ننفرد نحن المصريين عن كل شعوب العالم بأننا شعب من الخبراء.. في كل أزمة أو حدث ضخم، يظهر المعدن الحقيقي للمصريين.. كل منا يفتي ويحلل ويضع تصوراته وخططه.. لا يختلف الأمر إن كانت القضية تتعلق بمباراة في كرة القدم أو سقوط طائرة في أعماق البحر.
نحن نقع في هذا الفخ غالبا عن طيب قصد.. بغرض ادعاء العلم بكل شيء.. ولا يستحي مقدمو البرامج من أن يقتحموا كل الموضوعات ليظهروا لنا أنهم عالمون في كل المجالات.. وهم لو تكلموا فقط فيما يفهمونه لكان الأمر مختلفا.. ولاحترمناهم واحترمنا آراءهم.. البعض أيضا يحب الاستظراف في وقت لا يحتمل ولا يليق.. سواء في كلامه أو في ملبسه.. ومنهم من يستضيف من يساعده علي الدخول في مناطق مظلمة من أي قضية حتي يبدو الاثنان خبيرا يحاور خبيرا.
الإعلام الغربي يقع أيضا في نفس الفخ.. ولكن الفارق هو أن الغربي يفعل هذا عن قصد.. وأبرز دليل هو الجريمة التي ارتكبتها محطة « CNN « عندما أعلنت بعد ساعات من اختفاء طائرة مصر للطيران لحظة دخولها المجال الجوي المصري أن الطيار المصري الشاب المشهود بكفاءته وحسن سلوكه قد انتحر عمدا ليسقط الطائرة بمن فيها في أعماق البحر.. لكن ضغط الرأي العام.. والموقف المصري السريع الحاسم أجبر المحطة علي التراجع.
لا شك في أن الإعلام الغربي « يضع مصر في دماغه «.. وهو ينفذ هذا بتعمد وبخطة ممنهجة.. أما نحن فلا نعرف كيف نواجه تلك الخطة.. وكيف لنا هذا ونحن ليس لدينا جهاز إعلامي قادر علي ذلك.. غابت وزارة الإعلام عن الوجود.. وغابت هيئة الاستعلامات عن المشهد كما غابت عن كل مشهد.. وترك الأمر لبعض الإعلاميين الذين تفرد لهم الساعات علي القنوات الفضائية.. وهو درس يجب أن نخرج به من تلك الأزمة.
وكما ذكر الرئيسان السيسي وأولاند.. فان كل الاحتمالات المتعلقة بأسباب تحطم الطائرة وسقوطها في البحر مفتوحة.. وبعيدا عن كل الأخطاء التي أرتكبت من الخبراء المزعومين فان سيناريو الحادث لا يخرج عن احتمالين لا ثالث لهم.. الأول هو حدوث عطل فني وحريق تسبب في الدخان الذي انبعث من منطقة الحمامات والكارجو (الحقائب).. انتقل مباشرة إلي منطقة أجهزة الحاسب التي تتحكم في قيادة الطائرة وتوجد أسفل الحمامات تحت كابينة القيادة، وجعل الطيار يفقد السيطرة علي الطائرة.. أما الاحتمال الثاني فهو حدوث انفجار عن طريق وجود قنبلة تم زرعها بطريقة ما أو مؤثر خارجي، وهو ما يبرر الدخان الذي انتشر في أكثر من مكان في الطائرة، وتسبّب في سقوطها السريع والمفاجئ من هذا الارتفاع، وعدم قدرة الطيار علي إرسال أي نداء استغاثة.
درس آخر يجب أن نخرج به.. وهو ضرورة الإعلان عن متحدث وحيد لأي أزمة.. بحيث لا ندخل الناس في دوامة.. ونوقف ماسورة الخبراء التي تضرب في وجوهنا عند كل أزمة.. ولا يتصور الناس أن آراءهم تلك هي رأي الدولة. في ظل فشل جهاز الدولة المختص بالإعلام.
من الطبيعي أن تكون مصر مستهدفة.. هي كذلك فعلا طوال تاريخها.. لكنها في هذه الأيام تتعرض لمحاولات انتقام.. ومحاولات تركيع.. وقضاء كامل علي أي محاولة للتقدم نحو المستقبل.. قوي الشر في الداخل والخارج تكرس كل جهودها لتحقيق هذا الهدف الأسود.. ونحن ندرك أن هناك مؤامرة واضحة نتعرض لها.. وفي كل أزمة نقول إنها تزيدنا تماسكا وإصرارا. ولكن علها تزيدنا خبرة وعلما. بالتأكيد تخطط تلك القوي لأهدافها تخطيطا محكما.. وهي لا تعمل بعشوائية.. فحادث سقوط الطائرة الروسية الخارجة من شرم الشيخ كان هدفه ضرب السياحة بشكل عام وليست السياحة الروسية فقط.. وجاء بعد عدة زيارات متبادلة قام بها الرئيسان السيسي وبوتين.. وبعد توقيع اتفاقات تسليح وانشاء المحطة النووية، وبعد ذلك تجيء إيطاليا.. حادث خطف الباحث الإيطالي ريجيني كان يهدف إلي هز العلاقات المصرية الإيطالية وكسر الجسر الاقتصادي المتمثل في تنمية حقل الغاز المكتشف حديثا في مياه البحر المتوسط.. وإيطاليا هي الشريك الاقتصادي الأكبر لمصر.. وأخيرا الحادث الثالث الخاص بطائرة مصر للطيران الخارجة من شارل ديجول كان هدفه تدمير العلاقة مع الضلع الثالث للمثلث الداعم لمصر الجديدة. وهي في نفس يوم خروج حاملة الطائرات ميسترال من فرنسا متوجهة إلي مصر بعد أن سبقتها عدة قطع بحرية لدعم البحرية المصرية.
بالطبع لا يمكن أن يكون كل هذا صدفة.. وهذا يفرض علينا أن نتحسب لضربة جديدة لا قدر الله.. وهو أمر واجب علينا.. فنحن نواجه عدوا قويا منظما ومسلحا بالمال والرجال والمعلومات.. مازالت الحرب طويلة.