولوجيا نقية للشرب حتى فى فندق «سويسرا» الذى نقيم به وهو من أفخم الفنادق.. والتقيت بمسئولى الشركات متعددة الجنسيات وشباب صغير السن يتولون المسئولية باحتراف.. كما زرت مواقع سياسية وتنفيذية حكومية ومصانع للأدوية وآخر للأجهزة التكنولوجية.. وقال لى أحدهم عن صناعة الدواء إن رجل الأعمال يأتى من الخارج بحراسات مشددة لأن الحقيبة التى يحملها وبها عينات من الخامات تقدر بمليارات الدولارات.. وعرفت كيف نجح «السنغافريون» فى اختيار ما يميزهم عندما جعلوا من أنفسهم مرحلة دورة المال العالمى بعد انتهائها فى كل من «أمريكا وأوروبا».. ونجاحهم فى تحويل جزيرتهم من مكان للصيادين إلى رابع اقتصاد فى العالم وتحويلهم إلى ميناء محورى يربط أقصى «شرق آسيا» مع العالم ونقل خبراتهم إلى أفريقيا وآسيا وأوروبا حتى أمريكا وميناء «العين السخنة» شاهدا على ذلك.. وشاهدت مضمارا رائعا لسباقات السيارات والألعاب الرياضية.. وعدت من رحلتى مكتسبا معارف وأصدقاء جددا، صعب علىّ نسيانهم وعرفت أن الحياة لا تستقيم هناك إلا بمشاركة المرأة لزوجها فى تحمل تكاليف المنزل والحياة من نتيجة عملهما معا.

تركيا وإيران
من المهام الصحفية التى أفتخر بها ولا أنساها عندما قضيت ساعات فى «تركيا» مع طائرة المساعدات الإنسانية عندما أصاب إحدى مدنها فى «أزمير» زلزال قوى بنهاية التسعينيات من القرن الماضى حوّلَ مبانيها إلى حطام والملايين إلى مشردين.. كما زرت «إيران» ليوم واحد تقريبا عندما ضرب زلزل مدينة «بم» وأطاح ببيوت القرية الفقيرة.
شاهدت من نافذة الطائرة التى أقلتنا من القاهرة إلى العاصمة التركية «اسطنبول» ثم المدينة المنكوبة بطائرة هليوكوبتر قادمة من «أنقرة» إحدى القواعد البحرية وبعض قطعها غارقة فى مياه بحر «إيجه» وشاهدت بعض العمائر بالعاصمة مدمرة قبل أن أصل إلى المدينة الريفية التى لاقت العديد من الضحايا بين قتيل وجريح ومشرد.. وسارعت مصر بتقديم المساعدات الإنسانية وإرسال مجموعات عمل لإزالة الحطام وفرق طبية للمساعدة فى إنقاذ المصابين.. عندما وصلت للمدينة عرفت ماذا يفعل زلزال بقوة أكثر من 7 ريختر فى أى مكان، فبجولة سريعة بأحد الشوارع لم أجد مبنى واحدا قائما بذاته، فإما هو مائل على جواره أو اختفت بعض الطوابق منه أسفل الأرض أو لم يتبق منه سوى حطام ورماد وتمت تسويته بالأرض.. وفى أرض النادى التى هبطت الطائرة فيها وجدت أسرا من المتضررين تشكو واصفة المصيبة التى وقعت عليهم والمصريون يكدون فى نشاط وجدية لتوفير الخبز لهم والاحتياجات الضرورية للحياة من مساعدات إنسانية حتى أنى أكلت من طعامهم «سندوتشات» سريعة من «البلوبيف» داخل الخبز الساخن، مازال طعمها فى فمى إلى الآن.. وسريعا ذهبت إلى الفرق ممن يزيلون الأنقاض لعلهم يكتشفون أحد المصابين المختفين أسفلها كما التقيت الأطباء وهيئة التمريض المصريين المشاركين فى عمليات الإنقاذ والمساعدة الإنسانية وتحدثت سريعا مع الأتراك المتجمعين فى النقطة الطبية ولمست أننا اهتممنا بتركيا فى مناهجنا الدراسية وأفلامنا السينمائية ومعلوماتنا العامة عكس ما يحدث هناك حتى أننى قابلت أشخاصا لا يعرفون مكان مصر على الخريطة.. وعدت وأنا أقول لنفسى إن المصرى جدع ويقف دائما مع الآخرين فى الأزمات يقدم لهم المساعدة الإنسانية.. والتقط صورة مع تمثال «أتاتورك» الذى أنهى الخلافة العثمانية والباب العالى فى منتصف العشرينيات من القرن الماضى.

فى عام 2003 ضرب مدينة «بم» الإيرانية الواقعة فى شرق محافظة «كرمان» زلزال ضخم بقوة 6.6 بمقياس ريختر.. وحسب الإحصائيات الرسمية سقط نحو 42 ألف قتيل و50 ألف جريح وعاش 10 آلاف بلا مأوى وقيل إن 90% من منشآت المدينة دمرت بما فيها قلعة المدينة الأثرية التى يزيد عمرها عن 2500 سنة.. وأقلعت طائرتان من القاهرة ثم تبعتها أخريان فى اليوم التالى تحمل مساعدات إنسانية وكنت مرافقا للدفعة الأولى من المساعدات ولأنها فرصة لن تكرر فى حياتى الصحفية وأكون أول صحفى وإعلامى يزورها منذ اندلاع الثورة الإيرانية والأحداث التى حدثت منذ سبعينيات القرن الماضى فقد حرصت على الذهاب إليها ورؤية الأمر على الواقع والتقاط الصور بالمطار بجوار قطع من السجاد الإيرانى ورغم تحذير البعض من أن الرحلة للمدينة التى فى العادى والطبيعى تأخذ ساعتين على الأكثر، فالطريق زوجى وغير مكتمل التمهيد فلذلك الرحلة تستغرق 6 ساعات.. وصممت عليها لرغبتى الشديدة فى رؤية الواقع وتحملت صعوبة الطريق حتى وصلنا إلى «بم» والظلام يحيط بنا واختفاء ضوء النهار.. وكانت فرصة لأشاهد المناظر المؤلمة والبيوت المدمرة وألتقى بالأهالى والمصابين وأستمع إلى قصصهم الإنسانية وخاصة التى تعمل فى مستشفى قروى وأصيب زوجها وأبناؤها وأنقذها خروجها للعمل فى تلك الأثناء وغير ذلك من الحكايات والتقيت مع شباب الجامعات واستكملوا لى الحكايات وكيف تعاونوا فى عمليات الإنقاذ ومساعدة المتضررين والتى أزالت المساعدات الإنسانية التى وفرها لهم المصريون الكثير من الآلام التى سببها الزلزال فى ساعات مبكرة من اليوم وهم مازالوا نياما.

الأشقاء والأصدقاء
لا أتذكر التفاصيل التى كتبتها عند عودتى ولكنى أتذكر مهام إنسانية أخرى فى «إثيوبيا» عندما أصابها فيضان شرد الكثير من الأسر وحرصت مصر على توفير المساعدات الإنسانية لها.. ومازلت أتذكر رؤيتى لمطار «أديس آبابا» وهو غارق فى مياه الأمطار وتعلمت يومها أن ممرات الطيران التى تكسوها المياه أو الثلوج تحتاج حرفية من الطيارين ومسافات أطول للهبوط وخاصة إذا كانت محملة بالبضائع والمساعدات بخلاف ما كنت أعتقده بأن الوزن الثقيل يوقف الطائرات فورا ويحتاج ممرات أقصر.. المهم أننى لم أشاهد من هذا البلد سوى المطار ولكنى عرفت أنها من عرقيات مختلفة وعدد سكانها يزيد عن مصر واهتمامها بالرعى وتربية المواشى التى تعتبر مهنتهم الرئيسية.. مع انتشار بعض الصناعات البسيطة وأن هناك لغة يتحدث بها الحكام وأخرى للأدباء وثالثة للعامة من المواطنين.. ومررت فى رحلتى الذهاب والعودة بالطائرة بالمستنقعات المنشرة فى الأراضى السودانية من تأثير مياه الأمطار والفيضانات المتكررة وغير المستغلة ومعاناة جيرانهما كل عام فالخير يهبط عليهم بأكثر من ألف مليون متر مكعب من المياه سنويا وهم بخلاء على دولتى المصب!.

لم تنقطع مهامى الإنسانية.. بعضها ذهبت إليه وأخرى تابعتها مما نشرته وسائل الإعلام منها بلاد شقيقة مثل «المغرب ولبنان والسودان وسلطنة عمان» ومنها صديقة فى أفريقيا وآسيا وأوروبا.. ولا أنسى الأشقاء الصامدين فى فلسطين المحتلة.. فكل مكان يحتاج مد «يد العون» المصرية فى أزماته ومشاكله نجد مصر أول من تسارع بالمساعدة، عمار دائما وأبدا بلدى المحبوب حفظك الله يا مصر.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة