د. محمد حسن البنا
د. محمد حسن البنا


الحياة.. في كلمتين!

محمد حسن البنا

الأربعاء، 15 سبتمبر 2021 - 07:09 م

 

«يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعى إلى ربك راضية مرضية، فادخلى فى عبادى، وادخلى جنتى»

ما أعظم أن يعيش الإنسان فى ظلال نعمة الرضا، «ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس». «الرضا» هى الكلمة الأولى والفاصلة فى الحياة. أما الكلمة الثانية فهى أمل كل إنسان على وجه البسيطة، وهى «حسن الخاتمة». حينما ينول الإنسان حسن الخاتمة، يكون قد كسب حياته فى الدنيا والآخرة.

أما، والعياذ بالله، إذا ساءت خاتمته فى الدنيا، فقد خسر دنياه وآخرته. ولهذا تجد الدعاء المستحب لبنى آدم «اللهم نسألك حسن الخاتمة». ويجب أن نعلم أن حسن الخاتمة ليس فقط بأداء فروض الله سبحانه، لكن بحسن الخلق والسلام مع النفس والناس. أى أن حسن معاملة الآخرين يأتى فى مرتبة أعلى من الصلاة والصوم والحج . وليس معنى هذا أن نترك فروض ربنا. فقد فرضها علينا لحسن عبادته، والتأدب مع جلاله سبحانه، وطاعته بتنفيذ أوامره وترك نواهيه.

فى حالة الرضا، يكون الإنسان طاهرا من الغل والحقد على الآخرين. لأنه راضٍ عما قسمه الله له. راضٍ بما أتاه الله من نعم، وما يتمتع به من خيرات رزقه الله بها. راضٍ بما يصيبه من مصائب الدنيا، لأنه راضٍ بقضاء الله وقدره. ولا أقول إن الرضا وحى أو إلهام، إنما هو نتاج تدريب شاقٍ للنفس ودعم من الله سبحانه. النفس البشرية أمارة بالسوء إلا من رحم ربى. لهذا فمن حسن الدعاء أن تقول: «اللهم انزع الحقد والغل من صدرى». هذه هى النفس الراضية المطمئنة، مهما أصابها من مكروه دنيوى. يقول تعالى فى خاتمة سورة الفجر «يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعى الى ربك راضية مرضية، فادخلى فى عبادى، وادخلى جنتى» صدق الله العظيم.

إذن، من وجهة نظرى، ألخص الحياة فى كلمتين رئيسيتين «الرضا» و «حسن الخاتمة». إن استطاع الإنسان استيعابهما فى حياته ووضعهما موضع التطبيق والرعاية فاز بالدنيا والآخرة. وأتعجب ممن يرجع أموره الى غيبيات الطبيعة، أو يدعى العلمانية مذهبا لحياته، دون أن يدرك أن هناك إلها واحدا، فردا صمدا، فوق كل هذا. لو كان علمانيًا حقا لأدرك أن هناك الله الواحد الأحد الذى خلق الناس جميعا مؤمنين وكفاراً. وخلق الكون كله بما فيه من جماد وحيوان ونجوم وكواكب وأرض وبحار «وكل شىء عنده بمقدار». إسلامى علمنى أن أتعامل معك بالحسنى «لكم دينكم ولى دين». وكما تسعى بشتى السبل لنشر أفكارك الهدامة فيجب ألا تنكر علىّ نشر رسالتى السمحة، والتى فيها الخير للبشرية لأنها من خالق البشر.
 وهناك نقطة نظام لابد منها، قبل أن نفسح المجال لمن يعلن أنه علمانى، أو بلا دين، أو ينكر الدين للآخر، وهى أن الدين والتربية والقيم والأخلاق والثقافة من مقومات الهوية للدول والشعوب. وأن انتصاراتنا على أعداء الأمة كانت فى سبيل هذه الهوية، فإذا انفرط عقدها ضاعت وأصبحت فى غياهب الجب. وتزيلت قائمة الدول، فهى أرض بلا نبت إنسانى ينتمى لها. كم من المرات تعرضت هويتنا وقوميتنا المصرية والعربية إلى هزات عنيفة، استهدفت قتلها وتدميرها، لكنها صمدت بفضل الدين والقيم والتاريخ والحضارة والتراث. وبفضل قادة يقدرون ذلك.

من هنا أدعو إلى حوار جدلى حضارى بين كل الأفكار، من دون عداوات واتهامات مسبقة لأحد، مهما كان شططه الفكرى، لنصل معا إلى قيم وثقافات نتفق على أهميتها فى تجديد الوعى القومى، بدلا من الحديث عن الكلمة التى أنتجت حساسية مفرطة بين الطرفين «تجديد الخطاب الدينى».

المفكر سلماوى
 بينى وبينه علاقة قوية من دون لقاءات متعددة. فقد رأيته لأول مرة أحد أيام 1984 يملأ مقعده فى مجلس نقابة الصحفيين. صاحب رأى ورؤية. شجاع فى المواجهة، واضح الفكر، قوى العبارات. تمنيت أن أكون مثله فى نشاطه النقابى والصحفى، وأعشق طريقته المهنية والفكرية والثقافية.  سألنى، وكان مهتما بشباب الصحفيين، فيما تفكر؟!. قلت له دون تردد أفكر فى أن أفوز بعضوية مجلس النقابة. قال: بالهمة، ربنا يوفقك. انتهى أول لقاء، وفى أول انتخابات رشحت نفسى فى التجديد النصفى مارس 1985. وكان بخروج 6 أعضاء ودخول 6 آخرين . تقدمت من دون دعاية كما يفعل الزملاء، فقط بالمرور على المؤسسات والصحف، حصلت على المركز السابع. أى الاحتياطى لخروج أى من أعضاء المجلس. مر عامان، وقبل أن تبدأ انتخابات التجديد النصفى توفى النقابى المحترم والزميل العزيز بالأخبار الأستاذ فتحى رزق رحمة الله عليه. وقد خلا مكانه، وأصبح لزاما على المجلس الذى يرأسه المرحوم إبراهيم نافع أن يملأ المكان بالحاصل على المركز السابع فى الانتخابات الأخيرة، لأصبح بناء على هذا عضوا بمجلس النقابة مع نخبة من عظماء المهنة والعمل النقابى.

أقول هذا بمناسبة الإهداء الرقيق الذى أمهره الأستاذ محمد سلماوى لى على نسخة من كتابه القيم «العصف والريحان». الكتاب يحمل بين طياته الجزء الثانى من مذكرات حياته العامة والشخصية، والتى بدأها بكتابه الأول «يوما بعد يوم «. المثقفون يصنفون سلماوى على أنه مفكر ناصرى، باعتباره من عشاق الحقبة الناصرية. وأنا أراه مفكرا مصريا وطنيا أصيلا، يعشق تراب مصر، وامتهن الكتابة والإبداع من أجلها، ورزقه الله موهبة صحفية تضعه فى مصاف رواد المهنة، ويكفيه أنه من مؤسسى «الأهرام ويكلى» و»الأهرام إبدو». كما رزقه الله الإبداع الروائى والمسرحى فألف العديد من المسرحيات الشهيرة، من بينها: «الرجل الذى عادت إليه ذاكرته، فوت علينا بكرة، القاتل خارج السجن، الجنزير، وسالومى» وغيرها من الأعمال الفنية والثقافية الخالدة .

سلماوى المثقف قبل العمل فى فريق وزير الثقافة المحترم فاروق حسنى أيام الرئيس الراحل مبارك. واستقال برغبته بعد سنوات قليلة هربا من الروتين الحكومى البغيض. وبعد أحداث يناير 2011 عرضت عليه وزارة الثقافة ورفض، كما عرضت عليه أيام حكم الإخوان ورفض. هذا الرفض تأكيد لشخصيته الثقافية المحترمة. وإن كنت أرى أننا فى احتياج له الآن لإنقاذ الثقافة المصرية من الضياع. التاريخ الثقافى يذكر وزيرين مهمين فقط كان لكليهما التأثير الإيجابى هما ثروت عكاشة وفاروق حسنى. ومازلت أتصور أن سلماوى المثقف الذى يستطيع أن يملأ الفراغ الثقافى ببلادنا. مذكرات سلماوى تستحق القراءة والتأمل.

الاتجاه القومى
 وإن كنت أرى أنه لم يعد للعرب اتجاه قومى، لكن الصديق العزيز عبد الهادى عباس اختار عنوانا لكتابه الإبداعى الجديد «الاتجاه القومى فى الشعر المصرى المعاصر». وجهة نظرى تستند إلى الواقع السياسى والثقافى والأدبى الذى نعيشه فى مصر والدول العربية الأخرى. كما تستند إلى ما ذكره الكاتب الكبير عبد الهادى نفسه، الذى قال فى مقدمة كتابه «ربما يكون محقا من يعتقد أن الشعر الآن يواجه عنتا وكدرا لم يجابههما طوال عمره المديد» واستفاض عبد الهادى فى شرح الأسباب. لكن الكتاب يستحق القراءة لأنه من نوع التحقيق البحثى العلمى المقنن. ويضم مدخلا تاريخيا، ثم ثلاثة فصول عن بواعث التجربة القومية، والوطن فى وجدان الشعراء، والتشكيل الفنى فى الشعر القومى المصرى المعاصر.

من آمن العقاب
 هذه رؤية للكاتب والأخ العزيز الدكتور وائل محمد رضا الباحث فى شئون الدراسات البيئية، تستحق الاهتمام. يلخص لنا وضعا ينتشر فى مجتمعنا، يجب أن نقضى عليه. يقول: عندما يأمن بعض الأفراد على أنفسهم من العقاب يسيئون التصرف: تضليل الشباب بفتاوى دينية مغلوطة وتشويه صورة الدين الإسلامى الحنيف القائم على التسامح وحسن الخلق والتعامل الحسن بين العباد بعضهم البعض. إغواء الشباب بإعطائهم المخدرات اللعينة وتدمير الشباب لتدمير مقدرات الأمة. بيع آثار الوطن فى الخارج لتحقيق ثراء فاحش. بيع أحلام وعمر الشباب وإقناعهم بالهجرة غير الشرعية إلى الخارج ووعدهم بأرض الأحلام وتنتهى حياتهم فى البحر طعاماً للأسماك. لا يراعى الله ثم ضميره عند اختيار من يتولى المناصب القيادية ويقوم بتعيين الأقارب والأصحاب وشلة الأنس والفرفشة. يسرق أحلام المواطنين بالاستيلاء دون وجه حق على أموالهم بحجة توظيفها. يسرق عمر المواطنين بالغش فى مواد البناء لتقع العمارة فى النهاية، ويتسبب فى موت العباد. يقوم باستغلال مهام وظيفته محققاً كسب غير مشروع. يلقى بمخلفات الهدم والبناء على جنبات ووسط الطريق مما يتسبب فى الحوادث وتحطم السيارات وإهدار المليارات التى قامت الدولة بإنفاقها على رصف وتحسين الطرق. لا يقوم بتغطية سيارات ((الموت الثقيل)) عند تحميلها بالمخلفات الصلبة أو مخلفات الهدم والبناء مما يجعلها تطلق رصاصها عند سيرها فى الشوارع على المارة والسيارت. يقوم باحتلال الرصيف عند القيام بعمل فرح أو عزاء فى الشارع. يقوم البعض بالحصول على أجر مرتفع من المرضى وإعطائهم دواء مبالغاً فيه ليحقق ثراء سريعاً من وراء ذلك. لا يحترم إشارات المرور ويقوم بكسر الإشارة مما يعرض حياة المارة للخطر الجسيم. يقوم بغش الميزان عند وزن الأطعمة للمواطنين على الرغم من أخذ حقه. يؤذى جاره بإلقاء المخلفات أمام منزلهم ويقوم بتعلية التليفزيون أو الكاسيت ولا يراعى مشاعرهم.

يقوم بسرقة التيار الكهربائى من أعمدة الإنارة فى الشوارع لينير بضاعته دون وجه حق. يقوم باستغلال أرصفة الطريق ليبيع منتجاته ويجعل المارة يسيرون فى الشارع وبين السيارات مما يعرض حياتهم للخطر. يقوم بفتح الحنفيات بصفة مستمرة ويغسل السيارات والسجاد مهدرا المياه الصالحة للشرب دون داعٍ. لا يراعى الله ثم ضميره فى عمله ولا يقوم بإنهاء أعمال المواطنين إلا بالحصول على الرشوة. يقدم أغانى وأفلاما دون المستوى تحث الشباب على الرزيلة وتعاطى المخدرات وشرب الخمور والتنمر والتعالى على المواطنين. يجبر الطلاب على أخذ دروس خصوصية عنده متسبباً فى تحميل عبء كبير على الأسرة. يستغل المواطنين عند ركن سياراتهم فى الشوارع ويقوم بأخذ فردة منهم نتيجة ركن سياراتهم أو يقوم بتحطيمها. يقوم بإلقاء الكثير من المبيدات فى الأرض الزراعية ليحقق الثراء السريع متسبباً فى إصابة المواطنين بالتسمم.
 حفظ الله مصر وشعبها وكافة الدول العربية والأفريقية والإسلامية والعالم أجمع من كل سوء وشر.

حسن الختام
 خير الكلام ما قل ودل.. لا تكن ثرثارا فينفر منك الناس.. ولا تكن مخلا فى المعنى فلا يفهمك أحد.. ولا تمش بين الناس مختالا، فلا يرحمك أحد حين تزل قدمك!

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة