استقدام بلطجية لأداء مهام محددة في مواقف معينة أسلوب عفا عليه الزمن ولابد أن يشطب من قاموس مفردات تعاملنا مع الأزمات إلي الأبد.

الأزمة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية ستنتهي بتأكيد نقابة الصحفيين تقديرها واعتزازها بدور الشرطة ورجالها في حفظ الأمن والاستقرار وتأكيد وزارة الداخلية احترامها للصحافة والصحفيين والتزامها بحماية حرية الرأي.
ربما يحتاج الأمر بعض الوقت ـ أياماً قليلة وليست أسابيع ـ حتي تهدأ النفوس بما يمهد الطريق لنجاح الجهود التي تبذلها لجنة الثقافة والاعلام بمجلس النواب برئاسة أسامة هيكل لرأب الصدع بين الطرفين.
الحقيقة المؤكدة التي تنطلق منها جهود اللجنة أن الأزمة بين النقابة والوزارة لايمكن أن تنتهي بانتصار طرف علي آخر.. هي أزمة إذا ما استمرت فالكل فيها خاسر.. وهذه الخسارة لن يدفع ثمنها إلا الوطن.. لهذا تتحرك اللجنة من منطلق أن المجتمع لايمكن أن يستغني عن الصحافة ودورها في تشكيل الرأي العام وإثراء الوعي القومي.. وبنفس القدر لايستغني عن الشرطة وجهودها في حفظ الأمن والاستقرار.. الطرفان يدركان هذا المعني.. يحتاجان فقط لحمامة سلام تقرب المواقف وتعلي صوت العقل.
الطرفان يتحملان مسئولية ما حدث.. نقابة الصحفيين بسماحها أن يحتمي بها مطلوبان صدر بحقهما أمر ضبط واحضار واجب النفاذ بعيدا عن المادة «٧٠» من قانون النقابة التي تحظر تفتيش النقابة إلا في وجود ممثل للنيابة وممثل لمجلس النقابة.. ووزارة الداخلية التي تسرع أحد قياداتها باصدار التعليمات بتنفيذ أمر الضبط والاحضار غير عابئ بالعواقب التي قد تترتب علي ذلك داخلياً وخارجياً في ظل حقيقة مؤكدة أن دخول النقابة بهذه الطريقة لم يحدث في تاريخها الممتد لـ ٧٥ عاما مضت.. لم يكن الأمر يحتاج أكثر من اتصال أخير وحاسم بنقيب الصحفيين ومطالبته بتسليم المحتميين بالنقابة فوراً ولا أعتقد أنه كان سيرفض.. لكن دخول الشرطة النقابة ـ ولا أقول اقتحامهاـ مساء والقبض علي المطلوبين دون علم النقيب هو ما أدي إلي ثورة مجلس النقابة بهذا الشكل غيرة علي قدسية مقر النقابة وكرامة المهنة.
ثم توالت الأحداث وتصاعدت أكثر عندما فوجئ الصحفيون وهم في طريقهم إلي نقابتهم لحضور اجتماع غير رسمي للجمعية العمومية بعشرات من البلطجية من الرجال والنساء ـ أطلق عليهم بعض الاعلاميين المواطنون الشرفاء ـ يحاصرون النقابة ويسدون الطرق المؤدية إليها ويسبون الصحفيين علي خلفية أغاني وطنية تنطلق من مكبرات صوت محمولة علي سيارات وكأن الصحفيين أعداء للوطن.. استقدام بلطجية لأداء مهام محددة في مواقف معينة أسلوب عفا عليه الزمن ولابد أن يشطب من قاموس مفردات تعاملنا مع الأزمات إلي الأبد.
داخل النقابة توالت أخطاء مجلسها عندما رضخ واستجاب لثورة شباب الصحفيين غير المقدرين لحقيقة الأمور والفرق بين تنفيذ أمر ضبط واحضار وتفتيش النقابة الذي يحظره القانون إلا بشروط معينة.. هؤلاء الزملاء لم يدركوا ـ للأسف ـ تبعات الأزمة التي أشعلوها بهتافات استفزازية أدت إلي تعديل صياغة بيان مجلس النقابة وتشديد التوصيات ورفع سقف المطالب لحدود غير مقبولة.
هذه الأجواء هي التي دفعت البعض لتبني فكرة انشاء جبهة لتصحيح مسار النقابة ودعت مؤسسة «الأهرام» لاجتماع انتهي بتبني دعوة لعقد جمعية عمومية غير عادية لسحب الثقة من مجلس النقابة مما زاد من حدة انقسام الصحفيين بين مؤيد ومعارض لمجلس النقابة.
رغم رفضي لموقف مجلس النقابة المتعنت والمبالغ فيه إلا أنني لم أذهب لاجتماع «الأهرام».. قناعتي أن النقابة في حاجة فعلا لتصحيح مسارها ولكن المنطقي أن يتم ذلك داخل بيت الصحفيين.. وأن يبادر من دعوا لتصحيح المسار بالتوجه إلي نقابة الصحفيين وبصحبتهم عدد من شيوخ وحكماء المهنة والاجتماع بمجلس النقابة ومواجهته بالسلبيات التي ارتكبها والتوصل إلي أسس للتهدئة وحل الأزمة أولا تم تصحيح المسار ثانيا والاتفاق علي عدم السماح لأي تيار سياسي بفرض إرادته علي مجلس النقابة.
بعد اجتماع «الأهرام» زاد انقسام الصحفيين ودخلت أطراف عديدة علي الخط وركب الموجة هواة اشعال الأزمات وراغبو الترشح في الانتخابات القادمة.. وساعدت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الفضائيات من خلال برامج يقدمها ـ للأسف ـ صحفيون في اثارة الرأي العام ضد الصحفيين الذين لم يقفوا يوما ضد الدولة ومؤسساتها.. فما الذي حدث حتي تصبح صورتهم لدي الرأي العام بهذه السلبية ويصبحون مادة للسخرية والتهكم من كل من هب ودب ؟! .
ما حدث أزمة غير مسبوقة لها أسبابها لكنها ليست عصية علي الحل.. ستنتهي إن شاء الله بما يحفظ كرامة الطرفين.. نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية.
ما حدث «زوبعة في فنجان» لكن الفنجان كان «كبير شوية» !