د.على الدين هلال أستاذ العلوم السياسية
د.على الدين هلال أستاذ العلوم السياسية


د.على الدين هلال أستاذ العلوم السياسية ووزير الشباب والرياضة الأسبق:

الدولة مصنع يعمل 24 ساعة في كل المجالات.. ولم أفقد الثقة في معدن المصريين

محمد عبدالمنعم

الإثنين، 13 سبتمبر 2021 - 07:34 م

 

عاصر رؤساء مصر منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952، وحتى الآن، كما أنه قارئ جيد لتاريخ الدولة المصرية والمنطقة بأسرها، وتقلد عددًا من المناصب السياسية فى الدولة منها وزير الشباب والرياضة، كما أنه أستاذ للعلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وتخرج من تحت يده أجيال وأجيال، إنه الدكتور على الدين هلال، الذى أكد أنه لم يفقد الثقة مطلقًا فى معدن الشعب المصرى وجوهر شخصيته الوطنية التى رفضت من يريد أن يغير نمط الحياة التى اعتاد عليه الشعب منذ القدم وحتى الآن.
التقته جريدة «الأخبار» فى حوار ليبوح بآرائه، ويكشف لها ما الفرق بين مصر الآن وما كانت عليه فى السابق، ويقرأ الواقع والمستقبل ويكشف أبرز التحديات التى تواجه الدولة وكيف يمكن التغلب عليها، وهو ما سنكشفه فى السطور التالية.

الرئيس وضع روحه على كفه فى 30 يونيو وغامر بحياته من أجل الوطن

فى البداية.. كيف ترى مصر الآن بعد مرورها بثلاث مراحل قبل ثورة يناير وعقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو.. وما الفرق بين الثلاث مراحل؟
يجب أن تعلم أننى عاصرت فى حياتى عهود الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيسين السادات ومبارك وتقلبات ما بعد 2010 من حكم الجماعة وثورة 30 يونيو ثم حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى.. كما أننى قارئ للتاريخ.. وتاريخ مصر الحديث يبدأ من محمد على، فمصر كان لديها أقوى وأعظم تجربة تنموية، وأقوى جيش فى المنطقة، لذلك لابد أن نعرف أننا فى بلد له تاريخ تنموى قديم، وله جيش قوى قديم، فإبراهيم باشا قائد جيش مصر أيام محمد على كان على أبواب الاستانة والجيش المصرى حينها انتصر فى كل جولة مع الدولة العثمانية، كما أن مصر أول بلد يدخل السكة الحديد، فمقصد الحديث أننا لا نريد أن نضع السنوات الأخيرة فقط فى مقارنة، وكأن التاريخ بدأ بعد 2010، فمصر أكبر من ذلك، ويجب أن نستفيد من القصور والتحديات التى واجهت مصر عبر تاريخها لأنها مازالت موجودة سواء داخلية أو خارجية.

خريطة جديدة

ولكن ما تقييمك لتجربة مصر الحالية؟
مصر الآن فى تجربة عملية للنهوض التنموى والاجتماعى والاقتصادى فى كل المجالات، فما يحدث الآن خريطة جديدة لمصر، حيث تشهد البلاد حاليًا إعادة تصميم خريطة مصر سواء العمرانية أو الصناعية وتوزيع السكان، وكذلك فى الخدمات من مدارس ومستشفيات، والخدمات المختلفة، كذلك تتم إعادة تجديد الخطاب الدينى وشرحه بطريقة تتناسب مع الوضع، وحديث رئيس الجمهورية الأخير والذى تطرق فيه لضرورة إعداد الأئمة خير شاهد، كما هناك تطوير للمدارس والجامعات وهما من أهم المؤسسات الخاصة بالتربية والتنشئة، فمصر تشهد اقتحامًا لكل المجالات، ولكن بدرجات مختلفة، فمصر أصبحت ورشة عمل هائلة ومصنعا لكل المجالات، ويتم العمل طوال الـ24 ساعة من أجل تعويض فترات تأخرت بها معدلات التنمية، فالدولة تريد أن ترتفع بترتيبها فى المؤشرات العالمية التى تقيس أين تقف الدولة من بقية دول العالم.

هل كنت تتوقع نهوض مصر عقب ما حدث فى 2011؟ وما كان يخطط لمنطقة الشرق الأوسط؟
بالنسبة لى كقارئ لتاريخ مصر، لم أفقد الثقة مطلقًا فى معدن الشعب المصرى، خاصة أن جوهر الشخصية المصرية يتمثل فى الاعتزاز بالوطنية المصرية والانتماء لمصر، فمصر تتمتع بثقافة خاصة بها، فمازال لدينا عادات وطقوس تعود للعصر الفرعوني، وانتقلت من جيل لجيل، حتى وصلت للعصر الرومانى والقبطى والإسلامى الحديث.
والتحولات المختلفة فى الـ 300 سنة الأخيرة لم تشهد انقطاعات فى تاريخ مصر أو ثقافتها، فدائمًا هناك تواصل، ولم تحدث أى قطيعة، فهناك عادات مستمرة مثل الموالد وهى تقليد مصرى يجتمع فيها المسلمون والمسيحيون، وكذلك زيارة الأضرحة، وهذا يؤكد أن مصر شعب مختلف ولم يحدث انقطاع أو كسر فى تكوينه البشرى، لذلك خلال فترة حكم الجماعة شعر المواطن العادى من غير خطب أو محاضرات أن نمط الثقافة والحياة التى اعتاد عليها فى خطر، وهناك أفكار ليست فى تكوينه بدأت تتغلغل عليه، لذلك جاءت ثورة 30 يونيو، فمن يدرك حدود الشعب المصرى سيعلم أنه لن يقبل بأى شيء يهدد مكونات شخصيته الوطنية.

الرئيس غامر بحياته

ما سر نجاح الرئيس السيسى وحب الشعب المصرى له؟
يجب أن تعلم أن أى رئيس له محبوه وله منتقدوه، والرئيس السيسى ليس استثناءً، ولكن العبرة دائمًا بالأغلبية، فهناك أغلبية تؤيد الرئيس وتدعمه بكل قوة، وهناك مجموعة أخرى لديها شكوك، ولكنها فى ذات الوقت ليست ضده، وهذا ما أكده الرئيس نفسه ذات مرة، عندما قال: « لم يكن أحد يتوقع حفر قناة السويس خلال عام »، وهناك أقلية ضده، والأرجح أنها لها أيديولوجية فكرية، ولكل من هذه المجموعات أسبابه.

وما تلك الأسباب؟
الرئيس السيسى وضع روحه على كفه فى 30 يونيو وغامر بحياته ومستقبله لما يعتقد أنه فى صالح البلد، فهو المنقذ، فدور وزير الدفاع ـ آنذاك عبد الفتاح السيسى فى 30 يونيو كان حاسمًا فى إخراج مصر من المنزلق الذى كانت فيه، كما يتمثل السبب الثانى فى أن الرئيس لا يتحدث للشعب حديث أيديولوجى، فدائما يتحدث عن مشاكل المواطنين ويظهر للجميع أنه يدرك هذه المشاكل، كما لديه تصور شامل عن كل مشاكل مصر من «اقتصاد- تعليم - مستشفيات - وقواعد عسكرية-مدن صناعية - استصلاح أراضى - مدن جديدة»، فكما ذكرت من قبل الرئيس لديه خريطة جديدة لمصر، وصفاته الشخصية تجعله يدرك هذه المشاكل، كما أنه عندما يتحدث بلغة يفهمها الجميع، وأفضل أداء للرئيس عندما يتحدث من القلب ويترك الخطابات المكتوبة، فهو قادر على إيصال رسائله للشعب بفعالية، حيث يشرح ويرتب الحجج كى يصل المعلومة، كما أن جزءًا كبيرًا من نجاحه وقوته فى التواصل مع المواطنين يتمثل فى صدق حديثه والأمانة فى عرضه، بالإضافة إلى نجاحه فى إقامة علاقات جيدة مع دول العالم.

زيادة المبادرات الإقليمية

هل نستطيع القول إن مصر نجحت فى استعادة دورها الإقليمى؟
مصر لم تفقد دورها الإقليمى مطلقًا، ولكن جوهره قد يتغير، فالدور الإقليمى ليس سياسة خارجية فقط، فمثلًا هناك ملايين المصريين العاملين فى الدول العربية، وهذا جزء من الدور الإقليمى، وهناك الخبراء العاملون فى البلدان العربية، دورًا إقليميًا، كما أنه خلال شهر رمضان المعظم 90% من القنوات العربية تبث الدراما المصرية، وهذا دور إقليمى، ومن ثم فكلمة إقليمى لا تنحصر فى السياسة فقط، وإنما حجم وجودك وتأثيرك، فهناك وقت من الأوقات كان لمصر سياسة ثورية، وذلك فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وفى وقت آخر تغيرت الظروف الاقتصادية والاجتماعية فتغير هذا الدور، ولكن من المؤكد أنه فى السبع سنوات الأخيرة زادت المبادرات الإقليمية لمصر، خاصة فيما يتعلق بالقضايا التى تمس الأمن القومى المصرى مباشرة، مثل ليبيا وفلسطين والسودان، كما أن الرئيس السيسى فى 2015 طرح مبادرة قوية للغاية وهى قوة دفاع عربية مشتركة وهذا تفكير متقدم للغاية، ولكن حالت بعض الأمور دون تنفيذها.

حياة كريمة.. إنجاز كبير

ماذا عن المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» هل يمكن أن نطلق عليها مشروع القرن؟
المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» ربما يسجل التاريخ بعد تحقيقها أنها من أهم الإنجازات التى تحققت فى هذه الفترة على مدى قرن من الزمان، ويجب أن تعلم أن الريف ظلم تاريخيًا الريف منذ 1952 وقبل ذلك وإلى الآن، والدراسات الاقتصادية تؤكد أن فائض القيمة والعائد الذى يحققه الريف يستثمر فى المدينة، فالريف ظلم لأنه اتبعت سياسات اقتصادية واجتماعية أدت لزيادة الهوة بين الريف والمدينة، كما أنها أدت إلى أن الريف أصبح قوة طاردة للبشر، لذلك تعد المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» تصحيحا تاريخيا لواقع غير عادل ما كان ينبغى له أن يستمر، فالمواطنة معناها أنه أيا كان مكان مولدى هناك حد أدنى من الحقوق والخدمات ينبغى أن يتمتع بها وهذا لم يكن يحدث، لذلك هذا المشروع جوهره إقامة العدل بين المواطنين، وأن يتمتع كل مصرى، أيا كان مكان إقامته بحد من الخدمات الأساسية.

وهل تتوقع أن تنتهى المبادرة وفق المخطط لها خلال ثلاث سنوات؟
المخطط أن يتم الانتهاء من المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» خلال ثلاث سنوات، وهذا المشروع الكبير لم يولد بين يوم وليلة، وإنما كانت هناك تجربة وتم اكتشاف الثغرات، كما أن هذا العصر يتميز بميزة لم تكن متواجدة فى السابق، حيث كان فى الماضى المشروع الواحد يفتتح مرة واثنتين حيث كانت السمة السابقة ضعف الإنجاز وعدم تحقيق المشروعات فى أوقاتها المحددة، وهذا لم يعد متواجدًا الآن والدليل أن الرئيس عبد الفتاح السيسى لن تجد خبرًا واحدًا عن وضعه حجر الأساس لأى مشروع، وإنما افتتاحات تتم على الفور، فهناك سرعة إنجاز وفرق متابعة على أعلى مستوى للتأكد من جدية تنفيذ المشروعات، لذلك فمبادرة «حياة كريمة» عندما ترى نطاقها الجغرافى وحجم تمويلها والنقلة الاقتصادية والثقافية والحضارية والاجتماعية التى ستحدثها ستغير وجه الحياة فى تلك القرى.

هل من الممكن أن يختلف مفهوم حقوق الإنسان من دولة لأخرى؟
حقوق الإنسان لها معنى ومعالم، وأول هذه المعالم الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام 1948، ثم العهد الدولى الأول والثانى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، إذ يتفق كل العاملين فى مجال حقوق الإنسان أن لها طابعا سياسيا، ومدنيا، واجتماعيا، واقتصاديا، حيث لا يوجد ما يبرر أن تعطى أولوية لبعض الحقوق على أحدها، لذلك لابد أن نبدأ من منطلق تكامل منظومة حقوق الإنسان، والدولة المصرية تدين أى انحراف فى هذه الحقوق، ولكن المشكلة بين الدول النامية والمتقدمة، أن الغرب مثلا ليس لديه مشكلة محو أمية أو فقر مدقع وليس لديه مشكلة أن المدارس لا تتواجد فى مناطق، ومن ثم التركيز لديهم على الحقوق السياسية خاصة أن الغرب استكمل ثورته الصناعية، وجاء الحديث عن الحقوق السياسية فى مرحلة تالية، ولكن الدول النامية فى ظل ظروفها الاقتصادية والاجتماعية تسعى لتحقيق مهام اقتصادية واجتماعية نفذتها الدول المتقدمة منذ 50 عامًا.

ثلاثة تحديات

ما أبرز التحديات التى تواجه الدولة حاليًا ومستقبلًا؟
جزء من الاستمرار فى الإنجاز التعرف على المعوقات والتحديات، ولدينا فى مصر تاريخيًا مشاكل هيكلية فى جسد المجتمع، فمثلًا هناك جهود تبذل لمواجهة الزيادة السكانية، وبدأ ذلك منذ الرئيس جمال عبد الناصر، وكذلك الرئيس السادات ومبارك، والرئيس السيسى ذات الكلام، خاصة أن تكلفة الزيادة السكانية يمكن أن تأكل وتستهلك كل الموارد وعوائد التنمية، كما أن الرئيس السيسى عندما تحدث عن الزيادة السكانية تعاملت أجهزة الإعلام مع حديث الرئيس بمنهج الحملات الإعلامية لذلك تم التناول لمدة أسبوع فقط، ولكن الأمر يحتاج لفهم لماذا فشلت سياسات تنظيم الأسرة فى المراحل السابقة، وما هى الفئات التى تنجب أكثر، ولماذا تنجب أكثر، وستجد أن المشكلة تتمثل فى أن الأكثر احتياجًا هم الأكثر إنجابًا، لذلك نحتاج التوصل لإجابات للأسئلة السابقة، كما أن البعض يعتقد أن الأطفال بالنسبة للأسرة طاقة اقتصادية مضافة ومورد اقتصادى للأسرة، حيث يتم دفع الأطفال للعمل من أجل إدخال موارد للأسرة، بالإضافة إلى بعض المفاهيم الخاطئة مثل البحث عن إنجاب الأولاد، وأن الولد يأتى برزقه، لذلك هذه الأمور تحتاج لدراسة، وكذلك تغيير واقع المواطنين، خاصة أن مواجهة الفقر أهم سلاح لخفض نسبة الزيادة السكانية.

وهل ترى أن هناك تحديات أخرى؟
هناك موضوع آخر نريد محاربته ومواجهته وهو محو الأمية، فحسب الإحصائيات الرسمية هناك من 29 إلى 30% من المصريين لديهم محو أمية، ولك أن تتخيل أن أول وزارة مستقلة لمصر منذ 1923 كان من برنامجها القضاء على الأمية فى مصر، أى ما يقرب من 100 عام ونحن نجابه الأمية، لذلك يجب انتهاج سياسات جديدة لتغيير الواقع، كما أن التحدى الثالث الذى يواجه الدولة يتمثل فى تغيير القيم، فمصر الجديدة التى نتطلع لها لا تتمثل فى التطور المادى أو العمرانى أو المستشفيات فقط، وإنما فى البشر، لذلك النتيجة التى وصلت لها أن الدولة بقيادة الرئيس السيسى أكثر تقدمًا من المجتمع، فالدولة تقوم بدور كبير لإحداث تغييرات تؤدى لتغيير القيم الاجتماعية والثقافية، ولكن هناك قطاعا لازالت لديه أفكار مناهضة للتطور والتسامح وعمل المرأة، لذلك فلدينا ثلاث تحديات كبرى يجب مواجهتها وهى الانفجار السكانى ومحو الأمية وتغيير القيم، وأعتقد أن هذه التحديات ضمن أولويات الدولة.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة