مشكلتنا هي سلوكية في المقام الأول حينما نبدأ التفكير في الآخر أولا قبل التفكير في أنفسنا ومصالحنا الشخصية حينها ستري مجتمعا مثاليا

فيما يندرج تحت بند «أدب الرحلات» تناولت في مقال الأسبوع قبل الماضي تحت عنوان «أيام في بلاد ميركل» سلوكيات الألمان في احترام القانون دون خوف من العقوبات وكذلك التزامهم بقواعد المرور والنظافة وإغلاق المحلات في التاسعة مساء والأهم تعاملهم الراقي في كل ما يتعلق بالبيئة.. لم أتوقع رد الفعل الإيجابي تجاه المقال والذي انعكس في رسائل عبر الايميل وتعليقات من القراء واتصالات هاتفية من زملاء المهنة.
ومن بين كل هذا التجاوب الذي يسعد القارئ سواء أكان قدحا أم مدحا استوقفتني رسالة عبر الايميل من القارئ العزيز أحمد الجيار وأستسمحكم في نشرها نصا لغرض في نفس يعقوب لعلها تكون نبراسا لنا جميعا لإعادة النظر في سلوكياتنا التي وصلت إلي الحلقوم.
وبعيدا عن السلامات يا بلديات وكلام الاطراء الذي أشكره عليها قال الجيار في رسالته: «عزيزي....... فرج أبو العز المحترم: أعجبت حقيقة لمقالتك بجريدة الأخبار والتي تلخص حالنا وحال المجتمعات المتقدمة والحقيقة ليست مشاكلنا اقتصادية أو تكنولوجية.. مشكلتنا هي سلوكية في المقام الأول حينما نبدأ التفكير في الآخر أولا قبل التفكير في أنفسنا ومصالحنا الشخصية حينها ستري مجتمعا مثاليا. والآخر هنا أيا كان رجلا أو امرأة.. مسلما أو مسيحيا.. إنسانا او حتي حيوانا.. سلوكنا يحتاج الي اعادة ضبط مصنع.. أشكرك علي مقالتكم مرة أخري».
وللقارئ العزيز أقول: عندك كل الحق لقد أوجزت فأنجزت فسلوكياتنا المرفوضة فاقت كل الحدود ووصلت لدرجة تعوق دورة الحياة الطبيعية إذا ما تركناها هكذا علي وحشيتها ولم تتدخل اجهزة الدولة كل في اختصاصه وكذلك مؤسساتنا البحثية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني وهي الأهم في عملية تقويم السلوكيات برمتها كوننا ولظروف تاريخية أصبحنا نتعامل بالريبة مع كل ما هو حكومي.. بدليل أننا لم نعد ننصت لكلام الحكومة حتي إذا رأيناه مرأي العيون.
هل سألنا أنفسنا كيف نتعامل مع كلاكس السيارة الذي هو موضوع للتنبيه وليس لصم الآذان وأذيتها.. هل رأينا شعبا يتعامل في قيادة السيارات بهذه الطريقة فالكل يتهم الكل بالحمورية وعدم الفهم مع أن حمار الكارو يقود صاحبه للطريق.. هل فكرنا في طريقة تعاملنا نحن كمواطنين مع القمامة قبل أن نسأل الحكومة عن إهمالها. ألم تر يوما مواطنا يتكاسل عن إلقاء قمامته ليقذفها علي بعد أمتار من الصندوق المخصص لها وألم نر مواطنا يصر علي أن يمارس دور لاعب السلة بان يقذف بقمامته من الشرفة مع أن صندوق القمامة علي بعد أمتار من محل سكنه.
كأننا ألفنا غير المألوف وتعايشنا معه وأصبح جزءا من حياتنا فنحن نسرع ونتسابق وقد نتعرض لإصابات للحاق بالأتوبيس أو المترو مع أن معدل التقاطر قد لا يستغرق دقائق.. وأصبح عاديا وأقل من العادي وكذلك في الزمالك وغيرها من الاحياء أن نري مسنا أو مريضا يعاني في وسيلة مواصلات بينما يتظاهر صغار السن الأصحاء بألعاب الموبايل أو النوم.
أيعجبنا حال شوارعنا ووسائل مواصلاتنا من جيوش المتسولين علي كل شكل ولون وبكل أنواع العاهات يمارسون الشحاتة بأبشع صورها فبعضهم يعرض عاهته لعله يبتز خلق الله لدرجة حمل بعضهم البول في أكياس لاقناع الناس بأنه يعاني مشاكل صحية.. لا شك أنها مناظر بشعة تؤذي النفوس قبل العيون ويقيني أنها لا تجدي بالنسبة لهؤلاء المتسولين.
نأتي للحرائق التي داهمتنا في الأيام الأخيرة والتي يلصقها البعض بفاعل مجهول، لكن اليقين أن هذا المجهول لن يكون من العالم الآخر فلاشك أنه بشر يمشي علي قدمين ويعقل ما يفعل دون أن يدرك تداعياته.. تلك الحرائق التي نلصقها دائما وأبدا ودونما تفكير بالماس الكهربائي وراءها بشر ألقي بعقب سيجارة أو يسرق التيار الكهربائي نهارا جهارا دون مراعاة لحقوق الآخرين أو لعله الإهمال الذي أصبح يسري في شراييننا مجري الدم.
في كل دول العالم تجد الشوارع خالية في مواعيد العمل إلا عندنا شوارعنا تعاني الزحام في كل وقت وحين وكأن جميعنا زوغ من عمله وترك الطربوش.. في عز أوقات العمل تجد المقاهي والكافيهات مليئة عن آخرها وكأننا كلنا عاطلون.
‫الكيل فاض بسلوكياتنا الخاطئة والتي قطعا تنعكس في زيادة معدلات الجريمة والاختلالات الاجتماعية.. دعونا نجرب أن نروض سلوكياتنا أو «نعمل لها إعادة ضبط مصنع».