يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لاتخلقوا أولادكم بخلاقكم فهم خلقوا لزمان غير زمانكم.

توقفت كثيراً امام الاحكام الصادرة علي ابنائنا الشباب المشاركين في مظاهرات يوم الأرض.. أنا هنا لن أعلق علي هذه الاحكام.. لأنني أحترم أحكام القضاء وأجلها.. ولا أريد أن أخوض في أمور قانونية متشابكة.
وانما سأتحدث بصفتي أبا لأبناء تقترب اعمارهم من اعمار هؤلاء الشباب.. واتصور اذا كان من الممكن أن يكون اولادي ضمن هؤلاء الشباب.. ولماذا أتصور فهم ايضا أبنائي، فعاطفة الأبوة لاتفرق بين الابن وغيره ممن هو في مثل سنه.
استفزني تناول أمر هؤلاء الشباب في وسائل الاعلام خلال الفترة الماضية، فهناك من تطوع لاشعال الموقف واظهار هؤلاء الشباب، علي أنهم عملاء يقبضون الدولارات من دكاكين منظمات المجتمع المدني علي حد تعبير بعضهم.
إذا كان الأمر كذلك فأنا أتصور أن هؤلاء الشباب ليسوا بالغباء لكي يخرجوا في مظاهرات ويعلمون أن الامن متربص بقوة لاعمال القانون، ويضحون بمستقبلهم الذي لايساويه شيء، ولايعوضه بالتأكيد ما سيحصلون عليه من دولارات اذا صدق ذلك.
واذا كان هؤلاء الشباب تلقوا أموالا مثلما حاول البعض إلصاق هذه التهمة بهم، فمن أين للطرف المقابل له الذي حمل أعلام السعودية بالأموال، وعلي نفقة من حُملت السيارات بأجهزة الـ «دي جي» في وسط شارع رمسيس.
شيء غيرمنطقي ما يحدث، وميزان مختل، يزن به البعض الأمور.. فجريمة الشباب أنهم قالوا ان الجزيرتين مصريتان، وقبلها وعلي مدار أيام طويلة تناولت الأقلام والبرامج التليفزيونية هذا الامر باستضافة، فهناك فريق يقول مصرية ولديه مستنداته، وآخر يقول سعودية ولديه مستنداته.. اذن الجريمة هي خرق قانون التظاهر.. والسؤال هل الطرف المؤيد حصل علي تصريح أو إذن بالتظاهر أم لا؟
الأمر أعمق من ذلك فهؤلاء الشباب تملكهم الحماسة التي يفتقدها الكبار والشيوخ، ويسيطر عليهم الاندفاع، ليلقوا بأنفسهم في النار غيرمبالين بحرقة قلب أهاليهم، فهم مثل الاطفال الذين يمسكون بالنار ويضعون أصابعهم داخل مكابس الكهرباء غير عابئين بعاقبة أمرهم، ومع أنك تحذر أبنك من خطورة مايفعله، الا انه يريد ان يخوض التجربة بنفسه خاصة في فترة المراهقة.
اتحدي أي أب أن يستطيع أن يغير مسار ابنه أو يمنعه إذا أراد الخروج للشارع.. وهناك حادثة شهيرة وهي انتحار إحدي الفتيات من الشرفة عندما رفضت أمها اشتراكها في ثورة ٢٥ يناير.. الطفل الكبير أو الشاب يمتلك من العند ما يجعله لايبالي بعاقبة أمره..
ولماذا لانلقي باللوم علي انفسنا نحن ظلمنا هذا الجيل، فجرنا فيه كل طاقاته في خروجه للمظاهرات المؤيدة والمعارضة منذ ٢٥ يناير وانتهاء بـ ٣0 يونيو.. فرضنا عليه قضية تيران وصنافير لاسباب الحفاظ علي الامن القومي بشكل «الصدمة» ونريد أن نختزل أي رد فعل مصاحب لها.
هذا الجيل كغيره من الأجيال السابقة لاتعجبه حكمة الكبار ويتمرد عليها لأنه ينشد الكمال.. من منا لايختلف مع ابنائه حرصا عليهم.. وكل الابناء يرون ان الأباء لايفهمونهم ولايتواصلون معهم.. وخير دليل علي ذلك ثورة ٢٥ يناير التي فجرتها مواقع التواصل الاجتماعي، بعيدا عن رقابة الاباء.
إذا كان الشباب هم اصحاب الثورات فلابد أن نلتمس لم العذر، فاذا كان الشاب عمره ما بين ٢٠ و٢٥ عاما فيكفي انه قضي منها ٥ سنوات في جو ثوري، طالب وحلم بدولة مثالية تقوم علي العدالة والحرية والكرامة الانسانية.
هذا الجيل مظلوم فهو محروم من التواصل مع اسرته لانشغالها بتوفير لقمة العيش، ومع مدرسته لانه لايذهب إليها، ويكتفي بالدروس الخصوصية.. هذا جيل لديه فراغ يحاول ملأه باشياء كثيرة، اهمها علاقته بالانترنت مع من في سنه.
حتي الانظمة التعليمية أهملت ابناءنا.. ولم تخاطب المناهج عقولهم، ولم تكن علي مستوي ادراكهم وتطورهم.
لابد أن نعترف بسنة الحياة، وهي الديناميكية والتغيير وأن ما يصلح لهذا الزمان لايصلح لزمن آخر أحدث منه.
وهنا أتوجه للرئيس عبدالفتاح السيسي مخاطبا فيه الأب الذي إذا اخطأ ابنه يحنو عليه ولايقسو ويكتفي بقرصة ودن.. اعلم انه لاتدخل في الاحكام القضائية.. ولكن اعلم ان العفو الرئاسي وعودة اكثر من ١٥٠ شابا إلي أحضان الوطن ليس بالرقم السهل ولا الهين.
اعلم ان الرئيس ليس طرفا، لكن هناك من المتطوعين من يصور أي خلاف في الرأي علي انه موجه للرئيس شخصيا.. هؤلاء المتطوعون يعتبرونك رئيسا لهم وحدهم، ناسين انك بطلاً شعبيا وأب لكل الشباب.
رحمة بآباء هؤلاء الشباب وأمهاتهم الذين يحييون بابتسامة من وجه ابنائهم ويموتون كل يوم وهم يرون ان شقي عمرهم ضاع في السجن وضاع مستقبل أولادهم.
سيدي الرئيس أرجوك باسم كل أب وأم، ان تتدخل وتعفو عن ابنائك في هذه الايام المفترجة، فالمصريون يعتبرونك زعيما وابا يحنو عليهم.. هذا هو قدرك.