الوهن والضعف أصاب الوطن.. قبل أن يصيبنى.. فبعد سنوات العمر الطويلة.. أجدنى أتحسر على مافات.. أخاف من المستقبل.. فهذه الأيام تبدلت وتغيرت الأوضاع.. وأصبح السلوك البشرى يميل إلى العدوانية.. وسيطر البلطجى على الشارع.. الكل يهاب ويخاف منه.. بل ويحترمه البعض لدرجة أننى تمنيت وأنا فى هذه السن أن أكون بلطجيا حتى استطيع أن أعيش فى أمان وأسترد حقى المسلوب فى كثيرمن الأحيان.. بعيدا عن لغة الخوف عند مواجهة أى موقف يكون الطرف الآخر بلطجيا.
ففى جوانب الحياة اليومية.. أتعامل مع أنواع كثيرة من البلطجية بدءا من سائقى الميكروباص الذين سيطروا على الشارع.. يهددون بتدمير من يعترض طريقهم.. أو يعترض على «الكلاكس» الذى ينطلق باستمرار دون مراعاة لصوته المزعج.. أو عربات التوك توك التى لارابط لها أو قانون ينظم عملها.. فأصبحت مثل الصراصير تنطلق فى الشوارع دون قواعد أو أحترام للمواطن.. أو أصحاب الموتوسيكلات الذين يطيرون فى الشارع اعتقادا منهم أن لهم الأولوية فى المرور وعلى الجميع أن يخلى لهم الطريق.. وانتهاء بالسايس الذى سيطر على الشارع وحوله إلى موقف خاص به يفرض الأتاوات على أصحاب السيارات.. وإياك أن تعترض لو اضطرتك الظروف للتعامل معه.. وظهر الآن بلطجية جدد وهم قادة السيارات.. الكل يعتقد أنه يملك الشارع وعلى الآخر أن يخلى له الطريق.. فعندما تتقابل سيارتان فى شارع واحد لايسمح إلا بمرور سيارة واحدة تحدث خناقات وتطاول من القوى.. ويضطر الضعيف للاستسلام حتى لايكون ضحية البلطجى.
هكذا يعيش الوطن اليوم.. مجموعة من البلطجية سيطروا على الشارع.. وتغير وتبدل الحال.. واختفت لغة التسامح وحل محلها لغة البلطجة.. وأصبح البلطجى هو المفكر والمدبر وكلامه مسموع حتى عند الدولة.. لأنها غالبا ما تستخدمه إذا دعت الظروف لذلك.. والبلطجة لم تعد مقصورة على الرجال بل امتدت إلى السيدات.. وأصبح المواطن المؤدب يسمع افظع السباب إذا لم يستجب لطلبها.. أو عاتبها على خطأ ارتكبته.
كنت أعتقد بأن البلطجة يمارسها رجال خارجون عن القانون.. ولكن لم أتخيل أن وز ارة الداخلية لها أصحابها من البلطجية يقومون بأفعال نيابة عنها لا ترضى الضمير أو العقل.. فأيام الإنتخابات فى أيام الحزب الوطنى كان للبلطجية دور كبير فى نجاح من يدفع لهم أكثر.. أو من يريد الحزب نجاحه!.. وما حدث الأسبوع الماضى من أزمة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية وقيام النقابة بعقد إجتماع لأعضاء الجمعية العمومية.. وهنا ظهر البلطجية بأنواعهم المختلفة أطلقتهم الداخلية وأفسحت لهم الطريق فى محاولة لمنع وصول الصحفيين إلى نقاباتهم باستخدامهم أقصى أنواع السب والقذف.. وهنا تأكد لى بأن وزارة الداخلية تمارس البلطجة أحيانا فى محاولة لتحقيق أهدافها!
للأسف تغيرت لغة الحوار بين أطراف المجتمع بعد الثورة وأصبح التقسيم مبنيا على أساس الانتماء.. وليس على أساس مقدار العمل.. وضاع الوطن بين هذا وذاك وأمام القائمين عليه مهمة شاقة من أجل عودة القيم الصحيحة التى تربى عليها المواطن فى السابق سواء على مستوى المناهج الدراسية أو وسائل الإعلام التى أصبح همها اثارة الفتنة والفرقة بين أطياف المجتمع.
الختام: فى أزمة وزارة الداخلية مع نقابة الصحفيين.. الكل غلطان.. يتحمل مسئولية التصعيد.. فالداخلية نفذت القانون ولم تستخدم روح القانون.. ومجلس نقابة الصحفيين أخذ الأمور بحدة وتطرف.. ولم يحتكموا إلى لغة العقل.. فكانت النتيجة ما نحن فيه الآن.. ولا ندرى ما هى النهاية؟