داود الفرحان
داود الفرحان


يوميات الأخبار

الانقلابات العسكرية صناعة عراقية قبل الميلاد

الأخبار

الأربعاء، 08 سبتمبر 2021 - 06:38 م

فنحن قوم تحكمنا القرارات لا القوانين. وما مسموح به فى هذه الدولة يعاقب عليه القانون فى دولة أخرى. وما نعتبره أمراً طبيعياً فى هذه العاصمة يعتبر جريمة فى عاصمة أخرى

 

النكتة الدارجة الآن فى بعض الدول العربية الرخوة، هى أن «القانون فى إجازة». لكن القانون فى الدول التى تحترم حقوق الإنسان لا يمكن أن يستمتع بالإجازة لأنه لا ينام ولا يستريح ولا يمرض ولا يسافر ولا يصاب بالسكتة القلبية. 


 وبلد مثل العراق، كان المصدر الأول للقوانين والشرائع على كوكب الأرض، ولا يتصور أحد أن القانون فيه كان «يأخذ إجازة» مثلما أخذتها القوانين العراقية منذ بداية الاحتلال الأمريكى فى عام 2003 حتى الاحتلال الإيرانى القائم حالياً.


 أدرك حكام بلاد الرافدين الأوائل أن المجتمع الذى يبلغ مرحلة من التطور الاجتماعى والسياسى لا يمكن أن يستمر فى الركون إلى الأعراف والعشائر والتقاليد، مثلما هو حاصل الآن فى بلاد ألف ليلة وليلة. ولولا بقية من القوانين السارية التى صدرت قبل 2003 لقلنا إن القانون فى هذا البلد «انتقل إلى رحمة الله» بعد خمسة آلاف عام من القوانين العراقية، فى الحقبتين الرائعتين السومرية والبابلية، وأهمها شريعة حمورابى وشريعة أشنونا.


 يقول لنا التاريخ إن آخر ملوك سلالة لكش 2365 قبل الميلاد هو «أوركا جينا»، وكان كاهناً وجاء إلى الحكم فى أول انقلاب عسكرى فى التاريخ! وهذا يفسر أن العراقيين ظلوا متمسكين بنعمة الانقلابات العسكرية. وخَلّفَ هذا الكاهن وراءه وثائق دُونت فيها الإصلاحات التى أجراها وشملت جوانب متعددة من شئون الحياة.


 ويعتبر قانون دولة أشنونا التى قامت فى محافظة ديالى شمال شرقى بغداد رائداً فى القوانين التى تنظم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية بين الأفراد، وهى مكتوبة باللغة البابلية. ويعود الفضل فى اكتشاف آثار هذه المملكة إلى بعثة أمريكية من جامعة شيكاغو زارت العراق خلال الفترة من 1930 إلى 1938 وعثرت على عدد كبير من المعابد والقصور ومنازل الشعب فى تلك الحقبة التاريخية فى الألف الثالث قبل الميلاد (عصر فجر السلالات) وفى الألف الثانى قبل الميلاد (العصر البابلى القديم).


 وتقول دراسة حديثة إن حكام العراق القدماء أدركوا الحاجة الماسة إلى وجود قانون يقوم بتنظيم الحريات ونشر العدل الاجتماعى والمتطلبات الإنسانية الأخرى. وقد عالجت شريعة أشنونا أهم جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية واهتمت بتحديد أسعار الأغذية الرئيسية كالدقيق والزيت والملح وأجور العربات والقوارب والفلاحين والعقوبات الخاصة بجرائم ذلك العصر والعلاقات الأسرية والاجتماعية.  


 الهدف من التذكير بتلك القوانين القديمة هو أنه لا يمكن لأى مجتمع أن يتقدم بدون احترام القانون وبدون نصوص ومواد تحدد الحقوق والواجبات بين السلطة والأفراد. إن جزءاً كبيراً من الإشكالية العربية يعود الى غياب القوانين التى تحكم المجتمع، فنحن قوم تحكمنا القرارات لا القوانين. وما مسموح به فى هذه الدولة يعاقب عليه القانون فى دولة أخرى. وما نعتبره أمراً طبيعياً فى هذه العاصمة يعتبر جريمة فى عاصمة أخرى. والقرار الذى يصدر فى الصباح يلغيه قرار آخر فى المساء.

والقانون الذى صدر قبل عامين جرت عليه عشرة تعديلات حتى الآن. ونحن نطالب الأمم المتحدة باحترام القانون الدولى فى الوقت الذى لا نحترم فيه قوانيننا المحلية. والكيل بمكيالين ليس من صفات الإدارة الأمريكية الشريرة وحدها ولكنه موجود فى معظم الإدارات العربية أيضاً.    
 إقرأوا هذه المفارقة العجيبة بين القوانين الإنسانية العراقية الموغلة فى عمق التاريخ وتقرير بعثة الأمم المتحدة «يونامى» ومكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان الذى صدر فى أغسطس الماضى عن التعذيب فى السجون العراقية الحالية وشهادات سجناء ومعتقلين تعرضوا لعمليات تعذيب رهيبة. وعلى الرغم من أن القوانين العراقية تُحرم التعذيب وتنص على ضمانات إجرائية لمنعه، فإن التقرير يوضح ما يعرفه كل العراقيين أن هذه الممارسة الوحشية مستمرة فى السجون فى جميع أنحاء البلاد، وكان آخر الضحايا المرحوم لطيف نصيف جاسم وزير الثقافة والإعلام العراقى فى عهد الرئيس الراحل صدام حسين الذى نُقل إلى المستشفى قبل أسبوعين وهو مصاب بجلطة دماغية وجلطة قلبية وفقدان الوعى وارتفاع الضغط والسكر وتوقف الكلية ما أدى إلى وفاته رغم اهتمام رئيس الوزراء العراقى الذى جاء متأخراً. قال أحد السجناء: «لقد عشت أسوأ أيام حياتى من الضرب بأنابيب معدنية إلى الصعق بالكهرباء إلى التعليق فى سقف قاعة التعذيب، وإجراءات أخرى أصابتنى بالإغماء فترة طويلة». 


 الحمد لله أننا لم نُصَب بالإغماء، لكننا أُصبنا بالإغفاء منذ فترة طويلة.


ودمعٌ لا يُكفكفُ يا دمشق 


فارس الخورى رئيس وزراء لبنان 1944- 1946 ومن مؤسسى سوريا الحديثة، نال جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية من مصر مع أحمد لطفى السيد أحد وزراء المعارف ومن رواد حركة النهضة والتنوير فى مصر. 


وقبل أن يصبح الخورى رئيساً للوزراء كان أول وآخر مسيحى يتولى منصب وزير الأوقاف الإسلامية. وحين قال له الجنرال هنرى جورو المندوب السامى الفرنسى فى سوريا ولبنان أن بلاده جاءت إلى سوريا لحماية مسيحيى الشرق، ذهب الخورى فى يوم الجمعة التالى إلى الجامع الأموى وصعد إلى منبره وقال: إذا كانت فرنسا تدعى أنها احتلت سوريا لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحى من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله. فأقبل عليه مصلو الجامع الأموى وحملوه على الأكتاف وخرجوا به إلى أحياء دمشق القديمة فى مشهد وطنى تحول إلى مظاهرات حاشدة من قبل أهالى دمشق المسيحيين وهم يهتفون لا إله إلا الله.


 لم يتظاهروا كمسلمين أو مسيحيين، ولكن كل أبناء الوطن حينها كانوا سوريين. وهكذا كان شأنهم فى مصر ولبنان والعراق. الوطن هو الأساس الذى يحمينا ونحميه.


موناليزا داخل حقيبة كبيرة


 يشاهد لوحة الموناليزا سنوياً أكثر من ستة ملايين شخص من مختلف الجنسيات والألوان. وهو رقم لم يكن يحلم به رسامها الإيطالى ليوناردو دافنشى ولا أى رسام آخر. والغريب أن هذه التحفة لم تنل حظها من الشهرة إلا بعد أن تعرضت للسرقة فى عام 1911 فى متحف اللوفر فى باريس من قبل لص غير محترف هو الرسام والنقاش الإيطالى بيروجيا. الذى كان ينوى سرقة لوحة أخرى لكنه عدل عن رأيه وسرق الموناليزا لأنها أصغر حجماً.. ليس إلا!
 وقصة اللص تستحق أن تروى فهو واحد من آلاف المهاجرين الإيطاليين الذين يلقبهم الفرنسيون باسم (المكرونة) وعمل فى متحف اللوفر لفترة قصيرة، مما سهل عليه دخوله من دون أن يستوقفه أحد، ثم الخروج منه حاملاً أغلى لوحة فى العالم بعد أن دسها فى بدلة العمل الفضفاضة التى كان يرتديها.


 ورغم أنه ترك بصمة إبهام كبيرة على الإطار الذى لم يسرقه إلا أن اسمه لم يطرح أبداً خلال التحقيق، لكن التهمة طالت الرسام الشهير بيكاسو. وقد احتفظ بيروجيا باللوحة فى مسكنه تحت الموقد لأكثر من عامين قبل أن يبعث رسالة الى أحد باعة التحف القديمة فى فلورنسا يعرض فيها إعادة الموناليزا إلى إيطاليا مقابل نصف مليون ليرة.


 وبعد ذلك سافر إلى فلورنسا حاملاً الموناليزا فى حقيبة كبيرة، ثم قصد فندقاً رخيصاً هو فندق البيركو الذى مازال موجوداً حتى الآن ولكن باسم آخر هو فندق الجيوكوندا وهو الاسم الآخر للوحة. وأمام بائع التحف القديمة ومدير أحد معارض اللوحات الإيطالية فتح بيروجيا الحقيبة وأخرج منها بعض الأحذية القديمة والملابس الصوفية، ثم رفع قاع الحقيبة الزائف فظهرت الموناليزا.


 وفى اليوم التالى ألقى القبض على الفنان اللص وحكم عليه بالسجن لمدة عام واحد.. لكن الموناليزا انطلقت فى عالم الشهرة لتصبح أشهر لوحة فى العالم باعتبارها تحمل أجمل ابتسامة عرفها الفن، وأكثرها غموضاً، وأثمنها قيمة.


شارلى.. ذلك الطفل


 الفنان مثل الشاعر؛ لابد أن تكون مشاعره مرهفة. هذه قصة يرويها شارلى شابلن: عندما كنت صغيراً ذهبت برفقة أبى لمشاهدة أول عرض فى سيرك متنقل. وقفنا فى صف طويل لقطع التذاكر. وكانت أمامنا عائلة مكونة من ستة أولاد والأم والأب. كان الفقر بادياً عليهم، يرتدون ملابس قديمة لكنها نظيفة. وكان الأطفال فرحين جداً وهم يتحدثون عن السيرك. 


 وبعد أن جاء دورهم تقدم الأب الى شباك التذاكر وسأل عن سعر التذكرة، فلما رد عليه البائع تلعثم الأب وهمس فى أذن زوجته وعلامات الإحراج على وجهه، فرأيت أبى يخرج ورقة بعشرين دولاراً ويرميها على الأرض، ثم انحنى والتقطها ووضع يده على كتف الرجل وقال له: لقد سقطت نقودك. نظر الرجل الى أبى وقال له والدموع فى عينيه: شكراً يا سيدى. وبعد أن دخلت الأسرة أمسكنى أبى من يدى وخرجنا من الصف لأن أبى لم يكن يملك غير العشرين دولاراً التى أعطاها إلى رب الأسرة.


 ويقول شارلى شابلن ملك الكوميديا فى السينما الصامتة: منذ ذلك اليوم وأنا فخور بأبى. كان ذلك الموقف أجمل عرض شاهدته فى حياتى، أجمل بكثير من عرض السيرك الذى لم أشاهده!


فانوس
بعض السياسيين فى العالم كالقرود فى الغابة: إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول.
الروائى الانجليزى جورج أورويل

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة