حكاية الرجل الغامض إلهامى
حكاية الرجل الغامض إلهامى


عجوز عمره 21 عاما.. وإقالته أول قرارات الوالى الجديد

حكاوى الحضرى| حكاية الرجل الغامض إلهامى باشا «2»

إيهاب الحضري

السبت، 11 سبتمبر 2021 - 07:41 م

تم إحباط التمرد المؤقت، وفشلتْ محاولات أنصار عباس حلمى فى جعل ابنه واليا على مصر.. ودخل سعيد إلى القلعة وبدأ حُكم البلاد، واتخذ قرارا بعزل الابن المُدلّل إبراهيم إلهامى من نظارة الجهادية (وزارة الدفاع)، وقام بتعيين بديل له.

قبل هذا القرار بيوم واحد بعث الوالى الجديد رسالة للوزير المعزول الموجود فى أوروبا، قال فيها:«نحيطكم علما بأن والدكم عباس باشا قد انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء .. وبناء عليه يجب ترجيح عودتكم على الساحة لوضع اليد على أملاك والدكم المرحوم، ولتسوية أمور وأشغال أسرتكم وإدارتها»، وأخبره أن المركب «فيض جهار» المخصص لنقله سيخضع لبعض الصيانة فى أوروبا قبل رحلة العودة.

قد يرى حسنو النية أن الملحوظة الأخيرة طبيعية، وربما يعتبرها آخرون حيلة لتأخير عودة إلهامى لبعض الوقت، حتى يقضى سعيد على الفتنة نهائيا ويسيطر على الأمور بشكل كامل.

يُعتبر إلهامى أول فرع عربى فى عائلة محمد علي، فخلال وجود والده بالجزيرة العربية تزوج امرأة عربية وأنجبه منها، لم ترد عن هذا الابن تفاصيل كثيرة فى كتابات المؤرخين، وظل حضوره قاصرا على سطور قليلة، ترتبط عادة بقرارات رسمية، غير أن هناك معلومات قليلة كشفتْ عن جانب مُستهتر فى حياته الشخصية، تسبّب فى ضياع ثروته.

يدور كتاب «بنوك وباشوات» لدافيد لاندز حول تآمر بيوت المال الأوروبية على مصر فى القرن التاسع عشر. الكتاب الذى ترجمه د. عبد العظيم أنيس وأصدرته هيئة قصور الثقافة، ركّز على الحُكّام المُستهدفين بالمؤامرة مثل سعيد باشا والخديو إسماعيل، إلا أن إلهامى يظهر فى سياق مفاوضات بين المُمولين الأوروبيين، لإقناع أحدهم بالتعاون مع عائلة أوبنهايم اليهودية، وكانت مسئولة عن إدارة ثروة الابن المُستهتر، الذى ورث عن والده عباس حلمى فى 1854 نحو ثمانين مليون فرنك، بخلاف مساحات شاسعة من الأراضي.

ولأنه لا يرغب فى إدارة كل ذلك وضع نفسه تحت رحمة رجال الأعمال، ومن بينهم عائلة أوبنهايم. لماذا فعل إلهامى ذلك؟ سؤال يجيب عنه مؤلف الكتاب قائلا: «حتى يتسنى له الاستمتاع باللذات المختلفة اللانهائية والتى يُقدّمها الشرق لكل من يتبع هواه».

وكانت النتيجة أنه استنزف ثروته وصحته خلال عامين فقط، حتى إن أحد كبار الأطباء الأوروبيين وصفه بأنه «رجل عجوز فى الواحدة والعشرين من عمره».

اختفت الملايين وغطت الديون أراضيه، واتفق مع «أوبنهايم وشركاه» على إدارتها لمدة 12 عاما، مقابل توفير مصدر جديد للأموال يغطى نفقاته! وبالفعل اقترضت الشركة له 162000 جنيه من بنك كبير بشروط قاسية، لتزداد أزمة إلهامى بعد فترة ويهرب من مصر، واتجهت أنظار الدائنين لخزانة سعيد باشا، وطالبوا الوالى بتعويضهم عن أضرارهم!

التفاصيل كثيرة ومتشابكة، اخترنا منها فقط ما يوضح جانبا من شخصية الباشا الصغير، الذى توفى فى العشرينيات من عمره، بعد حياة قصيرة اتسمت بالاستهتار. 

لم يكن هروب إلهامى من مصر سريا، بل حدث علنا وبرعاية السلطان العثمانى نفسه، الذى أرسل مبعوثا رفيع المُستوى لاصطحابه مع والدته، وبطبيعة الحال أصدر سعيد باشا توجيهاته لمحافظ المحروسة بإكرام المبعوث والإشراف على كل ترتيبات الرحلة.

اهتمام الدولة العثمانية برحلة إلهامى باشا له ما يُبرّره، فقد تزوج ابنة السلطان، ورغم وفاته المُبكّرة فإن الزيجة أثمرت طفلة، أصبحت بعد ذلك أكثر شهرة من والدها، عقب عودتها لمصر وزواجها بأحد حكامها.. من هو؟ سؤال نُجيب عنه الحلقة القادمة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة