لاأزال مؤمنا بأن معركة مصر الكبرى هى «معركة الوعى»، فبعد سنوات من التلاعب بالعقول، اعتقد أن المعركة الحقيقية التى علينا خوضها هى استعادة الوعى المستنير والعقلانى لواقعنا ومشاكلنا، بعيدا عن أية مزايدات أو هوى شخصى أو سياسي.. فبناء الوعى قضية أمن قومي، ومن لا يصدق عليه أن يعيد قراءة التاريخ، فبالوعى تماسك المصريون بعد هزيمة ١٩٦٧، ولم يمكنوا العدو من تحقيق هدفه الأكبر وهو كسر مصر، وكان هذا الوعى بداية الانتصار.
ولا أبالغ إذا قلت أن أزمة اقتحام نقابة الصحفيين هى واحدة من معارك الوعى المهمة، فعلى أكثر من مستوى يتم تزييف الوعى وتشويه الكثير من المواقف.
فالأزمة، كما قلت وأكرر، ليست قضية اثنين من الصحفيين مطلوب محاكمتهما، بل قضية كرامة مهنة مطلوب حمايتها، أخطأ مجلس النقابة فى تعامله مع القضية، لكن وزارة الداخلية ارتكبت خطيئة، وأشعلت بتصرفها، الذى كان يمكن تفاديه بطرق شتى، غضب آلاف الصحفيين، الذين لم يكن موقفهم سياسيا، ولا يمكن لأى تيار الزعم بأنه يحركهم.
وواصل من يحاول الإصرار على تشويه غضبة الصحفيين تزييف الوعي، فحشد ما بات يعرف - سخرية- بـ«المواطنين الشرفاء» فى محاولة للكيد لأبناء صاحبة الجلالة المتوجهين لأداء واجبهم النقابى يوم ٤ مايو، فجاء المشهد عبثيا، حاول من أخرجه بتلك الصورة الإيحاء بأن الصحفيين يقفون فى مواجهة الشعب، وهذا فى حد ذاته إهانة لوعى المصريين، فالصحافة تاريخيا كانت تحتمى بالشعب وليس منه، كما أن ظهور هؤلاء «الشرفاء» الذين تنافسوا فى تقديم صنوف البذاءة، أساء للشعب وللدولة، فضلا عن أن المشهد استدعى - وللأسف الشديد- مشاهد نربأ بدولة «٣٠يونيو» أن تتكرر فيها، فقد أعاد إلى الأذهان مشاهد موقعة الجمل، وحصار أنصار حازم أبو اسماعيل لمدينة الإنتاج الإعلامى، وحصار أنصار»الإخوان» للمحكمة الدستورية.
وبدلا من أن يتولى العقلاء من الجانبين إدارة الأزمة، تحول الأمر إلى حرب مفتوحة ضد الصحافة، وكأن الصحفيين صاروا فجأة «أعداء الدولة» رغم يقينى بأن موقف الصحفيين دفاعا عن نقابتهم لم يكن ليتغير فى ظل أى نظام سياسى عرفته مصر على مدى ٧٥ عاما، وهو ما يؤكد أن غضبتهم من أجل المبدأ وليست مسيسة، بينما يتجاهل من يهاجمون جموع الصحفيين الإجابة بوضوح عن سؤال كاشف: ما موقفهم لو كانت واقعة اقتحام النقابة تمت خلال حكم جماعة «الإخوان» الإرهابية مثلا؟
إجابة هذا السؤال تكفى لأن تعرف من يتخذ موقفا مبدئيا، ومن يريد تسييس الأزمة.