د. عمرو رضوان خلال حواره مع «الأخبار»
د. عمرو رضوان خلال حواره مع «الأخبار»


ليس لدينا أجندة نفرضها على الباحث وأعضاؤنا أحرار فى اختيار مشروعاتهم

المشرف على المكتب الإقليمى للأكاديمية العربية الألمانية: مصر تملك جيشًا من الباحثين

حازم بدر

الأحد، 12 سبتمبر 2021 - 06:44 م

أحد الأسباب التى تقف حائلا بين «علماء الظل» وبين أن يكونوا نجوما يعرفهم المجتمع، كما يعرف غيرهم من المشاهير، هو أن أبحاثهم الهامة على النطاق المعملى لا تجد تمويلا ينقلها إلى مستويات أكبر لتكون مفيدة لمجتمعهم.
وكثيرا ما تصطدم المشروعات البحثية للباحثين بعدم وجود التمويل اللازم لسببين: أولهما أنه لا توجد موارد مالية لدى الجهة التى يعمل بها الباحث، أو أنه توجد موارد، لكن المشروع الذى يقدمه الباحث ليس من بين أولويات المؤسسة.
السبيل أمام الباحثين فى هذه الحالة هو البحث عن جهة بديلة لتمويل الأبحاث، عبر السير فى عدة مسارات، منها البحث عن مؤسسات أهلية أو حكومية تقوم بذلك، أو البحث عن جهات دولية.

ومن بين الجهات الدولية التى يمكن أن تقدم للباحثين هذه الخدمة، هى الأكاديمية العربية الألمانية لشباب العلماء، والتى بالرغم من انشائها فى 2013، فإن طبيعة نشاطها، وكيفية الانضمام لها، والخدمات المختلفة التى تقدمها للباحث، بخلاف التمويل الذى يمكن ان يحصل عليه من خلالها، غير معلومة لكثير من الباحثين..وخلال هذا الحوار مع الدكتور عمرو رضوان، المشرف على المكتب الإقليمى للأكاديمية، سنحاول التعرف على نشاطها ، وكيف يمكن أن تكون حلا ينقل العلماء من الظل ليضعهم تحت بؤرة الاهتمام، ليس فقط على المستوى المحلى ولكن العربى والدولى أيضا.. وإلى نص الحوار.

العرب ليسوا الطرف الضعيف فى التعاون مع ألمانيا.. وهدفنا تدفق الأفكار من الجانبين

تطبيق «فورى» من إنجازات البحث العلمى المصرى ولدينا 8 منتجات دوائية جديدة جاهزة للتسجيل

تحويـل مخــــــــرجات البحث العلمى لمنتجات مسئولية القطاع الخاص.. والحكومة تتدخل فى حالة واحدة

- بما أن نشاط الأكاديمية لم يصل صداه للكثيرين، فماذا تود أن تقول فى التعريف بنشاطكم؟
 يطلق تنهيدة عميقة استعدادا لإجابة طويلة، قبل أن يقول: نشأت الأكاديمية التى تعرف اختصارا باسم «أجيا» قبل نحو 8 سنوات، وتحديدا فى عام 2013، وهى تختلف عن الأكاديميات الأخرى المنتشره فى العالم، مثل الأكاديمية العلمية للشباب وأكاديمية شباب العلماء بمصر (إياس)، بأنها أول أكاديمية ثنائية فى العالم، حيث يتعاون فيها العرب مع الألمان.

وفلسفة «أجيا»، هى تحديد الشباب المتميز فى المجال البحثي، ثم تقدير هؤلاء المتميزين عبر تمكينهم بأدوات علمية وفنية ونقل معرفة فى تخصصاتهم، وتقديم منح تساعدهم فى الحصول على احتياجاتهم لتنفيذ المشروعات، وبناء القدرات، والهدف من كل ذلك هواستغلال الكفاءات فى حل مشاكل راهنة، بما يحقق فائدة للمجتمع ويدر عائدا على الإقتصاد.
تحديد المتميزين

- دعنى أتوقف أمام الهدف الأول وهو «تحديد المتميزين»، فهل يعنى ذلك أن الأكاديمية هى التى ستذهب لهم فى مراكز أبحاثهم لانتقاء الأفضل منهم؟
  يومئ بالرفض قبل أن يقول: تحديد المتميزين يتم بشكل تنافسى ويأتى من خلال فتح باب الاشتراك فى عضوية الأكاديمية للباحثين من الدول العربية وألمانيا خلال شهر مارس من كل عام، حيث يملأ الباحث استمارة يوضح فيها ما الذى يمكن أن يقدمه لبلده والمجتمع العلمي، واهتمام الباحث وشغفه الأساسي، ورؤيته لتحقيق هذا الشغف، كما يقدم السيرة الذاتية الخاصة به «السى فى»، ويتم تحديد المتميزين من بين المتقدمين عبر مرحلتين: الأولى تشمل فحص الطلبات من خلال لجان مكونة من أعضاء حاليين وسابقين فى الأكاديمية، واللجنة التوجيهية للأكاديمية، والمكتب الاستشارى لها، والذى يضم قائمة من الخبراء، مثل رئيس معهد جوتة بألمانيا.
وبعد ذلك يخضع المختارون من هذه اللجان لمرحلة ثانية من التصفية، عبر مقابلة شخصية، لتحديد من هو الأنسب للحصول على عضوية الأكاديمية.

- يبدو أن من سيقع عليه الاختيار سيحصل على فوائد جمة؛ لذلك تحرصون على اختيار الأفضل، كما يبدو لى من كل هذه الخطوات؟
 بالطبع نحرص على ذلك، لأن الباحث عندما يصبح عضوا فى الأكاديمية سيحصل على حزمة من المزايا التحفيزية والتشجيعية، إضافة إلى دعم مادى يساعده على تنفيذ مشروعاته البحثية.

طابع «التشبيك»
- وهل توجد أى شروط للمشروع البحثى الذى يحصل على دعم الأكاديمية؟
 يشير بعلامة الرفض، قبل أن يقول بملامح وجه متحمسة: الميزة الأهم والفريدة فى تمويل الأكاديمية العربية الألمانية لشباب العلماء (أجيا) أننا لا نملك أجندة بحثية نفرضها على الباحثين، فالجهات المانحة عادة ما تعلن عن منح موجهة لمشروعات بحثية فى موضوعات بعينها، ولكن باحث «أجيا» له حرية اختيار الموضوع الذى يريد أن يعمل عليه، وهذا نوع من تقدير التميز الذى حدثتك عنه فى البداية.

- أفهم من ذلك أنكم لا تضعون أى شروط مسبقة لتمويل المشروعات البحثية؟
 يصمت لوهلة قبل ان يقول: لا توجد شروط لمواضيع محددة نفرضها على الباحث، ولكن إن أردت الدقة يمكن أن تسميها توجيهات، فنحن نوجه الباحث لأن يكون مشروعه البحثى متباين التخصصات، بمعنى أنه يمكن أن يكون لدينا علماء فى المصريات والاقتصاد والهندسة ويعملوا على مشروع واحد، لذلك ستجد أغلب المشروعات البحثية للأكاديمية يغلب عليها طابع التعاون متعدد التخصصات و»التشبيك» بين التخصصات المختلفة.

- وهل «التشبيك» مهمة الباحث صاحب المشروع أم أن الأكاديمية هى من تتولى هذه المهمة؟ بمعنى آخر، إذا كنتُ باحثا أنتمى لعلم المصريات ولدى فكرة مشروع بحثي، هل المفترض أن أبحث عن التخصصات الأخرى التى تشاركنى المشروع أم أنكم تساعدون الباحث فى ذلك؟
 يشير إلى مجموعة من الصور التى تتصدر صفحة كتاب أصدرته الأكاديمية، قبل أن يقول: هذه الصور تخص اجتماعين سنويين يتم عقدهما بهدف أن يتعرف الباحثون العرب والألمان على بعضهم، لتكون مشروعاتهم البحثية متباينة التخصصات والجنسيات، فأحد أهم أهدافنا، إضافة إلى دعم التعاون العربى الألماني، هو أن تكون الأكاديمية منصة لتقوية التعاون العربى فى مجال البحث العلمي، عبر المشروعات العلميه المشتركة، فلا شك أن التعاون العربى فى مجال البحث العلمى ضعيف.

تنويع مصادر التمويل
- أتصور أن هذا الدور من المفترض أن تقوم به بشكل أساسى جامعة الدول العربية؟
 يقول وقد ارتسمت علامات الدهشة على وجهه: جامعة الدول العربية ليست جهة تمويل أبحاث من المقام الاول، ولكن هناك جهات عربية تقوم بهذا الدور، وليس هدفنا منافستها، ولكننا إضافة يمكن ان يلجأ لها الباحث لتنويع مصادر التمويل، بشكل يخدم التعاون العربى العربي، ويخدم الباحث نفسه، لأن أحد معايير تقدير الباحث، لم تعد فقط مقدار ما نشره بحثيا، ولكن من أهم المعايير أيضا قدرته على جذب تمويل خارجى لدعم مشاريعه البحثية داخل الجامعة، لأن هذا من شأنه أن يرفع من تصنيف الجامعة.

- ولماذا لم ينتشر صدى نشاطكم بشكل كبير بين مجتمع البحث العلمى رغم وجودكم منذ 8 سنوات؟
 لم ينتظر اكمال السؤال ورد على الفور قائلا: صحيح أن المؤسسة تم تأسيسها منذ 8 سنوات، ولكن مكتبها الإقليمى موجود فى مصر منذ عامين فقط، أى منذ بداية جائحة «كوفيد -19»، التى أثرت بلا شك على عملنا، ومهمة هذا المكتب بشكل أساسى فى تلك المرحلة مد التواصل بين مصر والسودان ودول الخليج العربى بشكل أساسي، وتسهيل وصول الباحثين المتميزين للأكاديمية، ونشر ثقافة المشروعات المشتركة وإبراز نتائج هذه المشروعات.

- حتى قبل تأسيس المكتب الإقليمى لم أقرأ كثيرا عن أنشطة الأكاديمية؟
 يمتعض وجهه قليلا قبل أن يقول: لماذا؟ هناك مشروعات بحثية كثيرة تم تنفيذها، ولدينا عدد من الأعضاء مصريون بالأكاديمية منذ نشأتها، وربما يكون الهيكل التنظيمى للأكاديمية قد اكتمل بوجود المكتب الإقليمي.

الطب الشخصى
- وما أبرز المشروعات البحثية التى تم تنفيذها خلال 8 سنوات؟
  تختفى امتعاضة وجهه وتتهلل أساريره قائلا: لدينا قائمة من المشروعات فى مجالات النانو تكنولوجى والطب الشخصى والبيوجاز وتبسيط العلوم.

- لنبدأ بـ «الطب الشخصي»، إلى اى مدى استفادت مصر من هذا المشروع؟
  ساعدنا الأطباء المصريون فى الانضمام لشبكات وهيئات دولية لها علاقة بالطب الشخصي، ويوجد برنامج دولى انضم له الأطباء المصريون منذ نحو عام.

- وما العائد على المواطن المصرى من انضمام الأطباء لهذه الشبكات؟
  يبدى دهشة من السؤال بدت واضحة على وجهه قبل يقول بكلمات مقتضبة: المستفيد الرئيسى او المباشر من نشاط (أجيا) الباحث وليس المواطن العادى.

- ولكن قيمة البحث العلمى تأتى من وصول صداه وتأثيره للمواطن؟
 يومئ بالموافقة قبل أن يقول: كلامك صحيح، ولكننا فى بعض المشروعات سنحتاج لوقت حتى يشعر المواطن بتأثير الأبحاث والأنشطة التى دعمتها الأكاديمية.

- هذه فى رأيى أزمة البحث العلمى فى العالم العربى وهو أن البحث العلمى كثيرا ما يغرد خارج سرب الاحتياجات الحقيقية للمجتمع...
 يصمت لوهلة يأخذ خلالها رشفة من فنجان القهوة قبل أن يواصل الحديث قائلا: أتفق معك فى أن هناك أبحاثا يتم تمويلها لا يكون العائد منها ملموسا للمواطن العادي، وهناك أبحاث ليست ذات أولوية حقيقية، ولكن دعنا نتفق أن هناك نوعين من الأبحاث، وهما «البحوث الأساسية»، التى تركز على تطوير المعرفة العلمية من أجل الفهم الكامل لموضوع معين أو ظاهرة طبيعية معينة، و«البحوث التطبيقية» التى يكون لها بعد تطبيقى واضح، وقد تكون بعض البحوث الأساسية من وجهة نظرك ليست ذات أولوية آنية، ولكنها مستقبلا ستخدم البحوث التطبيقية التى يصل تأثيرها للمواطن، وسأعطيك مثالا على ذلك، فالعالم المصرى أحمد زويل حصل على جائزة نوبل فى الكيمياء بسبب قدرته على تصوير ومراقبة التفاعلات الكيميائية التى تتم فى زمن الفيمتوثانية، وأصبح لهذا الإنجاز فيما بعد تطبيقات مختلفة.

- دائما ما يطرح مثال الدكتور زويل عند الحديث فى هذا الأمر، ولكن ألا ترى أن الوضع مختلف بين مصر وأمريكا، حيث كان يوجد الدكتور زويل؟
  الهدف من طرح المثال، هو أننا يجب أن نسير فى الإتجاهين، وهما دعم البحوث الأساسية والتطبيقية، لأن كليهما مطلوب.

- ولكن فى ظل قلة الموارد المادية لدعم الأبحاث يجب ان يكون لديك أولويات، وهذا ما كنت أقصده بسؤالي..
 يعود صوته لطبيعته الهادئة وهو يقول: أتفق معك، ولكن كما أن لدى مصر مشكلة فى الموارد المالية لدعم الأبحاث مقارنة بدول متقدمة، فلديها فى المقابل جيش من الباحثين يقدر عدده بـ 110 الاف باحث فى تخصصات مختلفة، منهم 10 الاف باحث فى مركز البحوث الزراعية، وهذا رقم مهول جدا، عندما تعلم أن أشهر مراكز البحوث الزراعية بالعالم، والتى توجد بفرنسا لا يتعدى عدد باحثيها الألفين ونصف، ويوجد فى المركز القومى للبحوث حوالى 4 آلاف ونصف الألف باحث، والسؤال: هل يتم الاستفادة من هذه القدرة البشرية؟.. ويجيب قائلا: إحدى الآليات التى يمكن أن تحل بها هذه المشكلة هى اختيار المتميزين من هذا الجيش العريض وتقدير هؤلاء المتميزين ودعمهم، حتى يكون هؤلاء بمثابة القاطرة التى تدفع غيرهم للأمام، وهذا ما تقوم به الأكاديمية ليس فى مصر فقط، ولكن بالإقليم العربى كله، وهذا بالطبع لن يحل كل مشاكل البحث العلمى فى العالم العربي، ولكنه وسيلة للمساعدة.

- عذرا كنت تتحدث قبل هذا النقاش عن مشروعات الأكاديمية، فماذا تحب أن تبدأ بعد الحديث عن مشروع الطب الشخصي؟
 يلتقط كتابا من على المنضدة المقابلة له ليقول وهو يشير إلى غلافه: هذا الكتاب يتحدث عن النباتات الملحية بشكل مبسط، وتم إعداده بالتعاون بين باحثين عرب وألمان، ضمن أحد مشروعات الأكاديمية المتعلقة بتبسيط العلوم، ونعد حاليا لإصدار جديد حول «الروبوتات الاجتماعية» والتى ظهرت أهميتها فى ظل جائحة «كوفيد -19»، حيث تقوم هذه الروبوتات بأداء بعض المهام التى يقوم بها البشر.
ويلتقط كتابا آخر من فوق المنضدة يضم صورا لمشروع «أتوبيس تبسيط العلوم» والذى يتم تنفيذه فى إطار نفس المشروع، ويجوب هذا الأتوبيس القرى المصرية، وكانت البداية من قريتين بمحافظة الفيوم، وهدفه تقديم العلوم لأطفال المدارس بشكل مبسط للعمل على زيادة شغفهم بالعلوم، وهذا شكل من أشكل ما يطلق عليه «التعليم اللاصفي»، وهو تعليم يتم خارج سور المدرسة، ولكنه يشارك بشكل كبير فى المنظومة التعليمية، ويعد أحد آليات زيادة شغف الطلاب بالعلوم.

- وماذا عن المشروعات الأخرى التى يمكن ان تخدم المشروعات القومية التى تتم على أرض مصر حاليا، مثل مشروع «العاصمة الإدارية»؟
  لدينا مشروعات بحثية خاصة بالمدن الذكية يمكن الاستفادة منها، ولدينا خبراء للمساعدة فى مشروعات خاصة بالتطور الحضري.
مشروعات كوفيد -19

- وهل توجد مشروعات يمكن أن تصل ثمارها بشكل أسرع إلى المواطن المصري؟
 توجد مشروعات بحثية تتم حاليا حول أدوت تشخصية سهلة وغير مكلفة لكوفيد -19، وأنشطة توعية حول الجائحة، ودراسات تتم لتطوير عقاقير موجودة بالفعل ومتداولة بالأسواق، لاستخدامها فى بروتوكلات علاج كوفيد -19، كما توجد أيضا مشروعات خاصة بطاقة البيوجاز تتم فى السودان وتونس ويشارك فيها باحثون مصريون، ونعد حاليا لورشة عمل ستقام فى مصر بالتزامن مع عدد من الدول العربية وذلك لتأهيل طلاب الجامعة للوظائف الجديدة.

- وهل كل هذه المشروعات التى حدثتنى عنها يشارك فيها باحثون من ألمانيا؟
 يومئ بالموافقة قبل أن يقول: قطعا، ففلسفة الأكاديمية التى حصلت على تمويل من الحكومة الألمانية وصل خلال الفترة من 2015 حتى 2020 إلى 15 مليون يورو، قائمة على التعاون بين الدول العربية والتعاون بين الدول العربية وألمانيا.

- وما وجه الاستفادة الألمانية من هذا التمويل؟
 يرد على الفور قائلا: الاتحاد الأوروبى بشكل عام مهتم بدعم دول الجوار بما فى ذلك التعاون العلمى ونقل التكنولوجيا وتقوية روابط البحث العلمى ويمكن للدعم الأوروبى من خلال برامج متخصصة أن يكون له بعد سياسى يتمثل فى تقليل الهجرة غير الشرعية وفتح أسواق جديدة والحفاظ على أسواق قديمة وزيادة التبادل التجارى من وإلى الدول العربية، وألمانيا على وجه الخصوص بخلاف الاهتمام الأوربى بشكل عام بدول الجوار، لها حضور علمى قوى فى الدول العربية لاسيما مصر.

- ولماذا ألمانيا حريصة على هذا الحضور؟
  يبتسم وهو يقول: أنت تريد أن تقول وما هى استفادة الباحثين الألمان من الباحثين المصرين والعرب؟.. وأؤكد لك أن هناك تبادلا للمعرفة يحدث بين الجانبين، والجانب الألمانى يستفيد جيدا من القدرات البحثية والمعرفية للباحثين العرب والمصريين، وربما هذا الانطباع السلبى الذى لا يوجد عندك وحدك، ولكن يوجد عند الكثيرين، سببه أن هناك أخطاء تحدث من باحثين مصريين وعرب ذوى مهارة قليلة، ولكن فى المقابل وهو الأعم هناك باحثون على درجة عالية من الكفاءة، وأحب أن أشير هنا إلى انطباع سائد أيضا ان الباحث عندما يسافر إلى أوروبا ينجح، وهذا من وجهة نظرى انطباع غير دقيق، فهناك من يسافر ويفشل، ولكن من ينجح هو الذى كان متميزا فى الأساس ويشمل ذلك تميزه فى وطنه قبل أن يسافر للخارج، ولكن ربما يفيده الخارج فى تحقيق انجاز أكبر وأسرع بسبب توافر الإمكانيات.
الثقة المفقودة

- هل ترى أن سؤالى هذا يعكس عدم ثقة فى أنفسنا؟
  توقعت غضبه ولكن طمأننى استمرار ابتسامته، قبل أن يقول: لا تقلق فعدم الثقة فى البحث العلمى توجد بدرجات مختلفة فى دول العالم، ومن بينها دول العالم المتقدم بفرنسا وبريطانيا، حيث تتساءل الصحافة من حين لآخر عن نتائج البحث العلمى وما أنجزه نظير ما ينفق عليه.

- إذا سألت أى مواطن الآن هل ستأخذ اللقاح المصرى لكورونا الذى أنتجه المركز القومى للبحوث حال اجتيازه للتجارب السريرية، فماذا سيرد عليك؟
 يصمت لوهلة قبل أن يقول: أنا لا أنفى أن الثقة مفقودة، ولكن ما أود قوله أن الصورة صحيح أنها ليست وردية، ولكنها ليست قاتمة بالشكل الذى ربما يكون قد وصل لك.

- كيف؟
  هل تعلم مثلا أن تطبيق فورى المستخدم فى مصر على نطاق واسع، وسهل كثيرا من الأمور هو أحد مخرجات التطوير التكنولوجى والبحث العلمي؟ وهناك شركة تكنولوجية ناشئة تسمى «بيوبيزنس» طورت أدوات للرعاية المركزة، ومنها أجهزة تنفس صناعي، ولديها منتجات حصلت على الاعتماد من جهات دولية، ولدينا تحالف خاص بتحلية مياه البحر يشارك فيه باحثون من مركز بحوث الصحراء وعدة جامعات مصرية بالتعاون مع القطاع الخاص، وصلوا إلى تصنيع أغشية لتحلية المياه تستخدم فى محطة متنقلة تعمل بالطاقة الشمسية فى حلايب وشلاتين.

- كيف لا تكون مسئولية الدولة؟
 يشير بيده طالبا الانتظار، قبل ان يقول: قبل ان تسأل كنت سأقول لك، على سبيل المثال أن الدولة دعمت البحث العملى ويوفر البحث العلمى بديلا محليا لمنتج كانت تستورده، مثل عدادات الكهرباء والمياه الذكية، التى خرجت عن أحد التحالفات الممولة من أكاديمية البحث العلمى المصرية، وتم انتاج كميات منها يتم تجربتها حاليا فى مدينة الشيخ زايد.

- وما قيمة وجود ممثلين للقطاع الخاص فى تحالف تحلية المياه، إذا لم يستفيدوا بمخرجات هذا التحالف؟
 يصمت لوهلة يأخذ خلالها رشفة من الماء قبل أن يقول: هم استفادوا بالفعل والتطوير بهذا التحالف لا يزال قائما، وربما يكون من المبكر القول بأن القطاع الخاص على المدى الطويل لن يستفيد من مخرجاته، ولكن هناك تحالفات أخرى خرجت منها منتجات كما أوردت سابقا، ويوجد أيضا تحالف الدواء الذى خرجت عنه 8 منتجات دوائية تم تسجيلها، وهذا يؤكد ما قلته لك سابقا بأن الصورة ليست قاتمة وهناك تحرك إيجابى يحدث، وان كان نحن نطمح إلى المزيد.

حرية الباحث
- عودة مرة أخرى إلى الأكاديمية الألمانية العربية لشباب العلماء، ولدى سؤال عن أسباب تمويل الحكومة الألمانية خلال 8 سنوات لنشاط الأكاديمية.. أو بمعنى آخر ما هو الشيء المميز الذى حدث وشجع الحكومة على الاستمرار فى التمويل؟
 سأرد على سؤالك بسؤال، وهو ما الذى دفع ميسى للانتقال من برشلونة إلى باريس سان جيرمان، وما الذى دفع رونالدو للانتقال إلى مانشستر يونايتد؟
- أجبته: المال طبعا.
  قبل المال، هو شخص حر لا توجد ورقة وقع عليها تقول له إنك ستنهى حياتك الكروية فى برشلونة، وهذا ما يحدث فى الجامعات المصرية والعربية، حيث لا يوجد تحركات او تنقلات واسعة للباحثين بين الجامعات والمراكز البحثية الحكومية، وخطورة ذلك انه يمكن ان يحول الباحث لاعتياد الاعمال الروتينية، يتم ترقيته وفق قواعد روتينية ليست من المقام الأول تستهدف التميز، وهدف الأكاديمية العربية الألمانية أنها تحاول أن تحرك هؤلاء الباحثين بفتح آفاق للتعاون مع آخرين، وهذه الحركة ينتج عنها تدفق أفكار، ينتج عنه أنشطة ابتكارية مختلفة.

- هل أفهم من كلامك أن الجانب الألمانى ينتظر تدفق الأفكار من الجانب العربي؟
 يرد مندهشا: ولمَ لا؟ فالعرب ليسوا الجانب الضعيف فى التعاون.

- هل يمكن أن توضح لى بشكل عملى الفائدة الألمانية التى تجعلنى أشعربأن هذا التمويل اقتصادى وليس من باب المسئولية الاجتماعية؟
 يرد مبتسما: دعنا نتفق فى البداية على أن هذا التمويل لا يذهب للباحثين المصريين والعرب فقط، ولكن الباحثين الألمان يستفيدون منه أيضا، أما عن وجه الاستفادة الالمانية من تدفق الأفكار العربية، وهو أنه سيحدث تعاون فى حل مشاكل تعانى منها الدول العربية، وعلاج هذه المشاكل عبر البحث العلمى يمكن أن يتحول لمنتجات تنتجها الدول العربية بنفسها أو تنتجها ألمانيا ويتم تصديرها للدول العربية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة