في الخامس عشر من مايو ١٩٤٨.. أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب ( الاحتلال ) البريطاني لأرض فلسطين.. وكان ذلك القرار تمهيدا للقرار الذي أعلن في ذات اليوم بإعلان دولة إسرائيل.
وبعد ٦٨ سنة من الصراع العربي الإسرائيلي عقب قيام الدولة الصهيونية طرح الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة جديدة لإنهاء هذا الصراع.. وهي مبادرة جريئة شجاعة جاءت في وقت لم يكن متوقعا.. وفي ظروف صعبة.. ربما تكون أصعب الظروف التي مرت بها الأمة العربية منذ نشأة الأزمة.
في ١٩٤٨.. كانت معظم الدول العربية محتلة.. ومهلهلة وغير قادرة علي المواجهة.. وقادت مصر مهمة المواجهة.. وعلي الرغم من عدم جاهزية الجيش المصري علي مواجهة جيش من العصابات الصهيونية مدعم بقوات بريطانية وفرنسية.. إلا أن الجيش المصري واجه وحاول وانخدع وانكسر.. وفقد الآلاف من خيرة أبنائه.. ولكن الوضع علي الأرض.. والدعم العسكري والسياسي الدولي جعل من إسرائيل حقيقة واقعة علي الأرض الفلسطينية.. النكبة..
وبعد تأميم قناة السويس في ١٩٥٦.. تحالفت بريطانيا وفرنسا مع إسرائيل من أجل كسر الإرادة المصرية.. وتحطيم كل الطموحات التي كانت تسعي لقيام دولة تعتمد علي مواردها في بناء السد العالي وصناعة وطنية ومشروع دولة قوية.. وانتهي الأمر بدعم دبلوماسي سوفييتي أجبر الدول الثلاث علي الانسحاب من سيناء.. لتخرج الأمبراطوريتان البريطانية والفرنسية من مسرح الصراع لتحل محلهما الأمبراطوريتان الجديدتان أمريكا والاتحاد السوفييتي.. ويدخل الصراع مرحلة جديدة كان الدعم الدولي لإسرائيل فيها أقوي وأكثر تحيزا وأشد تنظيما.
وفي عام ١٩٦٧.. كان الفخ الذي وقعت فيه الجيوش العربية بقيادة مصر.. وانكسرت الجيوش العربية.. وفقد الجيش المصري معظم معداته وعشرات الآلاف من أبنائه.. وصور العالم جيش إسرائيل القوة التي لا تقهر.. بعد أن ضم إلي الأراضي الإسرائيلية أضعاف مساحاتها من أرض سيناء المصرية والجولان السورية والضفة الغربية الفلسطينية.. النكسة.. ولأن المصري لا يقبل الهزيمة.. ولا يطيق طعم الانكسار.. تحقق النصر الذي أذهل العالم في أكتوبر ١٩٧٣.. وهو نصر أعاد الثقة للجيش المصري.. وأعاد الروح للإرادة المصرية.. وغير نظرة العالم للأمة العربية التي اعتبرها العالم جثة بلا حراك.. ولكنها انتفضت وانتصرت.. ومع الدعم العسكري والدبلوماسي المتزايد لإسرائيل.. رفعت مصر دعوة السلام.. وكان الرئيس العظيم الراحل أنور السادات هو صاحب قرار الحرب وقائد النصر الكبير.. وهو صاحب القرار الشجاع والمفاجئ للسلام.. الذي انتهي باستعادة كامل الأرض المصرية.. وكان من الممكن أن تعود كل الأرض العربية لولا قصر نظر الزعماء العرب في ذلك الوقت.. وتضيع أكبر وأهم فرصة لاستعادة الأرض.. وتحقيق السلام.. وأصبحنا اليوم نتفاوض علي واحد من عشرة مما كان مطروحا علي الطاولة في ذاك الوقت.
مبادرة الرئيس السيسي كانت مفاجئة للجميع.. فلم يكن مكان إعلانها متوقعا.. ولا توقيتها.. فالعالم العربي.. خاصة دول المواجهة.. ودول الدعم.. وقوي الردع.. جميعها تمر بظروف بالغة الصعوبة.. ما بين حروب أهلية.. وتقسيم وتمزق.. وانهيار لقواتها المسلحة.. وحروب إرهاب.. وحروب اقتصادية لكسر إراداتها وتجويع شعوبها.
في كل لحظة.. نقول إن إسرائيل هي المستفيد الأول وربما الوحيد مما حدث ويحدث علي الساحة العربية.. انكسر الجيش العراقي.. وتلاه السوري.. ولولا إرادة الله ويقظة الشعب ووطنية القيادة لكان الجيش المصري قد لحق بهما.. بعد أن تخلصنا من حكم عصابة الإخوان الخونة.. وتماسك الجيش وطور من قدراته ورفع إمكاناته ليصبح عاشر قوة عسكرية في العالم.
لكن الصراع العربي الإسرائيلي يبقي هو الصراع الرئيسي في المنطقة.. وهو أحد أهم أسباب نشأة وتطور الإرهاب.. وهو أحد أهم الأسباب وراء حرب تمزيق الأمة العربية.. وإضعاف قوتها الاقتصادية.. ومحاصرتها من كل جانب حتي خنقها.. بتهديد مصادر المياه.. وهروب رءوس الأموال.
التمزق الفلسطيني.. أيضا.. أمر مخطط له.. وساهم إلي حد كبير في إضعاف الموقف التفاوضي.. وحول الأزمة إلي أزمة فلسطينية - فلسطينية. ومن هنا كانت المبادرة التي طرحها الرئيس من أسيوط.. مبادرة يقدمها لإسرائيل ويوقعها في أزمة الخيار بين السلام واللا استقرار.. ويقدمها للفلسطينيين للاختيار بين التمزق وضياع الحقوق.. وبين التوحد واستعادة الحقوق.. يقدمها للعالم للاختيار بين السلام والاستقرار.. وبين نار الإرهاب التي تكوي الجميع.
ليت الجميع يتلقف تلك الفرصة.. وألا تكون واحدة من آلاف الفرص الضائعة.