عصام السباعى - essamsebaie@yahoo.com
عصام السباعى - [email protected]


أمس واليوم وغدا

«ربيع» الدبلــــوماسية المصرية

عصام السباعي

الثلاثاء، 07 سبتمبر 2021 - 11:18 ص

التحركات الخارجية تعكس إلى حد كبير الاستراتيجية العامة التى تعمل بها مصر؛ سواء فيما يتعلق بموقفها من القضايا الوطنية، أو تلك التى تتعلق بمحيط مجالها الحيوى والإقليمى والدولى.


المراقب لتلك التحركات والمواقف لا يملك سوى احترام الدولة المصرية، ليس فقط لثوابتها ومصداقيتها التى تتماشى مع المواثيق والقوانين الدولية، ولكن أيضا نتيجة لما وصلت له السياسة الخارجية من نجاحات تعكس قوة الدولة المصرية والثقة التى باتت تحظى بها فى المحافل الدولية والعواصم العالمية، فهذه الأيام وبحق هى ربيع الدبلوماسية المصرية والأداء القياسى للسياسة الخارجية، فبعد فاعليات ناجحة لمؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذى تم عقده فى العاصمة العراقية بمشاركة كان لها مردودها الكبير من الرئيس عبد الفتاح السيسى ونتائج لها دلالاتها، جاءت القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفلسطينية بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والملك عبدالله الثانى والرئيس محمود عباس أبو مازن، وهى القمة التى تزامنت مع الأنباء الخاصة بانتهاء المرحلة الأولى من إعادة تعمير غزة برفع الأنقاض الناجمة عن العدوان الإسرائيلي، وهو المشروع الضخم الذى أعلنت عنه مصر بتكلفة تصل إلى 500 مليون دولار، حيث رحبت القمة بالجهود التى تبذلها القاهرة لتثبيت التهدئة وإعادة الإعمار فى قطاع غزة، ودعا القادة المجتمع الدولى لبذل جهوده لتخفيف الأزمة الإنسانية فى القطاع، والمعروف أن تلك القمة جاءت فى توقيت دقيق ومهم، ويمكن أن نستشف منها مجموعة من الثوابت والمواقف التى حرص الزعماء الثلاثة على تأكيدها، وأولها: تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسى والملك عبدالله، على أن القضية الفلسطينية هى القضية العربية الأولى، وأن مواقف مصر والأردن الثابتة تتمثل فى دعم الشعب الفلسطينى وحقوقه العادلة، وفى مقدمتها حقه فى دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وفق القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية، القمة تناولت أيضا الاتصالات الأخيرة بهدف إيجاد أفق سياسى حقيقى لإعادة بذل جهود فاعلة لحل الصراع على أساس حل الدولتين كسبيل وحيد لتحقيق السلام الشامل والعادل. 


 واللافت هنا أن القادة قد كلفوا المسئولين فى الدول الثلاث بالعمل على بلورة تصور لتفعيل جهود استئناف المفاوضات وإحياء عملية السلام، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وبرعاية الرباعية الدولية، على أن يتم استعراض هذا التصور خلال القمة الثلاثية المقبلة المنتظر عقدها فى عمان، وحددوا فى نفس الوقت مجموعة من المواقف الحاسمة بشأن التحركات والإجراءات التى تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلى ومن بينها: رفض الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية التى تقوض حل الدولتين وفق الشرعية الدولية، بما فيها بناء المستوطنات وتوسعتها فى الضفة الغربية المحتلة، وكذلك القدس الشرقية، ومصادرة الأراضى وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم، والتشديد على ضرورة منع طرد الفلسطينيين من أحياء القدس خصوصاً حى الشيخ جراح وسلوان، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على الوضع التاريخى والقانونى القائم فى القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، ورفض جميع الممارسات التى تستهدف المساس بهذا الوضع، وضرورة وقف الممارسات التى أدت للتصعيد الأخير فى مايو الماضي، سواء فى القدس الشرقية أو فى المسجد الأقصى المبارك- الحرم القدسى الشريف، وأهمية العمل على الحفاظ على التهدئة بصورة شاملة، والتذكير والتأكيد بأهمية تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتجاوب جميع الأطراف مع الجهود التى تبذلها مصر والقيادة الفلسطينية، والعمل على إعلاء المصلحة العليا للشعب الفلسطيني. 
وفى الوقت الذى نلمس فيه وجود إرادة سياسية قوية بين دول القمة الثلاثية، بالتزامن مع العديد من التحضيرات لبلورة المواقف المشتركة والإعداد لاجتماع مرتقب لمناقشتها فى ضوء ما ستسفر عنه الأيام القادمة، سنجد أن هناك نفس الإرادة القوية لدى دول آلية التعاون الثلاثى بين مصر والأردن والعراق، بما تحمله من تدعيم للقدرات فى مواجهة القضايا الملحة فى المنطقة، وفى مقدمتها تحقيق التنمية والتكامل والتعاون، بالإضافة إلى مواجهة الإرهاب وتدخل القوى الأجنبية فى المنطقة بكل ملفاته وتبعاته فى الشرق أو الغرب.


ولا يملك المراقب للأحداث سوى أن يثمن الأداء الذى يتم فى غرف عمليات السياسة الخارجية المصرية والأجهزة المعنية بمستوياتها المختلفة، وكل ما يراه العالم من تناسق كبير وتناغم دقيق بين كل الملفات، حتى لو ظهر للبعض أنها بعيدة.. مختلفة أو لا علاقة بينها، وفى هذا السياق شهدت القاهرة مباحثات مهمة للغاية بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس القبرصى نيكوس أناستاسياديس، حيث تم عقد أول اجتماع للجنة العليا الحكومية المشتركة بين البلدين، وهى خطوة ترتبط بمسارين متناغمين الأول يتعلق بالعلاقات الثنائية، والثانى فى إطار آلية التعاون الثلاثى التى تضم اليونان، ويأتى الاجتماع فى توقيت مهم للغاية تدعم فيه مصر قضية وحدة الأراضى القبرصية، إضافة إلى مناقشة قضايا الغاز المختلفة، وغير ذلك من قضايا الطاقة، حيث ستكون قبرص بوابة الربط مع الشبكة الكهربائية فى أوروبا، ومصر بوابة الربط مع الشبكة الإفريقية، وينتظر أن يتم خلال ذلك الشهر التوقيع على مذكرة الربط الكهربائى بين مصر وقبرص، وكذلك عقد الاجتماعات الفنية الخاصة بمشروع خط أنابيب نقل الغاز الطبيعى تحت سطح البحر، الذى سيربط حقل «أفروديت» القبرصى بمحطتى الإسالة المصرية فى إدكو ودمياط تمهيداً للتصدير للأسواق الأوروبية، ناهيك عن الجوانب المتعلقة بمجالات الدفاع والتعاون العسكرى والأمني، كما لا يمكن لأى مراقب أن يغفل تلك التقارير التى تدور حول استضافة الأردن الأسبوع المقبل، لاجتماع رباعى مصرى سورى لبنانى أردني، بحيث يتم من خلال التنسيق الفنى فيما بينها، نقل الغاز والكهرباء من مصر إلى لبنان.


هل تعرفون قيمة وحجم ما تنجزه مصر ويصب فى رصيدها ورصيد كل دول المنطقة، هل تعرفون قيمة دبلوماسية المصالح المشتركة للجميع التى تنتهجها مصر، بحيث تصبح الثمار لمصلحة الجميع، وتكون العلاقات عبارة عن سلة متنوعة من المصالح يتم اقتسامها، وهى أيضا بعبارة أخرى قالها الرئيس السيسى منذ سنوات فى المحفل الأفريقى وهى «شركاء التنمية»، تتحول فيه كلمة منافسة إلى تعاون يعود بالخير على الجميع، وهو نفس النهج الذى تتبعه القاهرة فى قضية مهمة مثل سد النهضة، وكما نجحت الدولة المصرية فى النهوض بعد تصديها للإرهاب وخطط الترهيب بمختلف صوره، تمد يدها لمحيطها العربى والأفريقى والمتوسطى، فنجد سوريا تتنفس، ولبنان يتحسس الأمل والعراق ينهض، وليبيا تتحرر والسودان ينتفض.


مصر يا سادة تكتب فصلاً جديداً فى العلاقات الدولية، بحيث تستعيد قيمتها ليتعاون «الجميع» بما يحقق مصالح «الجميع»، بعيداً عن الصراع والمنافسة ليكونا دائماً الخيار الصعب والأخير.. ودائما ودوما وأبداً.. تحيا مصر.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة