بعد أن تخلت الدولة عن الفلاح لم تعد أغنية عبدالوهاب.. «محلاها عيشة الفلاح» تعبر عن الواقع المؤلم الذي يعيشه الآن

لاشك أن المشروعات العملاقة التي يتم افتتاحها هذه الأيام.. وتكلفت مليارات الجنيهات تدل علي أن الدولة تسير في الطريق الصحيح.. نحو تعديل البنية التحتية التي انهارت طوال السنوات الماضية.. ولأن هذه المشروعات العملاقة من أجل بناء الدولة الحديثة.. فإنها أكبر من قدرة المواطن الغلبان والبسيط والذي لا يشعر بها علي الاطلاق.. لأنها بعيدة عن طموحاته أو تفكيره.. فأقل سعر شقة يتم الحصول عليها من وزارة الاسكان بعد اجراء القرعة تتكلف آلاف الجنيهات.. فمن أين يأتي بها؟.. أما الطرق والكباري فهو لا يمتلك سيارة.. وبالتالي لا يستخدمها.. ولكن ما يشعر به المواطن البسيط هو ارتفاع الأسعار والذي شمل كل السلع بشكل مبالغ فيه.. بحجة ارتفاع الدولار ونحن علي مشارف شهر رمضان.. فهذا المواطن يهمه في المقام الأول توفير لقمة العيش له ولأولاده حتي ولو كان علي حساب المتطلبات الأخري من تعليم وصحة، فهل من المعقول ان يتعدي ثمن كيلو الأرز ثمانية جنيهات والخيار 5 جنيهات والطماطم 4 جنيهات.. أما الفاكهة فهي لمجرد الفرجة عليها لأن قدرته المالية لا تسمح له بشراء كيلو واحد من أي نوع.. أما اللحوم والدواجن فهي أبعد ما يكون عن متناوله وأيضاً متطلبات شهر رمضان أصبحت خارج تفكيره لأن مجرد العلم بالأسعار ستصيبه بالاغماء وقد تصل الي السكتة القلبية.
كل هذه المتغيرات التي شملت المجتمع.. لا يشعر بها إلا المواطن وخاصة في الريف حيث يعاني الفلاح من قسوة الدولة عليه فمنعته من زراعة الأرز بحجة عدم توافر المياه ولكنها متوافرة لسكان المنتجعات.. وإذا زرعه تطارده الدولة بالغرامات.. وهي لا تعلم بأن الأرز بالنسبة للفلاح هو الحياة!.. وإذا زرع قمحاً لا يجد من يشتريه.. أما القطن فأصبحت زراعته هما ثقيلاً.. هكذا تتعامل الدولة مع الفلاح الآن تحاصره من كل جانب.. بنك التنمية والائتمان الزراعي يتحكم في مستلزمات الانتاج.. وبالتالي اصبح الفلاح يشتري كل شيء من السوق السوداء.. ويكون الانتاج في النهاية غير متكافئ مع التكلفة.. وبعد أن تخلت الدولة عنه لم تعد أغنية عبدالوهاب.. «محلاها عيشة الفلاح» تعبر عن الواقع المؤلم الذي يعيشه الآن.
ومشكلة ارتفاع الأسعار غالبا خارج سيطرة الدولة ولكن يتحكم فيها التاجر بدءاً من الجملة وحتي التجزئة.. فتاجر الجملة يهمه أن تنتفخ جيوبه من دم المصريين فيقوم بتخزين السلع الحيوية والمهمة للمواطن ويفرج عنها عند حدوث الأزمة ليتحكم في السعر كما يريد.. وتاجر التجزئة يحدد الأسعار التي تحقق له أعلي هامش ربح وليس علي استعداد أن يقلل من الأسعار حتي ولو تلفت البضاعة خاصة تجار الفاكهة والخضراوات.. وارتفاع الاسعار لم يشمل السلع المحلية فقط بل امتد وبشكل جنوني إلي السلع المستوردة فهي مرتبطة بالدولار.. والدولار يتعالي علي الجنيه المصري.. فكلما ارتفع الدولار سقط الجنيه المصري إلي القاع.. والمتتبع لحركة ارتفاع الاسعار سيجدها شملت كل شيء بدءاً من لقمة العيش.. مروراً بالشقة والسيارة والملابس والعلاج، وأصبح علي كل شاب يريد الزواج أن يناضل ويكافح ومعه أسرته حتي يتم توفير متطلبات الزواج.. وللأسف ومع الارتفاع الرهيب للأسعار ظل ثمن المواطن عند الوفاة في حادث عشرة آلاف جنيه فقط لا غير.. فهو لا يتأثر بالتقلبات العالمية للاسعار.
الختام: في حادث سقوط الطائرة المصرية.. انتابني شعور بالقهر وأنا أشاهد أولاد بلدي المعارضين للحكم وهم يظهرون فرحتهم بسقوط ضحايا.. فهل هناك شماتة في الموت؟ وهل الديانات السماوية تشمت في الموتي.. ياخسارة.. ولا تحزن ياقلبي لأن هؤلاء سيكون حسابهم أمام الله وليس أمام العبد. رحمة الله علي كل شهدائنا.