الدكتور‭ ‬شوقى‭ ‬علام‭ ‬مفتى‭ ‬الجمهورية‭
الدكتور‭ ‬شوقى‭ ‬علام‭ ‬مفتى‭ ‬الجمهورية‭


أنت تسأل و العلماء يجيبون .. زكاة الأرض المؤجرة

اللواء الإسلامي

الخميس، 16 سبتمبر 2021 - 11:07 ص

‭ ‬إعداد‭:‬‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬عبدالحليم

استأجرتُ‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬لأزرعها،‭ ‬فهل‭ ‬زكاتها‭ ‬عليَّ‭ ‬أم‭ ‬على‭ ‬صاحبها؟‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الزكاة‭ ‬عليَّ‭ ‬فهل‭ ‬تخصم‭ ‬أجرة‭ ‬الأرض‭ ‬قبل‭ ‬إخراج‭ ‬الزكاة‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭ ‬وهل‭ ‬يجوز‭ ‬إخراجها‭ ‬نقدًا؟‭ ‬

يجيب‭ ‬على‭ ‬السؤال‭ ‬فضيلة‭ ‬الدكتور‭ ‬شوقى‭ ‬علام‭ ‬مفتى‭ ‬الجمهورية‭.. ‬يقول

زكاة‭ ‬الزروع‭ ‬والثمار‭ ‬ثابتة‭ ‬بالكتاب‭ ‬والسنة؛‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: ‬﴿وَءَاتُواْ‭ ‬حَقَّهُ‭ ‬يَوْمَ‭ ‬حَصَادِهِ﴾‭ [‬الأنعام‭: ‬141‭] ‬وروى‭ ‬الإمام‭ ‬مسلم‭ ‬فى‭ ‬“صحيحه”‭ ‬عن‭ ‬جابر‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭ ‬أنَّ‭ ‬سيدنا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬فِيمَا‭ ‬سَقَتِ‭ ‬الأَنْهَارُ‭ ‬وَالْغَيْمُ‭ ‬الْعُشُورُ،‭ ‬وَفِيمَا‭ ‬سُقِىَ‭ ‬بِالسَّانِيَةِ‭ -‬البعير‭- ‬نِصْفُ‭ ‬الْعُشْرِ‮»‬‭.‬

ومِن‭ ‬المقرر‭ ‬شرعًا‭ ‬أن‭ ‬الزكاة‭ ‬واجبةٌ‭ ‬فى‭ ‬التمر‭ ‬والعنب‭ ‬مِن‭ ‬الثِّمار،‭ ‬وفى‭ ‬القمح‭ ‬والشعير‭ ‬مِن‭ ‬الزروع،‭ ‬إذا‭ ‬بلغت‭ ‬النِّصَاب،‭ ‬وذلك‭ ‬بإجماع‭ ‬العلماء‭. ‬ثم‭ ‬اختلف‭ ‬العلماء‭ ‬فيما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مُضَيِّقٍ‭ ‬ومُوَسِّعٍ‭: ‬فذهب‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬الصحابة‭ ‬والسلف‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬زكاة‭ ‬فى‭ ‬غير‭ ‬هذه‭ ‬الأصناف‭ ‬الأربعة،‭ ‬وهى‭ ‬رواية‭ ‬عن‭ ‬الإمام‭ ‬أحمد،‭ ‬وذهب‭ ‬الإمام‭ ‬أبو‭ ‬حنيفة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الزكاة‭ ‬تجب‭ ‬فى‭ ‬كُلِّ‭ ‬ما‭ ‬يُزرَع‭ ‬مِمَّا‭ ‬يُقصَد‭ ‬به‭ ‬استِنماءُ‭ ‬الأرض‭ ‬واستغلالُها؛‭ ‬مِن‭ ‬ثمارٍ‭ ‬وحبوبٍ‭ ‬وخضرواتٍ‭ ‬وغيرِها،‭ ‬دون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يُقصَد‭ ‬به‭ ‬ذلك‭ ‬عادةً؛‭ ‬كالحَطَب‭ ‬والحشيش‭ ‬والتبن‭ ‬وشجر‭ ‬القطن‭ ‬وغيرها،‭ ‬أما‭ ‬إن‭ ‬قَصَدَ‭ ‬بشيءٍ‭ ‬مِن‭ ‬هذه‭ ‬الأنواع‭ ‬كلها‭ ‬استِنماءَ‭ ‬الأرض‭ ‬وَجَبَت‭ ‬الزكاةُ؛‭ ‬فمَدَارُ‭ ‬وجوبها‭ ‬عنده‭ ‬على‭ ‬القصد‭.‬

ومذهب‭ ‬السادة‭ ‬الحنفية‭ ‬له‭ ‬وجاهته،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬الزكاة‭ ‬تجب‭ ‬فيما‭ ‬يُقصَدُ‭ ‬به‭ ‬استِنْماء‭ ‬الأرض‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬ويدل‭ ‬عليه‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬﴿يَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬أَنْفِقُوا‭ ‬مِنْ‭ ‬طَيِّبَاتِ‭ ‬مَا‭ ‬كَسَبْتُمْ‭ ‬وَمِمَّا‭ ‬أَخْرَجْنَا‭ ‬لَكُمْ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْأَرْضِ﴾‭ [‬البقرة‭: ‬267‭]‬،‭ ‬وقوله‭ ‬تعالى‭: ‬﴿وَهُوَ‭ ‬الَّذِى‭ ‬أَنْشَأَ‭ ‬جَنَّاتٍ‭ ‬مَعْرُوشَاتٍ‭ ‬وَغَيْرَ‭ ‬مَعْرُوشَاتٍ‭ ‬وَالنَّخْلَ‭ ‬وَالزَّرْعَ‭ ‬مُخْتَلِفًا‭ ‬أُكُلُهُ‭ ‬وَالزَّيْتُونَ‭ ‬وَالرُّمَّانَ‭ ‬مُتَشَابِهًا‭ ‬وَغَيْرَ‭ ‬مُتَشَابِهٍ‭ ‬كُلُوا‭ ‬مِنْ‭ ‬ثَمَرِهِ‭ ‬إِذَا‭ ‬أَثْمَرَ‭ ‬وَآتُوا‭ ‬حَقَّهُ‭ ‬يَوْمَ‭ ‬حَصَادِهِ‭ ‬وَلَا‭ ‬تُسْرِفُوا‭ ‬إِنَّهُ‭ ‬لَا‭ ‬يُحِبُّ‭ ‬الْمُسْرِفِينَ﴾‭ [‬الأنعام‭: ‬141‭]‬،‭ ‬فذَكَر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬النعمة‭ ‬فى‭ ‬القوت‭ ‬والفاكهة،‭ ‬وأوجب‭ ‬الحق‭ ‬منها‭ ‬كلها‭ ‬فيما‭ ‬تنوع‭ ‬حاله‭ ‬كالكرم‭ ‬والنخيل،‭ ‬وفيما‭ ‬تنوع‭ ‬جنسه‭ ‬كالزرع،‭ ‬وفيما‭ ‬ينضاف‭ ‬إلى‭ ‬القوت‭ ‬من‭ ‬الاستسراج‭ ‬الذى‭ ‬به‭ ‬تمام‭ ‬النعمة‭ ‬فى‭ ‬المتاع‭ ‬بلذة‭ ‬البصر‭ ‬إلى‭ ‬استيفاء‭ ‬النعم‭ ‬فى‭ ‬الظلم‭.‬

وقد‭ ‬تبينت‭ ‬قوةُ‭ ‬مَسْلَك‭ ‬مذهب‭ ‬الإمام‭ ‬أبى‭ ‬حنيفة‭ ‬وموافقته‭ ‬لعموم‭ ‬الأدلة،‭ ‬واتِّساقه‭ ‬مع‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬مشروعية‭ ‬الزكاة‭ ‬ورعاية‭ ‬مصلحة‭ ‬الفقير‭ ‬وشكر‭ ‬المَوْلى‭ ‬جلَّ‭ ‬شأنه‭ ‬ولذلك‭ ‬يجب‭ ‬إعطاء‭ ‬الزكاة‭ ‬فيما‭ ‬يؤكل‭ ‬من‭ ‬نبات‭ ‬الأرض‭ ‬إذا‭ ‬بلغ‭ ‬النصاب‭ ‬واجتمعت‭ ‬فيه‭ ‬شروط‭ ‬الزكاة،‭ ‬عملا‭ ‬بقول‭ ‬الإمام‭ ‬أبى‭ ‬حنيفة‭ ‬ومن‭ ‬وافقه‭ ‬من‭ ‬العلماء،‭ ‬واستيعابا‭ ‬لما‭ ‬نص‭ ‬عليه‭ ‬الفقهاء‭ ‬فيما‭ ‬تجب‭ ‬فيه‭ ‬الزكاة‭ ‬من‭ ‬النبات،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الأصل‭.‬

ومقدار‭ ‬الزكاة‭ ‬فى‭ ‬الزروع‭: ‬العُشر‭ ‬فيما‭ ‬سقت‭ ‬السماء،‭ ‬ونصف‭ ‬العشر‭ ‬فيما‭ ‬سُقِيَ‭ ‬بآلةٍ‭ ‬مِن‭ ‬مجموع‭ ‬نتاج‭ ‬الأرض‭ ‬إذا‭ ‬زاد‭ ‬عن‭ ‬خمسة‭ ‬أَوْسُقٍ،‭ ‬وهى‭ ‬تساوى‭ ‬612‭ ‬كيلوجرامًا،‭ ‬والأصل‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬الزكاة‭ ‬مِن‭ ‬جِنس‭ ‬الزرع‭ ‬المُزَكَّى‭ ‬عنه،‭ ‬ويجوز‭ ‬إخراج‭ ‬زكاة‭ ‬الزروع‭ ‬نقدًا‭ ‬بقيمة‭ ‬سعرها‭ ‬يوم‭ ‬الحصاد‭.‬

قد‭ ‬اختلف‭ ‬العلماء‭ ‬فى‭ ‬خصم‭ ‬التكاليف‭ ‬والديون‭ ‬مِن‭ ‬الزرع‭ ‬المُزَكَّى‭ ‬قبل‭ ‬إخراج‭ ‬زكاته؛‭ ‬فمنهم‭ ‬مَن‭ ‬قال‭ ‬بخصم‭ ‬دُيُون‭ ‬تكاليف‭ ‬الزرع‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬مِن‭ ‬الديون،‭ ‬ومنهم‭ ‬مَن‭ ‬أجاز‭ ‬خصم‭ ‬جميع‭ ‬الديون،‭ ‬ومنهم‭ ‬مَن‭ ‬جعل‭ ‬إخراج‭ ‬الزكاة‭ ‬قبل‭ ‬خصم‭ ‬الديون‭ ‬مطلقًا،‭ ‬وهذا‭ ‬الرأى‭ ‬الأخير‭ ‬هو‭ ‬الأنسب‭ ‬بتفريق‭ ‬الشرع‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬سُقِيَ‭ ‬بكُلْفَةٍ‭ ‬وما‭ ‬سُقِيَ‭ ‬بغير‭ ‬كُلْفَةٍ؛‭ ‬حيث‭ ‬أوجب‭ ‬فى‭ ‬الأول‭ ‬نصفَ‭ ‬العُشر‭ ‬وفى‭ ‬الثانى‭ ‬العُشرَ‭ ‬كُلَّه؛‭ ‬اعتبارًا‭ ‬للتكاليف،‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬الديون‭ ‬تُخصَم‭ ‬مِن‭ ‬الزكاة‭ ‬لَأَغْنَى‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التفريق؛‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرأى‭ ‬هو‭ ‬الأوفق‭ ‬لحاجة‭ ‬الفقراء‭ ‬والمساكين‭.‬

وبناءً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭: ‬فزكاة‭ ‬الأرض‭ ‬المستأجرة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬المستأجر‭ ‬على‭ ‬رأى‭ ‬الجمهور،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عليه‭ ‬دار‭ ‬الإفتاء‭ ‬المصرية،‭ ‬وتقع‭ ‬على‭ ‬صاحبها‭ ‬عند‭ ‬الإمام‭ ‬أبى‭ ‬حنيفة،‭ ‬وأما‭ ‬خصم‭ ‬أجرة‭ ‬الأرض‭ ‬قبل‭ ‬إخراج‭ ‬الزكاة‭ ‬فيجوز‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬العلماء،‭ ‬ويرى‭ ‬بعضهم‭ ‬وجوب‭ ‬إخراج‭ ‬الزكاة‭ ‬قبل‭ ‬خصم‭ ‬الديون‭ ‬مطلقًا،‭ ‬وهذا‭ ‬الرأى‭ ‬الأخير‭ ‬هو‭ ‬المختار‭ ‬للفتوى،‭ ‬ويجوز‭ ‬إخراج‭ ‬زكاة‭ ‬الزروع‭ ‬نقدًا‭ ‬بقيمة‭ ‬سعرها‭ ‬يوم‭ ‬الحصاد،‭ ‬والأمر‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬واسع‭ ‬لا‭ ‬ينبغى‭ ‬التضييق‭ ‬أو‭ ‬الخلاف‭ ‬والنزاع‭ ‬فيه؛‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬إنكار‭ ‬فى‭ ‬مسائل‭ ‬الخلاف‭ ‬التى‭ ‬وَسِعَ‭ ‬السلفَ‭ ‬الخلافُ‭.‬


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة