كلما ألتقي واحدا ممن أعرفهم أو حتي لا أعرفهم.. يكون السؤال : هل يرضيك ما فعله الصحفيون ؟.. وقبل أن أجيب.. ودون انتظار من السائل.. أفاجأ بالسؤال التالي : انتوا عاوزين إيه ؟.
كل من سألني.. كان لا ينتظر الرد.. ولكنه كان يهمه أن يعبر عن رأيه في الأزمة المفتعلة التي فجرها النقيب وجماعته.. وأوقع فيها الأسرة الصحفية بلا استثناء.. وأدخل المجتمع كله في قلب الأزمة.. وخسرت الأسرة الصحفية فيها خسارة فادحة.. وأكبر الخسائر هي ذلك الانقسام الذي حدث داخلها.. وهو ما لم يكن يحلم به أشد الكارهين للصحافة وحريتها.
مر أسبوعان تقريبا علي الأزمة التي أطلق عليها «النقابة والداخلية». ولم يحدث أي تطور.. إلا ما يسيء إلي الصحافة والصحفيين.. سواء من المجتمع الذي سحب ثقته من الصحافة والصحفيين وهو الأمر الذي أتمناه عارضا مؤقتا.. أو من بعض مؤسسات الدولة التي وجدتها فرصة ذهبية تسكت بها بعض ما يوجه إليها من انتقادات.. أو من البرلمان الذي بعد أن أخذ زمام المبادرة من أجل الحل.. أصبح يميل إلي إغلاق ملف الأزمة وتركه للمسار القانوني.. أو من الأسرة الصحفية التي انقسمت وتلاسنت وهاجمت بعضها البعض.
لم يحدث إلا التراجع من النقيب ومجلس النقابة عن الـ ١٨ مطلبا التي انتهي إليها اجتماع أصحاب الاتجاه الذي يريدها نارا مشعللة مهما كان الثمن.. وأخيرا وفي نهاية التراجع.. أعلن النقيب ومن تبقي معه من مجلس النقابة عن قبوله لأي مبادرة لحل الأزمة.. بشرط أن يحفظ كرامة الصحفيين وكرامة نقابتهم.. فهل يمكن أن يتحقق هذا الحلم؟.
التحول الكبير لبعض أعضاء المجلس.. يعد هزيمة كبيرة للنقيب ومن بقي معه.. وإن كنا لا نقبل بهذا التحول لأعضاء هللوا لقرارات ٤ مايو وزغردوا ثم تراجعوا كمن يقفز من السفينة الغارقة.. وهو ما يجعلنا نصر علي اعتبار المجلس كله وحدة واحدة.. فمن لم يعلن موقفه في الوقت المناسب لا موقف له.
البيان الأخير الذي أصدره مجلس النقابة يعلن فيه استعداده لأي مبادرة للحل.. ولكنه يؤكد علي الاصرار علي الموقف الذي تسبب في الأزمة ويعقد الأمور ويغلق الطريق أمام أي حل.. ومن كتب ذلك البيان يواصل خداع النقيب ومن بقي معه.. ولا يفتح أي باب للحل.
أحد الأعضاء قال إن النقيب علم بلجوء المطلوبين للعدالة إلي النقابة للاحتماء بها من تنفيذ القانون.. وأحدهما ليس عضوا بها.. وأجري مكالمة مع بعض المسئولين بالأمن الوطني.. وعلم منه بقرار النيابة بضبطهما وإحضارهما.. ووعدهما النقيب بالتوسط لدي النيابة.. وسانده في ذلك نائب من المحافظة التي ينتمي إليها المطلوبان.. وهو الذي - كما قال عضو آخر - أحضرهما للنقابة ليورطها ويورط كل الصحفيين.. ويصور النقابة وكأنها حصن يحتمي فيه كل من يتهرب من تنفيذ القانون.. وأن الصحفيين علي رأسهم ريشة.
عضو آخر تحدث عن التجاوزات التي ارتكبها النقيب خلال الأزمة سواء في إملاء رواية علي موظفي الأمن.. وممارسة سلوكيات سلطوية في اتخاذ القرارات المنفردة.. دون الحصول علي موافقة المجلس.. والأهم من ذلك هو أنهم فوجئوا بتعديلات وقرارات مقحمة في «بيان 4 مايو».. لم تكن محل توافق.. ومنها علي سبيل المثال رفع سقف المطالب.. إلي اعتذار رئيس الجمهورية.. وهو ما يتراجع النقيب عنه الآن بطريقة مخزية.. كما كشفوا عن أن بعض زملائهم.. يقودون عملية «تسييس العمل النقابي».
كلهم باعوا النقيب.. حتي من هلل وزغرد علي منصة اجتماع ٤ مايو.. لأن الكل كان مندفعا وراء الرغبة في شعللة الموقف في الوقت الذي وقف فيه العقلاء انتظارا لهدوء العاصفة واتضاح الأمر.
كلهم باعوا النقيب.. حتي الصحف التي تحمست ونفذت بعض قرارات الاجتماع.. والآن تعتذر لقرائها عن موقفها.
كلهم باعوك يا قلاش.. ولم يعد أمامك الآن سوي أن تعتذر.. وتتراجع بكرامة.. فنحن نعرف عنك إخلاصك في العمل النقابي لسنوات طويلة.. ونعرف عنك حرصك علي وحدة النقابة ووحدة الصحفيين.. لا تنتظر جمعية عمومية لسحب الثقة من المجلس.. مما سيعرض الأسرة الصحفية للمزيد من الانشقاقات.. حتي لو لم تنجح تلك المحاولات.. بادر بنفسك.. ولا تنتظر أن يتزايد عدد الذين يبيعونك يوما بعد يوم.