علاء عبد الوهاب
علاء عبد الوهاب


يوميات الأخبار

فى لحظة الأزمة.. الخيال أهم من المعرفة!

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 14 سبتمبر 2021 - 07:35 م

أحياناً أخرى يختلف المشهد نوعاً ما، فى الظاهر يضم المكان من يتحاورون لكن الحقيقة هو حوار الطرشان، فلا يسمع كل إنسان إلا نفسه أو صدى صوته،،!

الخميس:
من رحم الأيام تولد المواقف، حلوها ومرها، حسنها وقبيحها، سهلها وصعبها… و… و…
خبرة العمر تؤكد المؤكد!
وتتنوع المواقف ما بين نجاحات وأزمات، قد تكون توابعها إخفاقات أو إنجازات.
وليس كل موقف صعب بمثابة أزمة، لكن بيننا من يرى أتفه العقبات كأنما هى جبل شاهق، أو بحر عميق، من المستحيل اجتيازه.

خذ مثلاً: ما أعقب الإعلان عن نتيجة الثانوية العامة.
التقيت أبناء وآباء ينظرون إلى المجموع باعتباره نهاية العالم، أو مأساة أو كارثة، لتسيطر مشاعر الأزمة وشبحها على البيت، وربما امتدت توابعها لمن يجمعهم بالأسرة علاقة حميمة من أقارب أو أصدقاء!
كنت أقول لهؤلاء جميعاً، سأفترض معكم أنكم بصدد أزمة، فلتتذكروا مقولة اينشتاين الرائعة:
فى أوقات الأزمات الخيال وحده أهم من المعرفة.
ثم تعالوا نمد الخط على استقامته، فالأزمة بأبسط تعريفاتها موقف يمثل نقطة تحول نحو الأسوأ.. أو الأفضل.
كان رد الفعل غالباً يتراوح ما بين الدهشة والاستنكار!
نعم.. نحو الأفضل، وليس بالضرورة الأسوأ، كنت أقول الجملة ضاعظاً على كل حرف من حروفها، لعل ما أقصده يصل إلى العقول والقلوب فى آن واحد.
وكان السؤال الذى يتكرر: كيف؟
المطلوب قبل أى شىء: تغيير ما استقرت عليه الأمور عقوداً طويلة، نظرة مختلفة، قدر من التجديد المصحوب بروح المغامرة، ولابد للخيال أن يكون حاضراً بقوة.

فيأتى الرد سؤالاً آخر: يعنى تطالبنا بالتكيف مع الواقع؟
لا.. قد يكون ذلك مجرد مرحلة سريعة، قبل امتلاك القدرة على مجاوزة الواقع، إلتماسا لأفق مستقبلى يجعل مما يتصوره البعض محنة، منحة.
كنت أقول للأبناء: لا تسمحوا للحظة تتعاملون معها كأزمة، أن تغذى نفسها ذاتيا، فتتحول إلى كرة ثلج هائلة.
وكنت أذكر الآباء بتثمين المتصوفة للأزمة باعتبارها ابتلاء، واختباراً للإنسان ليعيد النظر فى أسلوب حياته، ويسبر غور الأحداث، تلمسا للنجاة فوق جسر الحقيقة.

الخيال الخصب وإرادة التغيير مجدافان يكفلان لقارب النجاة أن يرسو على شاطئ النجاح، ويتحول الحلم من خيال إلى واقع.

حوار بين الطرشان والعميان!

الجمعة:
تجمعنى الصدفة أو الظروف بأطراف حوار اتفقوا -تقريبًا- على ألا يتفقوا، فيتحول الحوار إلى مبارزة، والنقاش إلى عبارات تشبه كرة البنج بونج والألسن إلى مضارب، والقاعة أو الحجرة تصبح أقرب ما تكون إلى مائدة اللعبة بدون شبكتها الصغيرة!

أحياناً أخرى يختلف المشهد نوعاً ما، فى الظاهر يضم المكان من يتحاورون، لكن الحقيقة هو حوار الطرشان، فلا يسمع كل إنسان إلا نفسه أو صدى صوته!
للأسف قواعد الحوار وأصوله تغيب، يتعالى صاحب المعرفة على الأقل علماً أو ثقافة، وبالمقابل يتشبث من يعانون جموداً فى أفكارهم بالقديم والبالى، ثم يأتى دور طاووس الجلسة ليزهو بما يقول، ويرى فى من حوله مجرد غوغاء وجهلة!

الأسوأ من حوار الطرشان، نوع آخر من الحوار يذكرك بحكاية الفيل والعميان. هؤلاء العميان الذين اجتمعوا حول فيل، ثم بدأ يصف كل منهم الفيل، فمن أمسك بذيله، غير من تعلق بخرطومه، بخلاف من لمس أذنه و… و… وهكذا أصر كل واحد من العميان على أن «الجزء» الذى عاينه بأصابعه هو «كل» الشىء المطلوب منه وصفه!

يحدث هذا تماماً فى حوارات كثيرة حين يرى كل متحدث أن الزاوية التى يتناول منها موضوع الحوار تمثل رؤية متكاملة، ومن ثم يتصور صاحبها أنه يحتكر الحقيقة والصواب حصريا!

يتغافل المتحاورون -مجازًا- أن أى قضية أو ظاهرة تتعدد أوجهها، وأن الاختلاف طبيعى، وأن تعدد وجهات النظر يثرى أى مناقشة، ويفيد أطرافها، ويعمق فهمهم، وربما يقود الحوار إذا ما احترم أطرافه مفهومه الصحيح إلى إثراء معرفتهم، وبناء درجة من القواسم المشتركة، خاصة إذا كانوا إزاء موضوع أو مشكلة مستجدة، ماداموا حريصين على الانفتاح على أصحاب الرؤى المغايرة.

متى تعود للحوار خصوبته ويلتزم المتحارون بأصوله؟

مواجهة إعلانات القتل

الأحد:
أتمنى أن تكون المبادرة التالية للمجلس الأعلى للإعلام، بعد إصداره الكود الذى ينظم الإعلان الطبى عن الأدوية، ومشاركة أطباء فى الحملات الإعلانية للمنتجات الدوائية، أن يسهر المجلس على إعداد قواعد تنظم الإعلان عن ألعاب الأطفال والشباب، فى ظل انتشار إعلانات عن ألعاب تدعو للعنف بل للقتل، مع إلحاح شديد فى مرات الإعلان المتتالية، وبكثافة لافتة!

قبل فترة ليست ببعيدة تم رصد العديد من حالات الانتحار، إيذاء الغير بسبب إدمان بعض الألعاب المحفزة والمحبذة للعنف، بل إن معدل الجرائم الأسرية ارتفع بصورة غير مسبوقة، مما يهدد أمن المجتمع وسلامته، وثمة دراسات علمية صادرة عن مراكز بحثية، عمل عليها باحثون مرموقون، حذرت من مغبة انتشار الألعاب العنيفة، وما صاحبها من إعلانات على العديد من القنوات الفضائية، بل والأرضية، وتستغرق مساحات زمنية طويلة، وتتكرر على مدار البث مرات ومرات!

تصوروا أحد هذه الإعلانات يتحدث عن القتل باعتباره نوعاً من الترفيه والمتعة، ويخاطب المشاهد لتوضيح مزايا اللعبة بكلام من قبيل: إذا ظهر اللون الأحمر.. أنت فى عداد الموتى، وتستطيع بضغطة أن تعود للحياة لتنتقم، وتقتل من تسبب فى موتك و… وهكذا فإن كل المفردات المستخدمة لا تخرج عما تستخدمه عصابات الإجرام المنظم، ومتحرفى سفك الدماء!

ما ذكرته مجرد نموذج يؤششر لخطورة ما تفضى إليه ممارسة تلك النوعية من الألعاب العنيفة، ذات الآثار التدميرية على الفرد والأسرة والمجتمع، لاسيما عندما يدمن الطفل أو الشاب عليها، وتصبح معظم الوقت هى عالمه الذى لا يتجاوز حدوده إلا لينام!

على يقين أن تدخل المجلس الأعلى للإعلام، سوف يواجه هذه الموجة الإعلانية المدمرة، بكل حسم وحزم لحماية أبنائنا من آثارها الخطيرة، التى تتجاوز الأفراد فى المجتمع.

حق يراد به باطل

السبت:
«أنا حر» هذه الجملة الموجزة المكثفة، يرددها البعض كالببغاء، دون وعى أو إدراك حقيقى لمغزاها، من ثم يترتب على إشهارها فى وجوه الآخرين مشاكل عدة.
الصغير والكبير، الجاهل والمتعلم، ضيق الأفق وواسع المعرفة و… و…

مواقف لا تستدعى قولها، وقد تعكس قصوراً فى الفهم، ورفضاً للاطلاع على حقيقة الأمر، والتمترس عند رأى يحمل من الخطأ أكثر مما يتضمنه من صواب، والسيف المشهر فى وجوه الآخرين ذات الجملة: «أنا حر»!

لا يمر يوم دون أن تطرق أذنى، أو استمع لشكوى مريرة ممن تعرضوا لسماعها ممن لا يعوون جوهرها، أعنى جوهر الحرية. فإذا قلت ما قاله أجدادنا: أنت حر ما لم تضر.

يصرخ أحدهم: أنت تريد أن تحرمنى حقاً، ويصيح آخر: لن أسمح لك أن تصادر رأيى، ويعترض ثالث: لست بأفضل منى فى شىء حتى أنفذ ما تريد، لا أن أفرض ما أراه أنا صوابا!

ذات مرة قلت لنفسى: إننى بصدد شاب يبدو ناضجا، وسألته: لماذا تردد دائما مقولة: أنا حر؟
نظر بغضب بالغ حتى تقلصت ملامح وجهه، واحمرت عيناه، وتحشرج صوته، ثم قال: رغم أننى أرفض السؤال من الأساس، لكنى سأجيبك: أرددها يا سيدى لأننى أرفض أى قيود.
قلت: إن ذلك لا يعنى سوى الفوضى.. إنه حق يراد به باطل.

رد دون تفكير: هل تنكر حقى فى أن تكون الحرية غايتى؟
قلت: أبدا، بل على العكس تماما، أنا مع حرية الجميع بعيداً عن الفوضى، حيث لا موقع لأى نوع أو درجة من الحرية، ويكون صراع الكل ضد الكل و…قاطعنى ملوحا بيديه حتى كادت أصابعه تلامس وجهى: أرفض هذا المنطق.
ابتسمت مهدئا من روعه: تذكر يا بنى أن الأقدمين قالوا: إن حرية يدك تتوقف عند حدود أنفى!
الذين أعادوا اختراع التوك توك!

الاثنين:
أحد أبرز مظاهر العشوائية استفزازًا: التوك توك.
مصائبه وبلاويه لا تعد ولا تحصى!
صدر قرار بحظر سيره بالمدن، والشوارع الرئيسية منذ نحو عامين، لكنه مازال «يبرطع» ويصول ويجول سائقوه حيثما أرادوا، ووقتما شاءوا!
فى زيارة خاطفة للإسكندرية، رصدت انتشارا سرطانيا لـ»التوك توك» فى عروس البحر الأبيض، وكأنما يخرج لسانه للجميع: أهل الثغر وزواره!
استوقفنى وصف سائق التاكسى: متى يتوب الله علينا من هذه الصراصير؟!

تذكرت غزو التوك توك للكثير من الضواحى الراقية، والمدن الجديدة، تساءلت: إلى أين وصلت الدراسة الخاصة بإحلال «المينى ڤان» لهذا الذى يجسد العشوائية فى أكثر تجلياتها بؤسا؟

وسط فيض من الغيظ، فاجأنى البعض بحفاوة بالغة لشباب اخترعوا توك توك مصريًا ١٠٠٪، ووسط حماس شديد كان المخترعون العباقرة محل ثناء وإشادة، حتى أن هناك من توجه بالرجاء لتبنى أكاديمية البحث العلمى هذا الجهد، ثم توصية ورجاء للمصنعين الوطنيين بالبدء فى إنتاج ما فاضت به قريحة شبابنا مخترعى التوك توك، وكأنهم اعادوا اختراع العجلة!!

وكأن الذين يغارون على وطنهم من تفشى عشوائية التوك توك فيطالبون بمنع استيراده أو التجميع المحلى لمكوناته يؤذنون فى مالطة.

....................

قرأت قبل أيام تصريحا للمتحدث باسم وزارة التنمية المحلية، يزف إلينا بشرى مفادها أن إحلال «المينى ڤان» بديلا لـ»التوك توك» لايزال محل دراسة، بعد نحو عامين من قرار حظر الأخير بقرار لمجلس الوزراء فى المدن والشوارع الرئيسية، فكم من الوقت يلزم لتفعيل القرار، بالتوازى دخول «المينى ڤان» الخدمة، ليختفى تدريجيًا هذا الكائن العشوائى، المستفز فى مساره، وسلوك من يقوده؟
أحلم بيوم يختفى فيه «التوك توك» كمظهر مقيت للعشوائية، لينتصر كل ما هو حضارى، من أجل وجه أجمل لكل مدننا وشوارعنا.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة