انتقال ملف الأزمة المشتعلة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية إلي البرلمان يعتبر هو الفرصة الأخيرة لحلحلة الاحتدام الحاصل بين نموذجين لاثنين من أهم أعمدة الدولة؛ نقابة الصحفيين كإحدي النقابات التي تعني دائماً بالشأن الوطني العام وباعتبارها نقابة أصحاب مهنة الرأي، ووزارة الداخلية كواحدة من الوزارات السيادية بالحكومة لأنها تعني بفرض الأمن والنظام وتطبيق القانون..
هي الفرصة الأخيرة لكل الأطراف الشاطر والمشطور وبينهما الوسيط لأن الوطن لا يحتمل مثل هذه الصدامات بين فئاته وطوائفه، ولا يملك ترف إطالة أمد مثل هذه التصارعات رهاناً علي بقاء الأقوي أو الأطول نفساً.
من المهم التأكيد علي أنه ليس ثمة تعارض بين اهتمامات طرفي الأزمة، فلا حرية الرأي تتعارض مع سيادة القانون ولا يجوز لها أن تعلو عليه، كما لا ينبغي أن يتعارض هدف فرض الأمن مع حرية الرأي أو أن يتم التضييق عليه بحجة زرع الأمن ومكافحة الإرهاب.
من هنا يأمل كل العقلاء في نجاح وساطة البرلمان وإنتاج حل يخرج منه الطرفان منتصرين دون تغليب أحدهما علي الآخر. وأن تتمكن لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب برئاسة أسامة هيكل - وهو صحفي سابق بالمناسبة قبل تفرغه للسياسة وعضو بنقابة الصحفيين - من تنحية كل آثار الحملة الشرسة التي استهدفت تشويه سمعة النقابة والصحفيين بالتعامل بتجرد كامل مع كافة زوايا وخفايا وتفاصيل الأزمة. فكل الخوف أن تؤثر تلك الحملة الممنهجة علي مهنة الصحافة وأبنائها ونقابتها، وأيضاً المواقف الاستباقية التي عبر عنها بعض أعضاء اللجنة البرلمانية ورئيسها في الفضائيات قبل إحالة الملف إليهم علي المزاج العام داخل اللجنة وأن يتغلب «الهوي» علي «الحيدة» وهي تقف الآن موقف القاضي أو الوسيط النزيه.
هي الفرصة الأخيرة لأن وزارة الداخلية ينبغي أن تتفرغ لتطهير صفوفها من الداخل، وأن تكون معركتها الرئيسية هي حماية أمن الوطن من أعدائه الحقيقيين بدلاً من اختلاق أعداء متوهمين. فلو صحت الأخبار التي ترددت مؤخراً حول وجود خيانة من قلب الداخلية أدت إلي تعقب مهمة شهداء حلوان الأبرار وخط سيرها بما أدي لاغتيالهم جميعاً، فهذا معناه وجود خلل جسيم في الأداء الأمني ليس فقط من ناحية تأمين المكلفين بالمهمة، ولكن من ناحية التراخي في التعامل مع بعض الضباط وإعادة بعض المفصولين منهم إلي صفوفها في الوقت الذي تحفل سجلاتهم بالانتماءات المخالفة للفكر الوطني والميول العدائية التي لا تتفق مع الولاء للوطن.
هي الفرصة الأخيرة أيضاً لنقابة الصحفيين كي تتفرغ للتعامل مع خيانات الداخل ـ شأنها في ذلك شأن وزارة الداخلية - فكل منهما تتعرض «لنيران صديقة» وطعنات الظهر تأتيها من الداخل. لكن أزمة النقابة تكمن في أن من بين أعدائها الداخليين رموزاً وشيوخاً كانوا يمثلون لجموع الصحفيين ومختلف الأجيال نماذج سامقة يباهون بها ويتعلمون منها فإذا بهم أول من يخالف ضميره ويجافي الحقيقة ويبز أحقاده الدفينة نحو نقابتهم. وإذا كنا نوجه اللوم والعتاب لزملائنا في الأهرام علي حركة شق الصف التي قاموا بها فإننا لا نجرؤ ـ تأدباً ـ علي توجيه نفس اللوم لأساتذة كانوا أجلاء في عيوننا.
كما أنها الفرصة الأخيرة للدولة كي تثبت حسن نيتها وعدم مخاصمتها للصحفيين، ونأيها عن التحريض عليهم وتشويه سمعتهم. فلا وطن بدون صحافة حرة ولا صحافة بدون وطن حتي لو كان وطنا بلا ريادة مثلما صرح وزير الخارجية لبعض أعضاء البرلمان!! يا أخي طيب دع لنا بصيصاً من أمل. نحن لسنا رواداً الآن.. كما قلت أنت، وشبه دولة كما قال الرئيس، فلماذا لا نسعي للريادة حتي نصبح قد الدنيا؟»
حرائق مصر
أرغب في تصديق أن حريق العتبة بالذات نتيجة الإهمال والتكدس وعدم مراعاة أصول الأمان. نعم أرغب في تصديق ذلك فهو أفضل من تصديق الاتهام الدوار بأن الحريق تم بفعل فاعل من أجل إخلاء المنطقة لصالح مستثمرين لديهم مشروعات للمنطقة ويريدونها خالية. كارثة أننا نعيد إنتاج الأزمات بنفس المواصفات ودون إبداع.. منطقة مثلث ماسبيرو ماتزال عالقة في الأذهان. ومثلها مبني بلدية القاهرة أيضاً المسمي ظلماً بمبني الحزب الوطني. ليبقي السؤال: من الذي يحرق مصر؟