علي الحكومة أن تبادر من باب الشفافية التي تدعيها بإعلان الأسباب فهل السماح بالتصدير هو السبب وهل هناك احتكارات في هذه السلعة المهمة

أيام قليلة ويهل علينا شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا بالخير واليمن والبركات.. ما علينا فرغم أنه شهر تقوي وعبادة وغفران لكننا كالعادة نعتبره شهر الأكل والمسلسلات.. نتكالب علي شراء السلع وتخزينها وكأنها نهاية الدنيا بما يتنافي مع الحكمة من الشهر الكريم.
ليس هذا فقط بل بيننا من يستعد للشهر الكريم بشحن روح الجشع بتخزين السلع وتعطيش السوق ثم عرضها بأسعار مبالغ فيها بهدف تحقيق الربح السريع ولن أقول تأدبا سعيا وراء الربح الحرام.
الغريب أنه وعلي عكس المتوقع تماما وعلي الاتجاه المضاد لتصريحات الحكومة الوردية فاجأتنا الأيام الأخيرة بارتفاعات في أسعار عدد من السلع دون مبررات معقولة وأحيانا دون إبداء الأسباب.
الغريب أن تطول زيادات الأسعار سلعا ضرورية لا تنفع معها معادلات مرونة الطلب مثل الأرز الأبيض الذي يستهلكه معظم المصريين خاصة أهل بحري مثل الخبز تماما ولا يمكن أن تسري عليه بأي حال من الأحوال مبدأ «بلاها رز» فهو بند أساسي علي المائدة المصرية.
لسان حال المصريين ينعي حالة الأرز بعبارة «آه لو رخصت يا رز لتبدلت الأحوال كنت أجري جري في جري وأجيب لي منه شوال» علي غرار الأغنية الشعبية الشهيرة للمطرب الشعبي أحمد شيبة «آه لو لعبت يا زهر».
كيف يلعب الزهر يا عم شيبة وكيلو الأرز السائب ارتفع في أقل من شهرين من 350 قرشا إلي 850 قرشا لسبب غير معروف ولا يمكن تفسيره إلا بوجود من يتعمد تعطيش السوق بهدف ضرب استقرار المجتمع والنيل من علاقة الثقة الكبيرة التي أعطاها الشعب لقيادته.
علي الحكومة أن تبادر من باب الشفافية التي تدعيها بإعلان الأسباب فهل السماح بالتصدير هو السبب وهل هناك احتكارات في هذه السلعة المهمة وأين هيئة السلع التموينية التي تتولي الشراء للعرض في المنافذ الحكومية؟ يقينا لا شئ يأتي من فراغ ولا دخان بغير نيران وعلي الدولة أن تتحرك بشكل سريع لاثبات فعاليتها في مواجهة مافيا الاحتكارات التي تلعب في الأسواق كيفما تشاء وسط صمت مطبق من الحكومة.
لماذا ودائما لا نتحرك إلا من باب ردود الأفعال وما كميات الأرز المخزنة التي تعلن وزارة التموين عن طبطتها بالأطنان إلا دليل دامغ علي تقاعس أجهزة رقابية مختصة بالتموين عن أداء دورها بشكل مستمر وفعال.. وحال كانت هذه الأجهزة تقوم بدورها ما كنا واجهنا أزمة أرز أو غيره.
أخص بالتركيز علي الأرز كونه سلعة غذائية ضرورية وأساسية للأسرة المصرية ناهيك عن مجموعة كبيرة من السلع بينها الأجهزة الكهربائية ومعدات الكهرباء ولن أبالغ إذا ما قلت إن الارتفاعات شملت جميع السلع بدعوي ارتفاع الدولار. وأتساءل لماذا تصمت الحكومة علي قضية الدولار التي يستخمها الغالبية ولن أقول الأقلية شماعة بحق أو دون حق لرفع الأسعار.
لماذا لم تبادر الحكومة بإعلان - أكرر إعلان - جداول استرشادية لنسب تأثير ارتفاع الدولار علي السلع خاصة الضرورية منها فلا يعقل أن يفاجأ المواطن بارتفاعات في الأسعار وأن يفاجأ بالرد الجاهز المعلب «شوف الدولار بقي بكام».. علينا ألا ندفن رءوسنا في الرمال مثل النعام وأن نخبر المواطن بالحقيقة وعندها سنلقي بالكرة في ملعبه ونؤهله نفسيا بتقبل أي زيادة مؤقتة في تكلفة الإنتاج بطمأنته علي أن أمواله تذهب في وجه حق وليس لجيوب الجشعين.
لنأخذ العبرة من القرار الأخير الخاص بزيادة 20% في أسعار الأدوية الرخيصة التي تقل قيمتها عن 30 جنيها، حيث أعلنت الحكومة القرار بشجاعة وشفافية تحسد عليها بل وأوضحت للشعب ببساطة مبررات القرار.. وعندما عرف الشعب واقتنع بمبررات القرار والتي تتلخص في مساندة المصانع علي الإنتاج في ظل ارتفاع التكلفة وحفاظا علي المادة الفعالة في الدواء استجاب للقرار ورفع القبعة للحكومة فتحمل بعض الزيادة السعرية في أدوية ضرورة أجدي وأنفع من اختفائها من السوق أو تسريبها بأسعار مضاعفة إلي السوق السوداء.
أقول للحكومة: يا جماعة الخير المواطن سيظل في كل عصر وحين أذكي من أي حكومة وهو غاية أي تنمية فلا تعاملوه بمنطق «عدو ولا حبيب» بل عاملوه بطريقة ماجدة الرومي «ضمني حاسسني بوجودي».. مجرد نصيحة ولتعلموا أن «جنة من غير ناس ما تنداس».