كان الأسبوع الماضي هو أسبوع المتناقضات بامتياز. فبينما استعد الجميع للاحتفال بشم النسيم كل علي طريقته، وعاش إخواننا المسيحيون أجواء وطقوس احتفالهم بعيد القيامة المجيد، اخترق خبر عاجل تلك الحالة المزاجية للمصريين جميعا ليصيب البعض بالحزن، والبعض الآخر بالغضب، والبعض الثالث باللامبالاة، هذا البعض للأسف يمثل أغلبية الشعب المصري الذي لا يهمه من الأحداث والأخبار إلا ما يتعلق بلقمة عيشه.
رغم أن الدنيا ربيع والجو بديع إلا أن اقتحام الداخلية لنقابة من أعرق وأهم النقابات لم يكن بديعا علي الإطلاق، بل كان تجاوزا صارخا في حق هذا الحرم الذي يمثل رمزا أكثر من كونه مبني. نقابة الصحفيين تمثل أيقونة حرية الرأي في مصر وأي مساس بكرامتها، وحرمتها يعد انتهاكا واضحا لمعني تمثله النقابة، وقيمة طالما دافع عنها رواد المهنة وتصدوا بشجاعة وقوة لكل من حاول النيل منها. قانون 93 كان مثالا مشرفا لوقفة شجاعة شاركت فيها الجماعة الصحفية بكاملها، دون انقسام أو تشتيت، لذلك ألغي الرئيس مبارك قانون 93 الذي كان يقيد حرية الصحافة، مضطرا تحت الضغط الكاسح للصحفيين عام 1995 بعد عام كامل من النضال.
لقد بررت الداخلية ما حدث بأنه «تنفيذ للقانون» لكن ذلك ليس مقبولا، فهناك مواد في القانون تلزم الداخلية بإخطار النقيب أو من ينوب عنه بأمر القبض علي أحد الصحفيين، ولابد أن يتم ذلك بمعرفة ووجود المسئول النقابي، وأنا هنا لا أتحدث عن براءة أو إدانة محمود السقا أو عمرو بدر. فهذا عمل القضاء ولا يحق لأحد التدخل فيه، لكني أرفض هذا الإجراء التعسفي، فالمشهد الذي رواه شهود عيان حضروا الواقعة كان مشينا، أن يدخل عدد من الضباط، ثم يزيحون موظف الاستقبال بعنف، ويدخلون النقابة كأنهم يداهمون وكرا للمخدرات، ويقبضون علي اثنين من الصحفيين أحدهما عضو نقابة، هذا تصرف لا يمكن أن يقبله أي عضو في تلك النقابة العريقة.
وهنا أيضا لابد أن أوجه عتابا شديدا لنقيب الصحفيين الزميل العزيز يحيي قلاش، وأقول له كيف تسمح أن يختبئ داخل حرم النقابة أشخاص مطلوبون جنائيا، إذا كنا نعترض علي اقتحام الداخلية لنقابتنا بهذا الأسلوب المهين، فأنا أسجل هنا أيضا اعتراضي علي أن تؤوي النقابة أشخاصا مطلوبين لارتكابهم جرائم تحريض علي العنف والإرهاب.
اليوم تنعقد جمعية عمومية غير عادية بنقابة الصحفيين لبحث تلك الأزمة الخطيرة بين الصحفيين ووزير الداخلية الذي يطالب نقيب الصحفيين ومجلس النقابة وعدد كبير من أعضاء الجمعية العمومية بإقالته واعتذار رئيس الوزراء عما حدث.
أملي أن تعالج الحكومة هذه الأزمة بذكاء، وأن تستطيع احتواء الموقف وتهدئة الصحفيين، فالعداء مع الصحفيين ليس في صالح حكومتنا. وإشعال فتيل أزمات في المرحلة التي نعيشها لن يكون إلا في صالح أعداء مصر.
تصرفوا بحكمة وسياسة وحنكة هذه المرة أثابكم الله.