أمل القصرى خلال حوارها مع «الأخبار» عبر منصة زووم
أمل القصرى خلال حوارها مع «الأخبار» عبر منصة زووم


العالمة المصرية أمل قصرى رئيس قسم بناء القدرات فى العلوم والهندسة باليونسكو:

قصرى: كليات القمة غير موجودة بالعالم المتقدم وانطلاقتى فى الفيزياء بدأت من ألمانيا.. حوار

علاء حجاب- عبدالسميع الدردير

الإثنين، 06 سبتمبر 2021 - 08:15 م

من كلية علوم بنى سويف مرورا بالمركز القومى للبحوث بالقاهرة ومؤسسة ماكس بلانك البحثية فى مدينة ماينز الألمانية، ثم جامعات وشركات فى مدن مختلفة ضمت ماينز وكارديف ونيويورك وفيينا وسنغافورة وملبورن، تشكلت شخصية العالمة المصرية أمل قصرى التى استقرت مؤخرا فى منصبها الجديد بباريس كرئيس لقسم بناء القدرات فى العلوم والهندسة بمنظمة اليونسكو..

قبل أشهر قليلة تولت الدكتورة أمل منصبها الجديد فى العاصمة الفرنسية بعدما استقرت كأستاذ مساعد فى كلية الهندسة بالجامعة البريطانية فى مصر لمدة أربع سنوات ثم رئيسا لقسم النانوتكنولوجى بالجامعة لمدة سنتين لتستكمل مسيرة طالت لنحو١٥ عاما من الدراسة والعمل بأفضل دول العالم تطورا فى مجال البحوث فى العلوم الأساسية.
وترى الدكتورة أمل أن العلوم الأساسية مكملة لبعضها ولابد من تفهم التداخلات بين فروعها.. ومع الإصلاحات فى مجال التعليم التى تشهدها مصر والحيرة التى تنتاب طلاب الثانوية العامة سعت «الأخبار» للاستفادة من تجربة الدكتورة أمل الملهمة فكان هذا الحوار:

النظرة الاجتماعية و«البريستيج» يضعان كلية العلوم فى مرتبة متأخرة

 بداية نود أن نتعرف سريعا على مسيرتك التى ضمنت لك منصبا رفيعاً بمنظمة اليونسكو؟
قبل أن التحق بكلية علوم بنى سويف درست فى كلية الهندسة تخصص إلكترونيات بجامعة المنوفية لمدة سنة.. وفى ذلك الوقت بالتسعينيات كانت علوم بنى سويف فرعا تابعا لكلية العلوم بجامعة القاهرة.. وكان لدىّ شغف لدراسة الفيزياء منذ سن مبكرة، ووجدت الفرصة بكلية علوم فرع بنى سويف.. وبعد التخرج من الكلية بتقدير جيد جدا لم تكن الإمكانات متاحة لاستكمال الدراسات العليا بنفس الكلية، فانتقلت إلى المركز القومى للبحوث بالقاهرة بعد التسجيل فى جامعة عين شمس للحصول على درجة الماجستير.. 

منح دراسية

بعد الحصول على الماجستير، كان الهدف الحصول على درجة الدكتوراة التى طمحت إلى أن أحصل على منحة لدراستها بالخارج.. وبالفعل قدمت على العديد من المنح الدراسية.. استغرق الأمر فترة تصل إلى عام حتى حصلت على منحة من مركز ماكس بلانك لأبحاث البوليمرات فى مدينة ماينز الألمانية فى عام ٢٠٠٢ والتى التحقت بها فى بداية العام التالى.. كانت هذه نقطة انطلاق جديدة لتغيير المسار سواء فى البحث العلمى أوموضوع البحث ذاته.. فرغم أن دراستى هى الفيزياء، إلا أنه عندما وصلت إلى ألمانيا التحقت بمجموعة عمل تهتم بدراسة علوم المواد بشكل أكبر.. ومن ثم اتجهت إلى علم البيوفيزكس أوالفيزياء الحيوية لتطوير مجسات حيوية ليصبح هذا هومجال بحثى وعملى الجديد.

أريد أن أعود إلى البداية وأتساءل عما إذا كنت قد واجهت أى معوقات أسرية غير مشجعة لاستكمال مسيرتك العلمية؟
كنت محظوظة بأسرة شجعتنى على استكمال مسيرتى، ولم أجد أبدا مثل هذه المعوقات الحمد لله.. فأسرتى تتفهم منذ صغرى أن الدراسة والبحث بالنسبة لى شىء مهم جدا.. ربما كانت الصعوبة بعدما انتهيت من الماجستير وعزمت السفر إلى الخارج.. فراق والدتى لم يكن سهلا.

هل من فروق قمت برصدها بين البحث العلمى فى مصر ودول العالم المتقدم؟
رصد الفرق بين البحث العلمى المحلى فى مصر والبحث العلمى الدولى يستغرق وقتا طويلا للإجابة على جميع التفاصيل.. لكن أريد بداية أن ألفت الانتباه إلى الجانب الاجتماعى الذى يعوق انتقال وسفر الكثير من الفتيات لاستكمال دراستهن فى المجال البحثى رغم تميزهن بشكل ملحوظ.
أما بالنسبة للفروق العلمية.. فقد كنت محظوظة لأننى انتقلت بين ألمانيا وبريطانيا وأمريكا والنمسا وسنغافورة سواء خلال العمل فى المجال الأكاديمى البحثى أو فى البحوث الصناعية بالشركات، وهذا ما جعل الصورة بالنسبة لى أكثر وضوحا.. عندما عدت إلى مصر من النمسا فى عام ٢٠١٥ بعرض من الجامعة البريطانية للعمل فى قسم العلوم الأساسية بكلية الهندسة، وجدت نظرة سلبية لهذا القسم فى معظم كليات الهندسة فى مصر.

نظرة سلبية

هل تعتقدين أن هذه النظرة السلبية للعلوم الأساسية سببها القائمون على البحث العلمى أم الطلبة أنفسهم؟
أعتقد الموضوع مشترك، لأن النظرة الاجتماعية و»البريستيج» بالنسبة للأساتذة والطلبة تجاه كلية العلوم التى لا تمنح لقب «دكتور أومهندس» تحتاج إلى مراجعة.. هناك أيضا سبب اقتصادى، فتراجع الصناعة فى مصر يقلل من فرص عمل خريجى كليات العلوم وبالتالى يصعب إقناع الطلبة بالالتحاق بكلية لا تتيح لهم المزيد من الخيارات فى فرص العمل بعد التخرج.. وإذا ما عدنا للإحصائيات سوف نجد فى مصر أن عدد الفتيات اللاتى يفضلن كليات العلوم أكبر من الشباب مقارنة بدول غربية.. وأعتقد أن العامل الاقتصادى هوالأساس فى هذه المعادلة.. لكن فى المناصب الأكاديمية مع الأسف، فإن النسبة تختلف تماما لصالح الذكور.. من أهم الأسباب أيضا لتراجع الرغبة فى الالتحاق بكليات العلوم ـ عدم اهتمام الشركات والمصانع الكبيرة بالبحث والتطوير الذى يستوعب خريجى كليات العلوم مقارنة بالغرب.. كما أن هناك مشكلة أخرى، تتعلق بالدعم المادى رغم التقدم الذى شهدته مصر فى هذا المسار منذ عام ٢٠٠٨ حيث نشطت هيئات حكومية مثل (صندوق العلوم والتكنولوجيا وأكاديمية البحث العلمى) لدعم العديد من المشروعات البحثية.. لكن لابد من إشراك القطاع الخاص فى هذا الدعم لإتاحة الفرصة للمزيد من الباحثين وتنفيذ مشروعاتهم البحثية.. ومن أهم الأسباب أيضا لتراجع الاهتمام بالعلوم الأساسية، أن هناك اتجاها بين الباحثين لتفضيل العلوم التطبيقية التى تعطى نتائج بشكل أسرع ويمكن نشر بحوثها أيضا بشكل أسرع، كما يسهل الحصول على تمويل لإتمامها مقارنة بالبحوث فى العلوم الأساسية.. لكن الضرورة تقتضى التوازن بين البحوث فى العلوم الأساسية والتطبيقية حيث تعتمد البحوث فى الثانية على الأولى.. فإذا لم يكن هناك أساس يبنى عليه البحث التطبيقى فسوف يتوقف هذا النوع من الأبحاث.. وأخيرا وليس آخرا، فإن ضمان الاستدامة فى أبحاث العلوم الاساسية يتطلب دعم تطوير البنية التحتية للمعامل والمختبرات العلمية وصيانتها بشكل دورى، إضافة إلى الوعى بأهمية البحث العلمى فى العلوم الأساسية.. ويبقى التمويل هوالعقبة الرئيسية أمام الباحثين فى العلوم الأساسية. 

البحث العلمى 

كيف تقيمين مستوى البحث العلمى فى مصر حاليا؟
أريد أن أوضح بداية أنه لابد لتطوير أى بحث علمى فى أى جهة أن يخرج هذا البحث من نفس الجهة، أقصد من داخل المكان ذاته.. لكن، ما يحدث عادة من جانب الكثير من الباحثين هوأنهم ينشرون أبحاثهم بالتعاون مع باحثين من الخارج وإن كان هذا التعاون جيدا ومطلوبا لكن ينقصه نقل هذه التطورات واستكمالها محليا والبناء عليها، فيما يعرف بنقل التكنولوجيا وتوطينها.

فى آخر التقارير ذات الصلة وهوتقرير اليونسكوللعلوم 2021 يوضح أن ٥٢٪ من الأبحاث المنشورة فى مصر فى مجال العلوم الأساسية تم نشرها بتعاون دولى.. وإن كان هذا النوع من التعاون رائعا ومشجعا، إلا ان هذه النسبة تعد مؤشرا على عدم وجود بنية تحتية مواتية لإجراء مثل هذه الابحاث فى مصر.

ماذا عن أبحاثكم الخاصة بالمجس الحيوى؟
مشروع المجس الحيوى كان مشروعا خاصا بالكشف عن بعض أمراض القلب فى مرحلة مبكرة.. وهوعبارة عن أداة تعطى مؤشرا فى حال وجود أمراض تؤثر على نسبة البروتين فى الدم.. فتوجد تغيرات طفيفة وسريعة تحدث فى نسبة البروتين فى الدم يحتاج رصدها إلى هذا المجس الدقيق والحساس.. والجانب الفيزيائى فى هذا المجس يعنى بزيادة حساسيته لرصد المتغيرات مهما بلغت درجة تركيزها. وتم الاتفاق مع زميل فى كلية الهندسة بالجامعة البريطانية لعمل نموذج مصغر ليستخدمه الأطباء المتخصصون.. والمشروع كان بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا بميزانية مليون و200 ألف جنيه، وفعليا المشروع يتطور.. وبعد تولى منصبى الجديد فى اليونسكو تم نقل إدارة المشروع للدكتور حسن ناجح بالجامعة البريطانية وهومن شباب الباحثين الرائعين الذين حصلوا على دراسات متقدمة فى اليابان منذ فترة.
المجسات الحيوية تحتاج خبرات بحثية مختلفة من فيزيائيين وكيميائيين ومهندسين لإنجاز المشروع.

ماسك  طبى

ما الذى وصل إليه مشروع تطوير الواقى الطبى من فيروس كورونا؟
بالنسبة لمشروع تطوير ماسكات تقى من فيروس كورونا المستجد، وكان بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى، التى بالفعل قامت بجهد كبير وطرحت مشروعات كثيرة حصلنا منها على أحد المشروعات بتمويل 400 ألف جنيه، والمشروع يسير بمعدل جيد جدا والنتائج نعرضها حاليا، واستطعنا تطوير ماسك بالتعاون مع احدى شركات النانوتكنولجى فى مصر لتطوير ماسك يقى من فيروس كورونا.. وهذا البحث كان مثالا ناجحا للتعاون البحثى مع الصناعة.. اشتركوا معنا فى المشروع وطوروا بعض المواد لإضافتها للماسك العادى الذى يباع فى الصيدليات.. أضفنا عليه مادة مضادة للفيروسات، وطورنا الفلتر الموجود فى الماسك وبه هذه المادة، والنتائج كانت جيدة جدا.
والمشروع فعليا انتهى وقريبا أكاديمية البحث العلمى سوف تعلن تفاصيله، هذا بجانب مشروع آخر حصلنا عليه كجائزة من مؤسسة دولية لتطوير مجس حيوى، والمشروع فى مراحل متقدمة حاليا.

ما نتائج البحث الخاص بزيادة كفاءة الخلايا الشمسية ؟
عملنا على تطوير مادة لتقليل تراكم التراب على بعض الأسطح، أنا لست متخصصة فى الخلايا الشمسية، لكن كباحثة فى علوم المواد، استطعنا مع الفريق العلمى، بالتعاون مع أستاذ بكليه الهندسة بالجامعة البريطانية، دراسة تلك المادة التى يمكن استخدامها كطلاء للخلايا الشمسية، حيث إن وقاية الخلايا من التراب تعمل على زيادة عمرها الافتراضى.

كيف ترين وضع البحث العلمى لطلاب التعليم قبل الجامعى؟
فى مصر مدارس «ستيم» للمتفوقين فى العلوم والتكنولوجيا وهى متطورة جدا وتعرفنا على قدراتها من طلاب وطالبات، كانوا يحضرون إلى الجامعة البريطانية وقت عملى بها، وهم ممتازون فعليا من طريقة الأسئلة التى يقومون بطرحها فيبدوأنهم يتعلمون بشكل جيد جدا.. كما أنهم يقرأون أبحاثا منشورة نعمل عليها فعلا، وأعتقد أن عدد هذه المدارس ليس كبيرا لكنها تجربة ناجحة جدا فى التعليم والإمكانيات بها كبيرة جدا وخريجوها على قدر عالٍ من التعليم.

هل هناك تعاون قريبا مع اليونسكو فى مجال البحث والابتكار مع مصر؟
برامج اليونسكو تغطى العالم كله، اليونسكو لديها برامج تساعد الباحثين والمعلمين على التعلم وتطوير مهاراتهم، ودول كثيرة تستفيد من برامج اليونسكو.

ما نصيحتك لطلاب الثانوية العامة بعد إعلان النتيجة خاصة أن تجربتك ملهمة للكثيرين وكليات العلوم فى دول العالم المتقدم هى القمة، لكن ليست كذلك لدينا؟
مصطلح كليات القمة غير موجود فى أى مكان بالعالم المتقدم ولا يوجد له معنى، وكل طالب يدرس التخصص الذى يحبه.. وأعتقد أن الصورة الذهنية لكليات القمة هى أكبر مشكلة تواجه الطلاب فى مصر.. نصيحتى أن كل طالب يدرس ما يريده وأتخيل أن النسبة الأكبر من الطلاب يدرسون فى كليات لا يريدونها إما بسبب المجموع أوبسبب الضغط الاجتماعى من الأهل والأسرة الذين يريدون طب وصيدلة وهندسة.. أسمع قصصا من أهالى يفتخرون بالضغط على أبنائهم لدخول طب أسنان بدلا من صيدلة باعتبار أن الصيدلى مجرد بائع للأدوية، وهذا لا يصلح أبدا.. وفى إحدى المناسبات سمعت من طالبة تتحدث أنها درست كل ما يريده والدها ووالدتها ودخلت كلية الهندسة بناء على رغبتهما وليس رغبتها هى، كل ذلك أمور خاطئة ويجب على كل طالب أن يدرس الشىء الذى يحبه.

نظام التعليم

من وجهه نظرك أين المشكلة؟
المشكلة تبدأ من المدرسة لأنها لا تساعد الطالب للتعرف على الملكات والامكانيات التى لديه، ويحاول اكتشاف نفسه ويعرف ماذا يحب.. ونظام التعليم قبل الجامعى عليه عامل كبير ليعرف الطالب ماذا يحب وكثير من المواهب تضيع لأن الطلاب يتجهون لتخصصات لا يحبونها، وأيضا العامل الاجتماعى مهم جدا ويجب أن يترك الأهل أبناءهم يدرسون ما يحبون.. ونصيحتى الأساسية أنه على كل طالب أن يقرر مع نفسه أولا ماذا يحب أن يدرس.

لماذا لا يوجد مصطلح كليات قمة فى دول مثل إنجلترا وفرنسا وأمريكا؟
لأنه يفترض أن يكون للإنسان حرية الاختيار، وكان لدىّ صديقة فى انجلترا وهى باحثة لديها دكتوراة فى البيولوجى، تخلت عن كل هذا واتجهت لتعلم الموسيقى، لأن لديها شغفا تجاه الموسيقى وبالفعل انضمت لفرق أوركسترا.. وكانت تعمل بدوام جزئى فى تنظيف المعامل لتوفير نفقات تعلم الموسيقى والأهم أن عملها لم يكن مخجلا لها أو لنا.. كل فرد يتخذ كل الطرق ليفعل ما يحب هذا هو الأساس، للأسف هذا لا يحدث فى مصر لأن المشاكل الاجتماعية والثقافية لدينا تعوق ذلك.
كل طفل فى المدرسة فى الدول المتطورة يتعلم حرية الاختيار فى التعلم وتنمية الاهتمامات، بالإضافة لعدم وجود النظرة الطبقية الموجودة لدينا ولا يوجد فرق بين أى شخص وكل الأطراف مفيدة لبعض، لو تغير كل ذلك لدينا لن يكون هناك كليات قمة.

ما روشتة إصلاح وتشجيع البحث العلمى فى مصر من وجهه نظرك خاصة بعد رحلة مميزة فى العمل بكثير من المؤسسات البحثية الدولية وحاليا تتولين منصبا رفيعا فى اليونسكو؟
طالب البحث العلمى لابد أن يعمل فى التخصص الذى يحبه فعلا، وليس لأى غرض آخر.. ولابد أن يكون هناك دعم مالى حكومى واضح للبحث العلمى ومتابعة المشروعات بعد دعمها ولابد من عمل راتب ثابت للباحثين المبتدئين من ميزانية المشروع.. وأتمنى أن يقوم كل الأساتذة بتدريس الطرق البحثية للطلاب، لأنها من أهم الأمور لتأهيل الباحث، لكن هذا الأمر لا يأخذ الاهتمام الكافى وغير واضح حاليا.. وللأسف يوجد روتين وبيروقراطية وتراكم لبعض الأفكار القديمة وعقبات توضع أمام الباحثين فى الجامعات، خاصة الحكومية ويجب إيجاد حلول لها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة